بحث متقدم
الزيارة
5286
محدثة عن: 2009/05/17
خلاصة السؤال
ما هو الفرق بین تفصیل القرآن و تفسیره؟
السؤال
ما معنى قول القرآن «فصلناه على علم» و أین یکون هذا التفصیل، و إذا کان التفصیل فی القرآن، فلماذا نفسر القرآن إذاً؟ و ما هو المراد بالتفصیل؟
الجواب الإجمالي

فصلنا: تعنی جعله فصلاً فصلاً و ترتیبه.

و علیه فلا بد من القول فیما یخص قوله «فصلناه» الوارد فی الآیة الشریفة 52 من سورة الأعراف: إن المراد هو التدرج و التفریق فی النزول لأن القرآن نزل فی لیلة القدر جملة واحدة ثم نزل بالتدریج و التفریق.

و أما التفسیر فمعناه بیان معانی الآیات القرآنیة و الکشف عن مضامینها و مدلولاتها. و علیه فلا یوجد أی تعارض بین تفصیل الآیات و تفسیرها.

الجواب التفصيلي

«فصلنا» من مصدر «تفصیل» على وزن «تفعیل» و تعنی جعل الشیء مرتباً فصلاً فصلاً[1].

و علیه فیکون معنى الآیة الشریفة «وَ لَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِکِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ»[2] الآتی: إنا جئناهم بقرآنٍ مفصل منطلق من علم واسع یستوعب فروع العلم "و لقد جئنا هؤلاء بالقرآن یهدی الى الرشد، و یبین عن علم ما یحتاج الیه الناس فی معاشهم و معادهم، و ضمن لمن آمن و عمل بتعالیمه الهدایة الى الخیر فی الدنیا، و رحمة اللّه و ثوابه فی الآخرة"[3]. و قد فصلنا الفاظه الى آیات و سور و محکمات و متشابهات و نصوص و ظواهر، وفصلنا محتواه الى اصول و فروع و علوم وم معارف متنوعة.

و توضیح ذلک لأن فهمنا العادی للقرآن الکریم یستلزم نزول آیاته منفصلة عن بعضها و بالتدریح لنتدبرها واحدة واحدة؛ و لکن للقرآن حقیقة أخرى، و أنه بلحاظ هذه الحقیقة یکون أمراً واحداً لا تدرج فیه، و أن نزوله یوصف بالإنزال، أی أنه نزل دفعةً واحدة، و هو خلاف التنزیل الذی یعنی «التدریج».

و أن القول بأن القرآن له جانبان بلحاظ الوحدة و الجمع و التفصیل و التفرق مستفاد من الآیات القرآنیة نفسها مثل: «کِتَابٌ أُحْکِمَتْ آیَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَکِیمٍ خَبِیرٍ»[4].

و فی خصوص الفرق بین قوله «أحکمت» و «فصلت» ورد کلام کثیر للمفسرین، و کثرت الاحتمالات فی ذلک، و لکن الأقرب إلى المعنى هو أن المراد فی قوله «أحکمت» بیان أن القرآن مجموعة واحدة یرتبط بعضها ببعض، کالبناء المحکم المتراصف الثابت، و أنه نازل من عند الله الواحد سبحانه، و علیه فلا یوجد فیه تضاد أو اختلاف فیما بین آیاته.

أما بالنسبة لقوله «فصلت» ففیه إشارة إلى أنه فی عین کونه واحداً و محکماً فإنه ینطوی على تفرعات و تشعبات کثیرة تغطی جمیع احتیاجات الإنسان المادیة و المعنویة، و أنه فی عین کثرته واحد و فی عین وحدته کثیر.[5]

و علیه فمعنى التفصیل أن هذا الکتاب وضع فصلاً فصلاً و مقطعاً بعد آخر، و أما الإحکام فمعناه أنه غیر مجزء، و أن أجزاءه لا یختلف بعضها عن البعض الآخر، لأنها جمیعاً ترجع إلى معنىً واحد لیس له جزء و لا فصل.

و الروایات التی نقلت من طریق الشیعة عن الصادق(ع) و کذلک ما نقله المفسرون عن ابن عباس تؤید هذا التفسیر و تنطبق مع مضامین هذه الآیات.

و خلاصة ما تذهب إلیه الروایات مع اختلاف عباراتها هو: «أن القرآن نزل فی لیلة القدر أو شهر رمضان من البیت المعمور أو اللوح المحفوظ أو السماء العلیا إلى السماء الأولى أو الدنیا، دفعة واحدة ثم نزل بالتدریج و التفریق»[6].

و أما بالنسبة إلى معنی التفسیر فیعنی بیان المعانی لآیات القرآن الکریم و کشف مقاصدها و مدلولاتها[7]. فلا یوجد بینه و بین التفصیل أی تعارض من هذه الجهة. و هناک معانٍ أخرى فی مورد الآیة الشریفة، و مع إعمال الدقة فیها لا وجود للتنافی بینها و بین التغییر أیضاً.

