Please Wait
9736
إن معرفة العوامل المسببة للانحراف عن الصراط المستقیم تستلزم المعرفة بمفهومی (الصراط) و (المستقیم).
المعنى اللغوی (للصراط) هو الطریق الواسع الواضح، و معنى (المستقیم) المشتق من مادة (قوم) ما یقابل (الطریق المعوج) و هو الطریق الآمن من الاختلاف المؤدی الى السلامة، کان علی (ع) یقول: (الیمین و الشمال مضلة، و الطریق الوسطى هی الجادة).
و مصداق الصراط المستقیم (هو الدین القیم) الذی بینه الله سبحانه فی القرآن الکریم، مع أنه یشتمل على مصادیق أخرى کالقرآن و الأئمة المعصومین (ع). و (الصراط المستقیم) واحد لا ثانی له، و إن کانت (سبل الله) متعددة و تقابل (سبل الانحراف) و الصراط المستقیم إما أن یکون بکیفیة بحیث تنتهی إلیه کل الطرق الفرعیة (سبل الله) و إما أن یکون بوحدته الشمولیة مستوعباً لجمیع هذه السبل.
من الممکن تصور عوامل کثیرة و مختلفة تسبب انحراف الإنسان عن الطریق المستقیم ویکون تأثیرها إما بشکل انفرادی أو منضمة إلى بعضها، و من جملتها: الجهل، و الشک، و الوسواس الفکری، و تقحم الشبهات، و الغفلة، و التأثر بالإیحاءات المنحرفة، و إعلام السوء، والنشأة فی محیط ملوث دون تربیة صحیحة، و ترک الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر بین المسلمین، و سکوت الخواص أمام الانحرافات الفردیة و الاجتماعیة، الظلم و ترک العدالة، استحکام الفقر و الفاقة بین الناس، المیل إلى الدنیا و الحرص و الطمع و بسط الآمال فیها و الغفلة عن الموت، التکبر و حب الذات و الغرور، و إیجاد الأرضیة المناسبة لتسلط الشیطان على النفوس و نفوذ تسلطه على العقل و الفطرة، الابتعاد عن الولی (ع) و التقلید الأعمى للآخرین، ضعف النفس و ضعف الإرادة و عدم وجود الصبر و الاستقامة اللازمة على الطریق الصحیح، قساوة القلب من أثر الذنوب و نسیان النفس على أثر نسیان الله و أوامره.
و مهما کانت هذه العوامل متعددة و قویة إلاّ أنها غیر قادرة على سلب إرادة الإنسان و اختیاره و أتباعه الحق، و بعبارة أخرى فإن الإنسان خلق بکیفیة یستطیع معها أن یصون نفسه و یجنبها الوقوع فی کل المهالک و الانحرافات و ذلک من خلال قوة العقل و الدرایة و التفکر فی العواقب، و بذلک یسمو بنفسه إلى قمة السعادة.
و کلما کان هذا العمل و الجهد أشد و أکبر، و کلما أحاطت به عوامل الانحراف و الغوایة و قویت و تمکن من الإفلات منها و التغلب علیها کلما کان عمله أکثر قیمة و جهاده أکبر، و لکن هذا العمل کما یقول العظماء بحاجة إلى همة عالیة و إرادة و تصمیم.
قبل الشروع ببیان العوامل المؤدیة إلى الانحراف عن الصراط المستقیم من اللازم أن نوضح معنى (الصراط) و (المستقیم).
الصراط فی اللغة: هو الطریق الکبیر الواسع الواضح، و یرى بعض علماء اللغة أن أصل کلمة الصراط یرجع إلى (سراط) الذی یعنی الازدراد و الابتلاع، و حیث أن الطریق واسع و مفتوح و عام و بدرجة من الوضوح و السعة، فکأنه یجر السالک إلیه و یجتذبه و من ثم یزدرده، و لذلک قیل له (صراط). و لکن بعض المحققین فی علوم القرآن لا یرون صواب هذا الرأی، و أن صیغة صراط هی لفظة مستقلة و لیست استبدالاً (للسراط).
