بحث متقدم
الزيارة
6288
محدثة عن: 2011/06/17
خلاصة السؤال
هل تدل هاتان الآیتان "عَفَا اللَّهُ عَنکَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتىَ‏ یَتَبَینَ‏َ لَکَ الَّذِینَ صَدَقُواْ وَ تَعْلَمَ الْکَاذِبِین‏" و "یَأَیهَُّا النَّبىِ‏ُّ لِمَ تحَُرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَکَ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَاجِکَ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِیم‏" علی عدم عصمة النبی (ص)؟
السؤال
الرجاء بیان و تأویل أو تفسیر هاتین الآیتین، لان الوهابیة یعتبرون هاتین الآیتین دلیلاً علی أن النبی الأعظم محمد بن عبد الله (ص) غیر معصوم فی کل شیء و العصمة مختصة فی تبلیغ الرسالة، فالآیة الأولی تدل علی حدوث معصیة و الآیة الثانیة تدل علی أن النبی (ص) یطیع أزواجه و یحرم حلال الله و لا یستطیع تمیز بین الصادقة و الکاذبة؟
الجواب الإجمالي

أما فی خصوص الآیة 43 من سورة التوبة راجعوا المواضیع التی فُصل فیها الجواب عنها.

وأما الآیة الأولی فی سورة التحریم: فالتحریم هنا لم یکن تحریماً شرعیاً، و ذلک لأن جملة «لم تحرم» لم تکن بشکل عتاب و تأنیب للنبی (ص)، بل کانت بشکل رحمة و شفقة للنبی (ص) و مفادها: لماذا تحرم علی نفسک الحلال و النعم الإلهیة بسبب التزام و قسم لأجل کسب رضی أزواجک، فلیس من الواجب القیام بهذا العمل و هذا الامتناع عن بعض الامور المحلّلة. و هذا مثل ما نقول لشخص یسعی و یتعب کثیراً فی سبیل تحصیل الرزق و من ثم لا یحصل علی فائدة مرضیة، نقول له: لماذا کل هذا التعب و السعی بدون فائدة؟

الجواب التفصيلي

تفسیر و شأن نزول الآیة الأولی من سورة التحریم: یَأَیهَُّا النَّبىِ‏ُّ لِمَ تحَُرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَکَ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَاجِکَ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِیم [1] المشهور و المناسب من المنقول فی شأن نزول [2] هذه الآیة هو أن النبی محمداً (ص) عندما کان یدخل فی بعض الأحیان علی احدی زوجاته و هی «زینب بنت جحش» کانت تبقیه عندها و تعطیه (ص) من عسل کانت قد هیأته له، و حینما علمت عائشة بذلک تأذّت و تألمت من فعل زینب هذا کثیراً، فقالت عائشة: قرّرنا أنا و حفصة (احدی زوجات النبی (ص)) کلما دخل علینا رسول الله (ص) نقول له "أنا نجد فیک ریح المغافیر [3] ، هل أکلت منه؟ (و المغافیر: هو صمغ کریه الرائحة یخرج من شجرة العرفط) و کان رسول الله یَشق علیه أن یوجد منه ریح غیر طیّبة، بل کان یصر أن یبدو دائماً معطّر الرائحة. فدخل النبی یوماً علی حفصة، و قالت له ما اتفقت علیه مع عائشة فقال النبی (ص): "لا لم أکل المغافیر و لکن سقتنی زینب عسلاً حیث کنت عندها، أقسم بالله بأن لا طعمه أبداً (لاحتمال أن النحل أخذ العسل من زهر المغافیر الکریهة الرائحة) و لکن لا تعلمی‌أحداً بذلک (لئلا یصل الی مسامع الناس، فیقولون لم یحرم النبی الأکل الحلال علی نفسه؟ أو أنهم قد یُقلّدونه فی هذا الأمر. أو حتی لا یصل الأمر الی مسامع زینب فتتألم لذلک و ینکسر قلبها).

