بحث متقدم
الزيارة
8414
محدثة عن: 2010/04/04
خلاصة السؤال
ما السبب في إختلاف التعابير عن عذاب يوم القيامة في القرآن؟
السؤال
تتكلّم الآيات رقم 78 من سورة الأعراف و 3 و 16 و 17 من سورة فصلت و 67 و 94 من سورة هود و 5 من سورة الحاقة و 189 من سورة الشعراء و 44 من سورة الذاريات و غيرها عن أنواع مختلفة للعذاب الذي لحق قوم عاد و ثمود و مدين. و لا ندري أيّهم الصحيح دون غيره، فمن باب المثال قد بيّن القرآن في مقاطع مختلفة من القرآن بأن عذاب ثمود كان بـ "الرجفة" و "الطاغية" و "الصيحة". فحتى لو فرضنا بأن كل هذه الأنواع كانت مجتمعة، فما السبب في ذكرها في آيات مختلفة من القرآن بنحو يشمّ منه رائحة التناقض؟ علماً بأن شاهد القتل لو أدلى بشهادته أمام المحكمة عدة مرات تختلف في كل مرّة عن سابقتها، سترد شهادته من قبل المحكمة!
الجواب الإجمالي

طريقة القرآن في عرضه للقصة القرآنية تتمثل بإكتفائه ببيان الملاحظات البارزة و المهمة منها و ما له أثر في إيفاء الغرض، و لا يدخل في جزئيات القصة و تفاصيلها، فلا يلتزم بحكاية القصة من أولها إلى آخرها، بل ينتقي منها ما فيه عبرة و فائدة على المستويين الفردي و الجماعي.

و لو تأمّلنا و التفتنا جيّداً إلى الآيات المذكورة و نظراً إلى مفاهيم العناوين و الكلمات المذكورة في الجواب التفصيلي عن العذاب سيظهر ببساطة عدم وجود التناقض بين هذه التعابير، بل و سيظهر بأن هذه التعابير كاللازم و الملزوم و يضم كلّ منها معاني الكلمات الأخرى، و هذا التعدّد هو مقتضى الفصاحة و البلاغة الأدبية في القرآن.

أما عن شهادة الشاهد فلا بد من القول: بأن الشهادة لا تفقد إعتبارها فيما لو كانت متعددة إلا إذا إنقضت إحداهما الأخرى في المراحل المتعددة، أما لو كانت الشهادة في كل مرّة تبين جزءاً من الحقيقة، فلا تفقد إعتبار ها و سيكون لها أثر كامل باجتماعها.

الجواب التفصيلي

لا بد من عرض مقدمة قبل الخوض في الجواب.

ليس الهدف من نزول القرآن كتابة التاريخ و القصة و الرواية و ما شابه ذلك و إن كان يستغل كل ذلك ـ بنحو من الأنحاء ـ للوصول إلى هدفه. القرآن كتاب هداية، و قد أنزله الله تعالى لبناء الإنسان و تهذيبه و تزكيته، و قد أنزل فيه من المواعظ و النصائح و النذر و التبشير ما يلزم لهذا الأمر.

من هنا نرى القرآن الكريم في سرده للتاريخ أو للقصة لا يدخل في ذكر التواريخ أو جزئيات القصة، فإنه يتبع طريقة التقطيع عند نقله للقصص لغرض الإستفادة التربوية و الأخلاقية فيذكر مقطعاً منها في مكان و مقطعاً آخر في مكان آخر لمناسبة اقتضت ذلك، "و ذلك لأن طريقة القرآن في عرضه للقصة القرآنية تتمثل بإكتفائه ببيان الملاحظات البارزة و المهمة منها، و ما له أثر في إيفاء الغرض، و لا يدخل في جزئيات القصة و تفاصيلها، فلا يلتزم بحكاية القصة من أولها إلى آخرها، بل ينتقي منها ما فيه نفع و فائدة"[1].

و كمثال على ما قلنا لقد وردت قصة نبي الله يونس (ع) في سورة الأنبياء الآية 87 و كذلك في سورة الصافات الآية 139 ـ 148 و هذا التكرار لا يعدّ ضعفاً و نقصاً بل ـ و أكثر من ذلك ـ يدل على الدقة و الحكمة و يعتبر من الأمور التي تساعد في تحقيق الهدف من نزوله، كالعالم المثقف و الخطيب البارع الذي يستشهد بقصيدة شعرية واحدة في أماكن متعددة من كتابه، حيث يضع كل بيت في الموضوع الذي يناسبه. بعد هذه المقدمة ندخل في الإجابة عن السؤال المطروح.