و أما صیغة (مستقیم) فهی من مادة (قوم) و تدل على طلب القیام و إرادته و الاستقامة طلب القیام من الشیء، و طلب القیام کنایة عن ظهور و حصول آثار و منافع الشیء. و حیث أن الآثار و المنافع تأتی فی استواء السالک واستقامته و عدم اعوجاجه وضلاله،وقد سمیت مثل هذه الحالة قیاماً، فالطریق المستقیم إذن هو الطریق الخالی من الاعوجاج بحصول الأمرین[1]
و علیه فمعنى الصراط المستقیم هو (طریق الاستقامة) و یقابل (طریق الاعوجاج) و الطریق المعوج هو طریق التخلف و الاختلاف، و الطریق المستقیم هو الطریق الخالی من هذین الخطرین و المصون من آثارهما.[2]
و قال أمیر المؤمنین (ع) و هو المصداق الکامل للصراط المستقیم[3]: «الیمین و الشمال مضلة، و الطریق الوسطى هی الجادة».[4]
و مصداق الصراط المستقیم بنظر القرآن الکریم هو (الدین القیم) حیث قال «قُلْ إِنَّنِی هَدَانِی رَبِّی إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ»[5] و الدین القیم هو الدین الثابت الذی یثبت الآخرین، و السر فی تسمیة (ملة إبراهیم) بالدین القیم و الصراط المستقیم و أن نهجه هو النهج الدینی القویم لأن إبراهیم الخلیل سلک أفضل السبل و أقوم المناهج و إن وصفه (بالحنیف)؛ یعنی أنه یسیر و یتحرک على الطریق دون أی میل إلى أی جهة، و ذلک مقابل (الجنیف) و المتجانف و هو الذی یتمایل یمیناً و شمالاً فی سیره و حرکته.[6]
و قد وردت أحادیث و روایات مختلفة فی توضیح و تأویل و تطبیق الصراط المستقیم عن الأئمة المعصومین (ع) و علماء المعارف الإلهیة، و لکن التعرض لها یخرج هذا البحث عن هدفه و قصده. و نکتفی برأی الإمام الصادق (ع) فی تفسیر الآیة « اهدنا الصراط المستقیم» حیث قال: « یعنی ارشدنا لزوم الطریق المؤدی إلى محبتک و المبلغ إلى جنتک، و المانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب، أو أن نأخذ بآرائنا فنهلک».[7] فالإمام یفسر الطریق إذن بالطریق الموصلة إلى محبة الله و بلوغ جنته، و المانع من الوقوع فی الأهواء و الشهوات التی تهلک الإنسان و تردیه. و إنه لا یخلوا من فائدة أن القول بأن (الصراط المستقیم) هو واحد لا غیر، و أنه لا یقبل التعدد، لأنه یستند إلى الله، و کل طریق غیر طریق الله إنما ینتظم فی (سبل الغی) و معلوم أن (سبل الله) کثیرة و متعددة، و مع أنها تقابل (سبل الانحراف) إلاّ أنها لیست منفصلة عن (الصراط المستقیم) الواحد.
و إن علاقة (سبل الله) مع (الصراط المستقیم) إما بکیفیة تکون معها السبل طرقاً فرعیة ترتبط بالصراط، و أما یستوعب الصراط المستقیم کل السبل بوحدته الانبساطیة الشاملة المستوعبة[8] قال الله سبحانه فی القرآن الکریم: « وَ اللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئًا وَ جَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَ الأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ»[9] و کذلک یقول: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ إِذْ بَعَثَ فِیهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ یَتْلُو عَلَیْهِمْ آَیَاتِهِ وَ یُزَکِّیهِمْ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْکِتَابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ إِنْ کَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ».[10]
و قد لفقت هاتان الکریمتان کما فی روایة الإمام موسى الکاظم (ع) على النحو التالی : «یا هشام إن لله على الناس حجتین، حجة ظاهرة، و حجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل و الأنبیاء و الأئمة، و أما الباطنة فالعقول».[11]
و مع وجود الهدایة الباطنیة المتمثلة بالعقل و الفطرة، و الهدایة الظاهریة و هی الهدایة التشریعیة المتمثلة بإرسال الرسل و إنزال الکتب لا یبقى و لا یقبل أی عذر للإنسان فی مسألة الانحراف، و تقوم علیه الحجة و تلزمه بوجود هذین الهادیین، و یقطع علیه طریق الحجج و الأعذار بالکامل.
