بحث متقدم
الزيارة
5477
محدثة عن: 2012/06/26
خلاصة السؤال
ما هی العلة فی التقدیم و التأخرین لکلمتی \"متّم\" و \"قتلتم\" فی الآیتین 157و158 من سورة آل عمران؟
السؤال
ورود آیتین متتابعتین قدم اللفظ فی الأولى وأخر اللفظ نفسه فی الثانیة: قال تعالى فی سورة آل عمران: \" وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ(157)وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ(158) \".ما سبب ذلک؟
الجواب الإجمالي

فی أثناء معرکة أحد اشاع بعض المشرکین و المنافقین فی أوساط المسلمین فکرة خطیرة للحد من مشارکة المسلمین فی الجهاد، مفادها أن المسلمین و المؤمنین بذهابهم للمعرکة یعرضون أنفسهم للهکلة و القتل، و ان الخلاص من هذا المصیر ینحصر فی البقاء فی المدینة و عدم الالتحاق بالجیش الاسلامی، فجاء الآیة تکذیبا للکفّار فی زعمهم هذا.

و فی خصوص التقدیم و التأخیر یشیر العلامة الطباطبائی الى نکتة دقیقة فیه قائلاً: قوله تعالى: "وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَحْمَةٌ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ" الظاهر أن المراد مما یجمعون هو المال و ما یلحق به الذی هو عمدة البغیة فی الحیاة الدنیا.

و قد قدم القتل ها هنا على الموت لأن القتل فی سبیل الله أقرب من المغفرة بالنسبة إلى الموت فهذه النکتة هی الموجبة لتقدیم القتل على الموت، و لذلک عاد فی الآیة التالیة: " وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ" إلى الترتیب الطبیعی بتقدیم الموت على القتل لفقد هذه النکتة الزائدة.

أما الطاهر بن عاشور فقد نظر الى القضیة من زاویة أخرى حیث قال: و قدّم القتل فی الأولى و الموت فی الثانیة اعتبارا بعطف ما یظنّ أنّه أبعد عن الحکم فإنّ کون القتل فی سبیل اللّه سببا للمغفرة أمر قریب، و لکن کون الموت فی غیر السبیل مثل ذلک أمر خفی مستبعد، و کذلک تقدیم الموت فی الثّانیة لأنّ القتل فی سبیل اللّه قد یظنّ أنّه بعید عن أن یعقبه الحشر، مع ما فیه من التفنّن، و من ردّ العجز على الصدر و جعل القتل مبدأ الکلام و عوده.

الجواب التفصيلي

فی السنة الثالثة للهجرة و بالتحدید فی معرکة أحد اشاع بعض المشرکین و المنافقین فی أوساط المسلمین فکرة خطیرة للحد من مشارکة المسلمین فی المعرکة، مفادها أن المسلمین و المؤمنین بذهابهم للمعرکة یعرضون أنفسهم للهکلة و القتل " یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا لا تَکُونُوا کَالَّذینَ کَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِی الْأَرْضِ أَوْ کانُوا غُزًّى لَوْ کانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا لِیَجْعَلَ اللَّهُ ذلِکَ حَسْرَةً فی‏ قُلُوبِهِمْ وَ اللَّهُ یُحْیی‏ وَ یُمیتُ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصیرٌ"[1] و ان الخلاص من هذه النتیجة ینحصر فی البقاء فی المدینة و عدم الالتحاق بالجیش الاسلامی[2]، فجاء قوله تعالى  «.....لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ» تکذیبا للکفّار فی زعمهم أنّ من ضرب فى الأرض أو غزا لو کان عندهم فی المصر لم یمت، و نهى المسلمین عن ذلک الاعتقاد لأنّه سبب التّخلّف عن الجهاد ثمّ قال: و لو کان الأمر کما تزعمون و تمّ علیکم ما تخافون من الهلاک بالموت أو القتل فی سبیل اللّه فإنّ ما تنالونه من المغفرة و الرّحمة بالموت فی سبیل اللّه خیر ممّا تجمعونه من منافع الدّنیا لو لم تموتوا، أو ممّا یجمعه الکفّار.[3]

و فی خصوص التقدیم و التأخیر یشیر العلامة الطباطبائی الى نکتة دقیقة فیه قائلا: قوله تعالى: وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَحْمَةٌ خَیْرٌ مِمَّا یَجْمَعُونَ الظاهر أن المراد مما یجمعون هو المال و ما یلحق به الذی هو عمدة البغیة فی الحیاة الدنیا.

و قد قدم القتل هاهنا على الموت لأن القتل فی سبیل الله أقرب من المغفرة بالنسبة إلى الموت فهذه النکتة هی الموجبة لتقدیم القتل على الموت، و لذلک عاد فی الآیة التالیة: " وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ" إلى الترتیب الطبیعی بتقدیم الموت على القتل لفقد هذه النکتة الزائدة.[4]

و قد تعرض  المحقق مصطفوی لتفسیر الآیة المبارکة قائلاً: اما الآیة 158 ففیها عودة الى الاجابة عن الشبهة المذکورة ثم التعرض للموت الذی یعد أمراً طبیعیاً، فتؤکد لهم أن الانسان سواء قطن المدینة أم القریة أم البادیة و سواء تحرک نحو الجهاد أم سکن و تخلف عنه، فان الموت سیدرکه و سیحشر الى الله تعالى؛ فلا مبرر لترک الجهاد و لا طائل من ورائه، و ان من یشترک فی الحرب لا یفقد شیئاً ما أبداً، من هنا اقتضت الحالة أن یبدأ الکلام بکلمة "متم"؛ و ذلک لان الانتقال من هذه الدنیا الى الآخرة إنما یتم فی الأعم الأغلب عن طریق الموت الطبیعی، ثم أردف ذلک بقوله "قتلتم" الذی یعنی الشهادة، و ذلک لقلة الراحلین من خلال هذا الطریق.[5]

أما الطاهر بن عاشور فقد نظر الى القضیة من زاویة أخرى حیث قال: و قدّم القتل فی الأولى و الموت فی الثانیة اعتبارا بعطف ما یظنّ أنّه أبعد عن الحکم فإنّ کون القتل فی سبیل اللّه سببا للمغفرة أمر قریب، و لکن کون الموت فی غیر السبیل مثل ذلک أمر خفی مستبعد، و کذلک تقدیم الموت فی الثّانیة لأنّ القتل فی سبیل اللّه قد یظنّ أنّه بعید عن أن یعقبه الحشر، مع ما فیه من التفنّن، و من ردّ العجز على الصدر و جعل القتل مبدأ الکلام و عوده.[6]

و الجدیر بالذکر ان الاختلاف فی التعبیر و التبدیل فی الکلمات تقدیماً أو تأخیراً و ما شابه ذلک، یعد نوعا من التفنن و المحسنات البدیعیة.

 

[1] ال عمران، 156.

[2] الطبرسی، فضل بن حسن،  جوامع الجامع، ج 1، ص 216، جامعة طهران، طهران، الطبعة الاولی، 1377 ش.

[3] نفس المصدر.

[4] الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القران،ج 4، ص 86 ، مکتب الاعلام الاسلامی، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق.

[5] مصطفوی، حسن، تفسیر روشن، ج 5، ص 112، مرکز نشر کتاب، طهران، 1380 ش، الطبعة الاولی.

[6] ابن عاشور، محمد بن طاهر، التحریر و التنویر، ج 3، ص 264-265 .

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...