بحث متقدم
الزيارة
5579
محدثة عن: 2011/09/21
خلاصة السؤال
ما المراد من برهانی التمانع و الفرجة؟
السؤال
ما المراد من برهانی التمانع و الفرجة المذکورین فی الابحاث الفلسفیة و الکلامیة؟
الجواب الإجمالي

یعد برهان التمانع أحد البراهین القرآنیة المتقنة و المحکمة لاثبات توحید الله تعالى و مدبریته و هو البرهان المشار الیه فی قوله تعالى " لو کان فیهما آلهة الا لله".

و اما برهان الفرجه فهو البرهان المستل من روایة هشام بن الحکم عن الامام الصادق (ع) و التی قررها الحکماء بتقریر خاص ذکرناه فی الجواب التفصیلی.

الجواب التفصيلي

برهان التمانع:

احدى البراهین القرآنیة المتقنة و المحکمة لاثبات توحید الله تعالى برهان التمانع المشار الیه فی قوله تعالى: " لو کان فیهما آلهة الا لله"[1].

و الغرض الاساسی للبرهان إثبات التوحید لله تعالى و وحدة الربویة له تعالى، و لیس المراد منه إثبات الوحدة الذاتیة او التوحید فی الخالقیة؛ و ان کانت تلک الامور الثلاثة لا تنفک بعضها عن البعض الآخر اذ التوحید فی الربوبیة یستلزم التوحید فی الذات و الخالقیة، و من غیر الممکن أن یکون مدبر العابر العالم غیرَ خالقه أو تتعدد ذاته.

و یمکن إیضاح هذا البرهان بما یلی:

إنّنا نرى- بدون شکّ- نظاما واحدا حاکما فی هذا العالم، ذلک النظام المتناسق من جمیع جهاته، فقوانینه ثابتة تجری فی الأرض و السّماء، و مناهجه متطابقة بعضها مع بعضها، و أجزاؤه متناسبة.

إنّ انسجام القوانین و أنظمة الخلقة هذا یحکی أنّها تنبع من عین واحدة، لأنّ البدایات إن کانت متعدّدة، و الإرادات مختلفة، لم یکن یوجد هذا الانسجام مطلقا، و هذا الشی‏ء الذی یعبّر عنه القرآن ب (الفساد) یلاحظ فی العالم بوضوح.

إذا کنّا من أهل التحقیق و المطالعة- و لو قلیلا- فإنّا نستطیع أن نفهم جیدا من خلال تحقیق کتاب ما، أنّ کاتبه شخص واحد أم عدّة أشخاص؟ فإنّ الکتاب الذی یؤلّفه شخص واحد یوجد انسجام خاص بین عباراته، ترتیب جمله، تعبیراته المختلفة، کنایاته و إشاراته، عناوینه و رؤوس مطالبه، طریقة الدخول فی البحوث و الخروج منها، و الخلاصة: إنّ کلّ أقسامه متحدّة متناسقة لأنّها ولیدة فکر واحد، و ترشّح قلم واحد.

أمّا إذا تعهّد شخصان أو عدّة أشخاص بأن یؤلّف کلّ منهم جزءا من الکتاب- و إن کان الجمیع علماء متقاربین فی الروح و التفکیر- فستظهر آثار هذه الازدواجیة أو الکثرة فی العبارات و الألفاظ، و طریقة الأبحاث. و سبب ذلک واضح، لأنّ الفردین مهما کانا منسجمین فی الفکر و الذوق، فإنّهما فی النتیجة فردان، فلو کانت کلّ أشیائهما واحدة لأصبحا فردا واحدا، فبناء على هذا فیجب أن یکون هناک تفاوت فیما بینهما قطعا لیتمکّنا أن یکونا فردین، و هذا الاختلاف سیؤثّر أثره فی النتیجة، و سیبدی آثاره فی کتاباتهما.