و یستمر الإمام الکاظم (ع) فی بیان علل الانحراف و المیل عن الصراط و السر فی فساد دین الإنسان و دنیاه فیقول: « یا هشام، إن العاقل الذی لا یشغل الحلال شکره، و لا یغلب الحرام صبره، یا هشام من سلط ثلاثاً على ثلاث، فکأنما أعان هواه على هدم عقله. من أظلم نور فکره بطول أمله. و محا طرائف حکمته بفضول کلامه، و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فکأنما أعان هواه على هدم عقله، و من هدم عقله أفسد علیه دینه و دنیاه».[12]
أقسام الأسباب المؤدیة الى الانحراف و علله:
قسموا عوامل الانحراف إلى قسمین، عوامل داخلیة و عوامل خارجیة، مع التأکید على أهمیة العوامل الداخلیة، و إنها تلعب الدور الأکبر فی انحراف الإنسان و ضلاله. بمعنى أن العوامل الخارجیة لا یمکن أن یکون لها تأثیر و فاعلیة إلاّ مع وجود العوامل الداخلیة التی تهیئ الأرضیة النفسیة الداخلیة، و بعبارة أخرى أن العوامل الخارجیة تابعة للعوامل الداخلیة و لا یترتب أثرها إلاّ بعد وجودها. و من جانب آخر فإن هذا الشخص الذی یکون سبباً فی إضلال الآخرین عندما یبتلى بالانحراف الباطنی النفسی، سواء کان یعد انحرافه هذا انحرافاً، أما أنه یتوهم أنه یسیر فی طریق السعادة، و یتوهم أن الآخرین و هم (أهل الصراط المستقیم) على انحراف. فإنه یسلک طرقاً شتى.
کما أن الله سبحانه یقول: « وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنَا وَ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَ کَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَ مَنْ شَاءَ فَلْیَکْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِینَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا».[13]
إن التأثر بالآخرین و التبعیة لهم واقع، و إن السعی و العمل على إضلال الآخرین ینبثق عن عوامل انحرافیة داخلیة فی اتباع الهوى و الإغراق فی الآمال و تجاوز الحدود فی إشباعها و تحقیقها.
و هذه الآیة الکریمة تدعو النبی (ص) و المؤمنین إلى طاعة الله سبحانه، ثم تعقب بوصف العذاب و الثواب، لتحرک عند المخاطبین الإحساس بجلب المنافع و دفع الأضرار، لیختاروا الطریق الصحیح من خلال التفکیر فی العواقب. و من هنا یتضح أنه إذا لم یتحرک الداخل فإن الإنسان لا یقع تحت تأثیر العوامل الخارجیة و إذا کان للعقل و الفطرة نور، و إن الأرضیة مهیأة للهدایة، فإن النفس تتنبه و تلتفت و تمیل باتجاه الحق فی اتباع الرسول (ص) و أهل بیته (ع).