الصاعقة و الرجفة و الطاغية و الصيحة و يوم الظلّة كلمات متعددة و مختلفة في المعنى بحسب الظاهر، و عند التأمل قليلاً في مفاهيم العناوين و الكلمات المذكورة في الآيات و التفاسير التي تعرضت لبيان المراد من تلك المفردات التي يراد بها عذاب قوم من الأقوام، نحرز عدم التعارض و التناقض بينها، فبالنسبة لعذاب ثمود فقد ذكر القرآن كلمة: الرجفة[2] (الزلزلة) في سورة الأعراف الآية 78، و كلمة الصاعقة (العذاب المهلك، في سورة فصلت الآية 13 و 17 و كذلك في الآية 44 من سورة الذاريات، و الصاعقة قطعة من نار تتطاير على أثر الإصطدام بالسحاب و تحرق كل ما تسقط عليه و تحدث هزّة شديدة.[3]

و من جهة أخرى عبّر القرآن عن عذابهم في سورة الحاقّة الآية 5 بالطاغية (و هي الصاعقة،[4] أو ما خرج عن حدّه الطبيعي) و في سورة هود الآية 67 بالصيحة (و هي العذاب).[5]

أما عن قوم مدين فقد عبّر القرآن عن عذابهم في سورة هود الآية 94 بالصيحة و في سورة الأعراف الآية 91 بالرجفة و في سورة الشعراء الآية 189 بعذاب يوم الظلة (الظلال الناشئ من السحاب الذي يولد الصواعق).

يقول أغلب المفسّرين في ذيل الآية 189 من سورة الشعراء: "إن حرّا شديداً محرقاً حلّ في أرضهم سبعة أيّام، و لم يهب نسيم بارد مطلقاً، فإذا قطعة من السحاب تظهر في السماء ـ بعد سبعة أيّام ـ و تحرّك نسيم عليل فخرجوا من بيوتهم، و إستظلّوا تحت السحاب من شدّة الحرّ و فجأة سطعت من بين السحابة صاعقة مميتة بصوتها المذهل، و أحرقتهم بنارها و زلزلت الأرض و هلكوا جميعاً".[6]

أما الطاغية ـ فكما ذكرنا ـ تطلق على الصاعقة من جهة و على كل شيء تجاوز حدّه. عندئذ ينسجم المعنى مع الزلزلة أيضاً، و الصيحة هي بمعنى العذاب ـ كما قلنا سابقاً ـ و العذاب جاء في معنى الصاعقة أيضاً. إضافة إلى أن كل من الزلزلة و الطاغية مصداق للعذاب الطبيعي الشديد.[7] إنطلاقا مما مرّ و بالتدقيق في المفاهيم المذكورة سابقاً للإصطلاحات المستخدمة في وصف عذاب قوم ثمود و مدين، و نظراً إلى الترابط بينها في المعنى يظهر عدم التناقض و التضاد بينها، بل يظهر أنها كاللازم و الملزوم و تضم كلّ منها معاني الكلمات الأخرى.

أما التعدّد و الإختلاف في التعابير فهو مقتضى الفصاحة القرآنية و قمة البلاغة في إيصال المعنى و لأجل التأثير الفاعل و القوي في نفوس الناس. أما بالنسبة الى الشهادة فلا بد من القول: بأن الشاهد لو قال في مرحلة من شهادته شيئاً و في مرحلة ثانية نقض ما قاله سابقاً، أو شهد آخر بخلاف ما قاله، يسقط الكلّ عن الإعتبار، أما لو كانت الشهادة تبين في كل مرحلة جزءاً من الحادثة و الحقيقة، فلارين أنها ستكون مفيدة بإجتماعها بشرط عدم التناقض فيما بينها.

إضافة إلى أن القياس بين هذين الأمرين قياس مع الفارق، فالشروط اللازمة في المحكمة لقبول البينة و الإقرار و... لا دخل لها بالكتاب التربوي الذي أنزله الله تعالى لبناء الإنسان و تهذيبه و تزكيته ألا و هو القرآن الكريم.

 


[1]  الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، الموسوي الهمداني، سيد محمد باقر، ج 13، ص 403، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي التابع لجماعة مدرسي الحوزة العلمية في قم، قم، الطبعة الخامسة، 1374 ش.

[2]  إبن منظور، لسان العرب، ج 5، ص 153، الطبعة الأولى، إحياء التراث العربي، بيروت، 1408 ه ق.

[3]  إبن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، ج 7، ص 348، الناشر: دار صادر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1414 ق.

[4]  لسان العرب، ج 8، ص 170.

[5]  لسان العرب، ج 7، ص 440.

[6]  مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل 11، 454، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، 1421 ق.

[7]  تفسير الأمثل، ج 15، ص 375.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257233 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128139 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113238 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88995 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59548 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49726 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...