و کلّما کان هذا الکتاب أکبر و أکثر تفصیلا، و یبحث مواضیع متنوّعة، فإنّ عدم الانسجام یلمس فیه أوضح. و کتاب عالم الخلقة الکبیر، الذی نضیّع بکلّ وجودنا فی طیّات عباراته لعظمته یشمله هذا القانون أیضا.[2]

برهان الفرجة

اما برهان الفرجة المستل من روایة هشام بن الحکم عن الامام الصادق (ع) و التی قررها الحکماء[3] بالنحو التالی: فرض تعدد الالهة یلزوم الفرجة ففرض إلهین یستلزم آلهة ثلاثة و استلزام الثّلاثة خمسة و هکذا فانّه لو فرض الهین فامّا ان یکونا قدیمین قوّیین أو حادثین ضعیفین، أو یکون أحدهما قدیما قویّا و الآخر حادثا ضعیفا، و الأخیران خلاف الفرض و مثبتان للتّوحید، و ان کانا قدیمین واجبین و الوجوب من صفات الوجود، و الوجود کما سبق فی اوّل الکتاب متأصّل فی التّحقّق، و تحقّق کلّ متحقّق یکون بتحقّقه، و سبق انّ الوجود حقیقة واحدة لا تکثّر فیه بوجه من وجوه التّکثّر، و انّ تکثّره لا یکون الّا بضمائم، فاذا کان القدیمان واجبین بالذّات کانا مشترکین فی حقیقة الوجود، و تعدّدهما و افتراقهما لا یکون الّا بضمیمة و لا اقلّ من انضمام ضمیمة الى واحد منهما حتّى یصحّ الافتراق بالإطلاق و الانضمام و لا یکون الضّمیمة من سنخ المهیّات و الّا لزم ان یکون الکلّ ممکنا حادثا هذا خلاف الفرض، بیان الملازمة انّ المرکّب تابع لاخسّ اجزائه و المهیّة من حیث ذاتها لا تکون الّا ممکنة، و الممکن لا یکون الّا حادثا فالکلّ الّذى صارت المهیّة جزء له لا یکون الّا ممکنا حادثا و لا تکون من سنخ العدم و هو واضح فیکون من سنخ الوجود فیصیر المفروض الهین ثلاثة و لمّا کانت الثّلاثة مشترکة فی حقیقة الوجود فلا یکون التّعدّد الّا بضمائم و اقلّها ضمیمتان فیصیر الثّلاثة خمسة، و ننقل الکلام الى الخمسة فتصیر تسعة و هکذا الى ما لا نهایة له و هذا البرهان بعد إتقان المقدّمات من اسدّ البراهین و أتمّها لانّه یؤخذ من النّظر الى نفس حقیقة الوجود من غیر اعتبار شی‏ء آخر معها، و کما لا یحصل المعرفة التّامّة باللّه الّا برفع الحجب و المظاهر و نفى الأسماء و الصّفات و کشف سبحات الجلال من غیر اشارة و ذات للعارف کماورد عنهم (ع): "اعرفوا اللّه باللّه". یعنى لا بمظاهره و أسمائه و صفاته لا یحصل العلم التّامّ باللّه الّا برفع النّظر عن المعالیل و التّوجّه الى اللّه و تحقیق حقیقته حتّى یقال علمت اللّه باللّه.[4]



[1] الانبیاء، 22.

[2] مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏10، ص: 144-145، مدرسة الامام علی بن أبی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.

[3] الحاج ملا هادی السبزواری؛شرح منظومه؛ جلد 3؛ ص 516؛ الطبعة الاولی؛ نشر ناب؛ طهران؛ 1413؛ه. ق.

[4] گنابادى سلطان محمد، تفسیر بیان السعادة فی مقامات العبادة، ج‏3، ص: 46-47،  مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت،  1408هـ، الطبعة الثانیة.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279423 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257180 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128121 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113191 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88979 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59799 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59521 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56845 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49698 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47149 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...