و لکنها لم تلتزم باخفاء السر وافشته، و بعدها توضح أن أصل هذه القضیةة کانت مؤامرة من قبل بعض زوجاته، و قد تأذی النبی (ص) کثیراً من هذه المسألة و بهذا الشأن نزلت الآیات المتقدمة و انتهت الحادثة بحیث لا یُمکن أن یتکرّر فی هذا البیت من أمثال هذه الأعمال. [4]

ممّا لا شکّ فیه أنّ رجلا عظیما کالرّسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم لا یمکن أن یهمّه أمره وحده دون غیره، بل أمره یهمّ المجتمع الإسلامی و البشریة جمعاء، و لهذا یکون التعامل مع أیّة دسیسة حتّى لو کانت بسیطة تعاملا حازما و قاطعا لا یسمح بتکرّرها، لکی لا تتعرّض حیثیة الرّسول و اعتباره إلى أی نوع من التصدّع و الخدش و الآیات محلّ البحث تعتبر تحذیرا من ارتکاب مثل هذه الأعمال حفاظا على اعتبار الرّسول صلّى اللّه علیه و آله و سلّم.

البدایة کانت خطابا إلى الرّسول: یا أَیُّهَا النَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَکَ تَبْتَغِی مَرْضاتَ أَزْواجِکَ.

و من الواضح أنّ هذا التحریم لیس تحریما شرعیّا، بل هو- کما یستفاد من الآیات اللاحقة- قسم من قبل الرّسول الکریم، و من المعروف أنّ القسم على ترک بعض المباحات لیس ذنبا.

و بناء على هذا فإنّ جملة لِمَ تُحَرِّمُ لم تأت کتوبیخ و عتاب، و إنّما هی نوع من الإشفاق و العطف.

تماما کما نقول لمن یجهد نفسه کثیرا لتحصیل فائدة معیّنة من أجل العیش ثمّ لا یحصل علیها، نقول له: لماذا تتعب نفسک و تجهدها إلى هذا الحدّ دون أن تحصل على نتیجة توازی ذلک التعب؟

ثمّ یضیف فی آخر الآیة: وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ ...

و هذا العفو و الرحمة إنّما هو لمن تاب من زوجات الرّسول اللاتی رتّبن ذلک العمل و أعددناه. أو أنّها إشارة إلى أنّ الرّسول ما کان ینبغی له أن یقسم مثل هذا القسم الذی سیؤدّی- احتمالا- إلى- جرأة و تجاسر بعض زوجاته علیه صلّى اللّه علیه و آله و سلّم. [5]

أما ما یخص الآیة 43 من سورة التوبة فراجعوا المواضیع التالیة حیث فصل الحدیث فیها عمّا یخص آیات آخر من هذا القبیل:

1- «عصمة الأنبیاء (ع) فی القرآن» السؤال 1013 (الموقع: 1070) .

2- «عصمة الأنبیاء (ع) بنظر القرآن» السؤال 916 (الموقع: 997) .

3- «عصمة النبی (ص) و ترک الاولی» السؤال 1204 (الموقع: 1972) .

4- «عصمة الأنبیاء (ع)» السؤال 12695 (الموقع: 12442) .



[1]    التحریم، 1.

[2]    و هو نوع من الصمغ یترشّح من بعض أشجار الحجاز یسمّی "عرفط" و یترک رائحة غیر طیبة، تفسیر الأمثل، ج18، ص440.

[3]    و هو نوع من الصمغ یترشّح من بعض أشجار الحجاز یسمّی "عرفط" و یترک رائحة غیر طیبة، تفسیر الأمثل، ج18، ص440.

[4]     البغوی (محیی السنة)، ابو محمد الحسین بن مسعود، معالم التنزیل فی تفسیر القرآن

[5]    تفسیر الأمثل، ج18، ص440 و 441؛ الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج19، ص330، مکتب الانتشارات الإسلامی، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...