معنى التفسیر:

من أجل إیضاح أکثر لا بد من القول فی البدایة أن التفسیر بمعنى بیان معانی الآیات و الکشف عن مقاصدها و مدلولاتها و هو من أقدم الممارسات العلمیة التی مارسها علماء الإسلام و اشتغلوا بها، و إن تاریخ هذا العلم المسمى بالتفسیر یرجع إلى زمن نزول الوحی. و أن هذا المعنى یستفاد بوضوح من الآیة الشریفة فی قوله تعالى: «کَمَا أَرْسَلْنَا فِیکُمْ رَسُولاً مِنْکُمْ یَتْلُو عَلَیْکُمْ آیَاتِنَا وَ یُزَکِّیکُمْ وَ یُعَلِّمُکُمُ الْکِتَابَ وَ الْحِکْمَةَ»[8] لأن الآیة تقول أن الرسول الذی نزل علیه القرآن یعلمکم.

کان التفسیر و دارسة القرآن فی بدایتها لا تتجاوز إطار الجانب الأدبی للآیات و أسباب نزولها، و استدلال مختصر لتوضیح معانی الآیات بالآیات، إضافةً إلى قلیل من التفسیر بالروایات الواردة عن النبی(ص) و ذلک فی باب القصص و علوم المبدأ و المعاد. و استمر الحال على ما هو علیه فی زمن التابعین إلا إضافة بسیطة تتلخص فی نقلهم بعض التفاسیر عن المتقدمین و کان هذا المنهج هو المنهج الشائع بین القدماء  «و من المؤسف فی هذا الإطار ما نقله الیهود من أحادیث و دسوه فی تراثنا الإسلامی فیما یخص العلوم المتعلقة فی بدایة الخلق، و الجنة و النار و هفوات الأنبیاء و أخطائهم و تحریف القرآن و کثیر من هذا القبیل مما دس فی الأحادیث و الروایات الصحیحة، و إلى الآن یمکن أن نجد مثل هذه الأحادیث و الروایات فی التفسیر و غیره». و فی عصر الخلفاء حدثت الفتوحات الإسلامیة و انفتحت آفاق واسعة تسببت فی اختلاط علماء الإسلام مع مختلف علماء الأمم و الشعوب ممن یحمل ثقافات و أدیان و مذاهب مختلفة، الأمر الذی أدى إلى شیوع البحث الکلامی فی الأوساط الإسلامیة.

إضافة إلى ترجمة الفلسفة الیونانیة إلى اللغة العربیة و ذلک فی أواخر العصر الأموی و بدایة العصر العباسی، أی فی أواخر القرن الأول الهجری و قد انتشرت بین علماء المسلمین، حتى صارت مورداً للبحث العقلی و مادة لمجالس العلماء و محافل العلم.

و من جهة ثالثة ظهرت مسائل العرفان مقترنة بالبحث الفلسفی، فاجتذب العرفان و التصوف فئة کبیرة من الناس، حیث استبدل الاستدلال العقلی و الفقهی من خلال البرهان و الدلیل على المعارف الإسلامیة بالمجاهدة و الریاضات الروحیة.

و من جهة رابعة هناک فئة من الناس بقیت محافظة على سطحیتها ملتزمة بالتعبد الصرف من خلال التمسک بظاهر أحکام الإسلام و تعالیم الرسول (ص)، دون الالتفات إلى معطیات العقل و التفکر فی فهم الآیات القرآنیة، بل اکتفت هذه الفئة بالأحادیث و الروایات، و لم یعملوا أی فکر فی الأحادیث و إنما أخذوها على ما هی علیه، فتعبدوا بظواهرهاو اذا ما بحثوا فی بعض الاحیان فی القرآن الکریم فانما یتناولونه من زاویة البعد الادبی فقط.

و إضافةً إلى هذه العوامل الأربعة الداخلیة فی البحث القرآنی هناک عامل آخر ظهر فی الساحة الإسلامیة متمثلاً ببروز المذاهب و اختلافها و کان له الأثر الأکبر فی تشتیت آراء المسلمین و اختلاف متبنیاتهم الفکریة و منطلقاتهم العلمیة، حتى لم یبقَ شیء لم یتسرب إلیه الاختلاف إلا کلمتی «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، فیما شمل الاختلاف کل مناحی الحیاة العلمیة فی الإسلام[9].

و النتیجة النهائیة: إننا بحاجة دائماً إلى تفسیر آیات القرآن و ذلک للاستفادة منها فی حل مشاکلنا الاجتماعیة و الرجوع إلیها فیما نختلف فیه، و ذلک ما لا ربط له بتفصیل الآیات.



[1] المعجم الأبجدی: ص245.

[2] الأعراف، 52.

[3] الشیخ محمد جواد مغنیة، تفسیر الکاشف، ج3، ص336.

[4] هود، 1.

[5] التفسیر الأمثل، ج 9، ص 9.

[6] الطالقانی، سید محمود، أشعة من القرآن، ج 4، ص 194، الشرکة المساهمة للنشر، 1362 ش، الطبعة الرابعة.

[7] انظر: هادوی طهرانی، مهدی، المبانی الکلامیة للاجتهاد، ص 107 ـ 117.

[8] البقرة، 151.

[9] المیزان فی تفسیر القرآن، ج‏1، ص 4.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279358 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256905 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128057 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112877 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88918 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59627 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59354 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56811 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49384 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47110 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...