Please Wait
6468
ماذا تقصدون (بالرجوع إلى العدم)؟ هل المراد الرجوع إلى حالة ما قبل الولادة؟ کما یقول البعض: یا لیتنی لم أولد. من الطبیعی أنه لایوجد سبیل إلى الرجوع للماضی، لأن الزمان یمر و لا تخضع حرکته إلى میولنا و إرادتنا فلا یتوقف و لا یعود إلى الوراء. إذن فالرجوع إلى العدم بهذا المعنى غیر ممکن، و أما إذا کان المراد بالرجوع إلى العدم، الموت فلابد من الالتفات إلى أن الموت لیس عدماً، و إنما تحول من حالة إلى حالة أخرى، و انتقال من عالم إلى عالم آخر.
و حقیقة الأمر أن تبنی هذا الفکر یکشف أن الموت فی واقعه نحو من أنحاء الحرکة و التکامل، و معنى ذلک أن صیرورة الإنسان و بلوغه إلى حد الآدمیة یمر بعدة مراحل أولها مرحلة الجماد ثم النبات ثم الحیوان، و فی واقع الحال فإن کل انتقال من مرحلة إلى أخرى تصاحبه عملیة موت،[1] و بذلک نتوصل إلى نتیجة محصلها أن الموت الذی نواجهه الآن لا ینتهی بنا إلى الفناء و العدم، و إنما ینقلنا إلى مرحلة أعلى و یحلق بنا إلى عالم الملائکة.
و کذلک فإن الفلاسفة لا یرون الحیاة بعد الموت عودة من العدم و یعتقدون أن (إعادة المعدوم بعینه) محال و ممتنع.[2] و کل من یعتقد أن ما یحصل یوم القیامة و المعاد من قبیل إعادة المعدوم فإنه واقع فی الخطأ و الاشتباه، و ذلک لأن الشیء لا یعدم بالموت أولاً: و إنما یعتبر الموت نوع استکمال، أو انفصال للروح عن البدن، و أن الروح التی تشکل حقیقة الإنسان الواقعیة تستمر فی حیاتها، بل تزداد قدرتها و إمکاناتها بشکل أکبر مما کانت علیه فی تدبیر البدن، و ثانیاً: فإن القیامة و المعاد لا تعنی العودة من الفناء و العدم، بل تعنى العودة و الرجوع، و المراد بهذه العودة الرجوع إلى الله سبحانه، و لیس العودة من العدم إلى الوجود.
إذن لابد من القول على وجه الخلاصة: إن العودة إلى العدم لا معنى لها و لا یوجد أی سبیل إلیها.[3]
[1] ینبغی الالتفات الی ان هذا الموت وفقا لمدرسة صدرالمتالهین یعنی اللبس بعد اللبس لا الخلع بعد اللبس.
[2] من أجل الاطلاع على أدلة الفلاسفة ینظر: نهایة الحکمة، العلامة الطباطبائی، ص22-25.
[3] طرح هذا البحث فی الفلسفة، و هل أن الموجود یعدم؟ و إذا قلنا أنه لا یمکن أن یعدم أی موجود، فهل هذا یستلزم القول بالأزلیة و الأبدیة بالنسبة إلى الأشیاء أم لا؟ و قد استدل لهذا القول بطریقین: طریق تجریبی تبناه لافاوزیه، و طریق فلسفی. و للاطلاع بشکل أوسع أنظر: أصول الفلسفة، ج 3، العلامة الطباطبائی، تقدیم و تعلیق، الأستاذ المطهری، ص111-121؛ نهایة الحکمة، العلامة الطباطبائی، ص326.