و فی المقابل إذا کانت الشهوات هی المسیطرة و إن الحرص و الطمع هو الغالب و الإخلاد إلى عاجل الدنیا، فالنتیجة هی العناد و الإعراض و اتباع إغواء الداخل و الانحراف عن طریق رسول الله (ص)، و الأولیاء (ع)، و تسلیم ید الطاعة للشیاطین و الموسوسین المحدقین بالإنسان من کل جانب، و حینما یعود إلى رشده و یلتفت إلى أمره فلا ینفعه حینها شیء وقت فوات الأوان، و قد أشار القرآن إلى ذلک بقوله: « وَ قَالَ الَّذِینَ کَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَیْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَ الإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِیَکُونَا مِنَ الأَسْفَلِینَ».[14]
و حینذاک یسمعون الجواب من الشیطان: « إِنَّ اللَّهَ وَعَدَکُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُکُمْ فَأَخْلَفْتُکُمْ وَ مَا کَانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُکُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِی فَلا تَلُومُونِی وَ لُومُوا أَنْفُسَکُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِکُمْ وَ مَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِیَّ إِنِّی کَفَرْتُ بِمَا أَشْرَکْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِینَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ»[15] و أما جواب کبرائهم فعلى النحو التالی: « سَوَاءٌ عَلَیْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِیصٍ»[16].
و یمکن ذکر أسباب الانحراف بالنسبة إلى الإنسان بکیفیة یکون فیها کل عامل مترتب على ما یأتی بعده، و بعبارة أخرى إن تأثیر العامل المتأخر نتیجة لتأثیر العامل الذی یتقدمه:
1- وراثة الصفات عن الأم و الأب، و تأثیر التربیة غیر الصحیحة و المحیط الملوث، و التبلیغ السیء.
2- الجهل و الشک و الغفلة، و الوسواس الفکری و الوقوع فی الشبهات و الدسائس.
3- ترک الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر (أو انعکاس الأمرین لدى المسلمین) و سکوت الخواص عن الانحرافات الفردیة - و الاجتماعیة و حکومة الأمة الإسلامیة.
4- انحراف الأجهزة الحاکمة، و العلماء أصحاب النفوذ، و اتساع الفقر و الظلم و غیاب العدالة، و الاضطراب فی المجتمع.[17]
5- حب الدنیا مع شدة الطمع و الحرص، و الآمال العریضة، و الغفلة عن الموت، و عن الرقابة الإلهیة فی هذه الدنیا و الحساب فی الآخرة (ضعف الإیمان و الاغترار بالدنیا).
6- الأنانیة و التکبر و الغرور و العناد لله و رسوله (ص) و الأولیاء (ع).
7- نفوذ الشیطان إلى القنوات الإدراکیة بالنسبة إلى الإنسان و التسلط على عقله و فطرته و عواطفه.
8- ضعف النفس و ضعف الإرادة.
9- عدم الصبر و الاستقامة اللازمة لإنجاز الواجبات و ترک المحرمات.
10- قساوة القلب بسبب المعاصی، و أکل المال الحرام.
11- نسیان المنزلة و مقام الإنسان فی نظام الخلق.
12- انحطاط الهمة و القناعة بمتاع الدنیا و التعلق بالشهوات و المیول الحیوانیة، و إشباعها اللامحدود.
13- الانحطاط التدریجی و الانشغال بالرفاه و الانبساط و التوسع و حیف النعم الإلهیة و إکفارها (الاستدراج).
إن الإنسان ما دام حیّا له القدرة على إصلاح نفسه، و التخلص من آثار هذه العوامل، و إذا کان السعی فی ذلک أیام شبابه فذلک أفضل من أیام هرمه، لأن العادات السیئة و الرذائل الأخلاقیة تتجذر و تستحکم بمرور الزمان، و بذلک یصعب قلعها و التخلص منها، لأن إضافة عوامل أخرى و تراکم بعضها على بعض ینحط بالإنسان إلى درکات أخرى مما یجعله فی مکان متدنٍ یصعب معه انتشاله و النهوض به إلى الأعلى بسهولة. مما یولد شیئاً من الیأس و الإحباط فی عملیة الإصلاح، و لکن مع ذلک فإن ما یتبقى من بصیص فی النفس و الضمیر یمثل نافذة و إن کانت صغیرة و ضیقة إلاّ أنها یمکن أن تکون قناة لنفوذ و سماع نداء الوحی النورانی الذی یملأ النفس بالدفء و الحرارة، و یبعث فیها الاشتیاق إلى العودة و الإنابة إلى سبیل الله: « قُلْ یَا عِبَادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ * وَ أَنِیبُوا إِلَى رَبِّکُمْ وَ أَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَکُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکُمْ مِنْ رَبِّکُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَأْتِیَکُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ یَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِی جَنْبِ اللَّهِ وَ إِنْ کُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِینَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِی لَکُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِینَ * أَوْ تَقُولَ حِینَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِی کَرَّةً فَأَکُونَ مِنَ الْمُحْسِنِینَ».[18]
و نتیجة القول هی: سواء کانت عوامل الانحراف داخلیة أم خارجیة فإنها فی حالة صراع و تضاد مع عوامل الهدایة الخارجیة و الداخلیة، و إن هذا الصراع المحتدم الدائم بین الحق و الباطل لا یمکن أن تکتب له نهایة. و إن هذه العوامل باقیة سواء تغلبت هذه على تلک أو تلک على هذه أو البقاء تحت تأثیر بعضها أو الخروج من وطأتها. الثبات فی موقع معین أو التزحزح عنه و کل هذه التقلبات و التحولات و المجریات ترتبط ارتباطاً مباشراً بعزم الإنسان و إرادته و اختیاره و تصمیمه، و تقدیره للعواقب، و لکن بالتوجه إلى قانون العلة و المعلول لابد أن نعلم أنه ما دام الانحراف غیر واقع، فإن منع وقوعه ممکن، و اما فی حالة وقوعه فان تحقق آثاره و ما یترتب علیه أمر حتمی لا مفر منه، و على أقل تقدیر فإنها تسلب الإنسان التوفیق إلى زمن معین، و إن التخلص من هذه الآثار یتطلب زمناً و متاعب و جهوداً مضنیة. و إذا استمر هذا الانحراف حتى الموت فلا مناص و لا خلاص من ترتب العقاب و الحساب علیه.
إذن ما دامت الفرصة موجودة فعلینا أن نعود إلى أنفسنا، و نبدأ بعلاج الانحرافات و الإقلاع عن المعاصی لنزیل آثارها الدنیویة و الأخرویة، بالإیمان و العمل الصالح.
و لذلک یقول تعالى « یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا عَلَیْکُمْ أَنْفُسَکُمْ لا یَضُرُّکُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَیْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِیعًا فَیُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ».[19]
ثبتوا أقدامکم و استقیموا على دین الله، لتنالوا التوفیق بالاعتماد على النفس و التوکل على الله و الاستعانة به، و التوسل بالأئمة الأطهار (ع)، و انزلوا إلى میدان مجاهدة النفس بعد التخلص من التسویف و التساهل، و بذلک سوف تجدون و تجربون بأنفسکم مدى النصر و الإمداد و الهدایة الإلهیة، لأنه سبحانه قطع على نفسه وعداً بذلک فی قوله تعالى: « وَ الَّذِینَ جَاهَدُوا فِینَا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِینَ».[20]
و فی بدایة الطریق و خطوة العمل الأولى. نستفید من کلام أمیر المؤمنین و نصغی له بآذان قلوبنا لنغسل عنها الرین و نزیل أدرانها بهذا الکلام النورانی البلیغ: «وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَکُمْ عَلَى الصِّرَاطِ وَ مَزَالِقِ دَحْضِهِ وَ أَهَاوِیلِ زَلَلِهِ وَ تَارَاتِ أَهْوَالِهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ تَقِیَّةَ ذِی لُبٍّ شَغَلَ التَّفَکُّرُ قَلْبَهُ وَ أَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ وَ أَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ وَ أَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ یَوْمِهِ وَ ظَلَفَ الزُّهْدُ شَهَوَاتِهِ وَ أَوْجَفَ الذِّکْرُ بِلِسَانِهِ وَ قَدَّمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ وَ تَنَکَّبَ الْمَخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِیلِ وَ سَلَکَ أَقْصَدَ الْمَسَالِکِ إِلَى النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ وَ لَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلَاتُ الْغُرُورِ وَ لَمْ تَعْمَ عَلَیْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْأُمُورِ ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى وَ رَاحَةِ النُّعْمَى فِی أَنْعَمِ نَوْمِهِ وَ آمَنِ یَوْمِهِ وَ قَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِیداً وَ قَدَّمَ زَادَ الْآجِلَةِ سَعِیداً وَ بَادَرَ مِنْ وَجَلٍ وَ أَکْمَشَ فِی مَهَلٍ وَ رَغِبَ فِی طَلَبٍ وَ ذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ وَ رَاقَبَ فِی یَوْمِهِ غَدَهُ وَ نَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ فَکَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَ نَوَالًا وَ کَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَ وَبَالًا وَ کَفَى بِاللَّهِ مُنْتَقِماً وَ نَصِیراً وَ کَفَى بِالْکِتَابِ حَجِیجاً وَ خَصِیماً».[21]
المصادر:
1. الإمام الخمینی، آداب الصلاة.
2. جوادی الآملی، عبد الله، تفسیر التسنیم، ج1.
3. جوادی الآملی، عبد الله، صورت و سیرت انسان در قرآن" صورة الإنسان و سیرته فی القرآن".
4. جوادی الآملی، عبد الله، فطرت در قرآن" الفطرة فی القرآن".
5. جوادی الآملی، عبد الله، مبادى اخلاق در قرآن" مبادئ الأخلاق فی القرآن".
6. جوادی الآملی، عبد الله، مراحل اخلاق در قرآن،" مراحل الأخلاق فی القرآن".
7. الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، ج1.
8. الفیض الکاشانی، التفسیر الصافی، ج1.
9. القرآن الکریم.
10. مصباح الیزدی، محمد تقی، اخلاق در قرآن،" الأخلاق فی القرآن".
11. مصباح الیزدی، محمد تقی، خودشناسى براى خودسازى،" معرفة النفس لبنائها".
12. نهج البلاغة، الفهرست الموضوعی، مادة انحراف و انحطاط.
[1] جوادی الآملی، عبد الله، تفسیر التسنیم، ج1، ص457-458.
[2] جوادی الآملی، عبد الله، تفسیر التسنیم، ج1، ص464.
[3] نقل عن الإمام الصادق فی کتاب من لا یحضره الفقیه، و تفسیر العیاشی: الصراط المستقیم أمیر المؤمنین.... ر.ک، تفسیر المیزان، ج1، ص4؛ الصافی، ج1، تفسیر الآیة 6 من سورة الحمد.
[4] نهج البلاغة، الخطبة، 16، البند 7.
[5] الأنعام، 161.
[6] انظر: تفسیر التسنیم، ج1، ص 466؛ آداب الصلاة، الإمام الخمینی، ص287.
[7] تفسیر المیزان، ج1، ص38؛ آداب الصلاة، الإمام الخمینی، ص286 – 294؛ تفسیر الصافی، ج1، تفسیر الآیة 6 سورة الحمد.
[8] انظر: تفسیر التسنیم، ج1، ص466 - 468.
[9] النحل، 78.
[10] آل عمران، 164؛ البقرة، 129، 151؛ الجمعة، 2.
[11] العلامة الحرانی، تحف العقول، ترجمة أحمد الجنتی، ص 450 - 451، مع بعض التصرف فی الترجمة.
[12] نفس المصدر.
[13] الکهف، 28-29.
[14] فصلت، 29.
[15] إبراهیم، 22.
[16] إبراهیم، 21.
[17] راجع موضوع: أسباب تفشی الفساد فی الحکومات الإسلامیة.
[18] الزمر، 53-58.
[19] المائدة، 105.
[20] العنکبوت، 69.
[21] نهج البلاغة، ترجمة محمد الدشتی، خ83، ص 137؛ کذلک الحکمة 31، ص 629.