Please Wait
7718
هذه القضیة من القضایا التی یحاول البعض التشهیر بالشیعة بانهم اناس لایحترمون ائمتهم و لا یخضعون لائمتهم. ولذلک تستحق القضیة البحث والتنقیب فیها؛ من هنا نقول ان القضیة جاءت فی المصادر الشیعیة و السنیة و قد نسبت تارة الى اشخاص غیر معینین مثل عنوان" فقال له رجل او قال له شیعته او اصحابه. و اخرى نسبت الى اشخاص معینین مثل:
1- سفیان بن اللیل
2-مالک بن ضمرة
3. حجر بن عدی
4.سلیمان بن صرد الخزاعی
5. قیس بن سعد
و نحن من خلال دراسة القضیة وجدنا ان التهمة غیر صحیحة لان الشیعة تعرف امامها الحسن(ع) حق المعرفة و تجله اجلالا کبیرا وانه ترعى حرمته، هذا من جهة ومن جهة ثانیة ان الروایات التی ذکرت القضیة لایمکن الاعتماد علیها.
نعم اذا تنزلنا فیمکن القول الشخص الذی صدر منه الکلام هو سفیان بن اللیل و هو شخصیة غیر معروفة فی الوسط الشیعی فان اقصى ما قیل عنه انه ممدوح. و على فرض انه شخصیة معروفة فیمکن الاجابة عنه بجوابین:
الاول: لایدعی احد ان جمیع رجال الشیعة هم على مستوى واحد من التحمل و الصبر و الاخلاق فقد ینفعل شخص لامر ما فی حین نرى آخر یصبر على اعظم منه و قد یجهل شخص الامور الواضحة فی حین نرى الاخرى یدرک خفایا الامور، فلیس جمیع الشیعة بمستوى عمار بن یاسر او مالک الاشتر او فلان و فلان کما هو شأن اصحاب رسول الله (ص) و هو ما یظهر من خلال النقطة الثانیة.
ثانیا: ان ما قام به الرجل قد صدر مثله من قبل بعض الصحابة مثل ذلک الشخص الذی اعترض على الرسول الاکرم (ص) فی صلح الحدیبیة، او حال الشخص الذی قال للنبی (ص): اعدل یا محمد.
هذه القضیة من القضایا المهمة و ذلک لان البعض یتخذها ذریعة للاساءة الى الشیعة محاولاً تصوریهم بانهم اناس لا یحترمون قادتهم و لا یخضعون لائمتهم، و هذا ما نجده واضحا فی اکثر المواقع المخالفة لمدرسة اهل البیت (ع)؛ و لذلک لابد من دراسة القضیة من عدة محاور:
الاول: بیان منزلة الامام الحسن (ع) عند الشیعة.
الثانی: دراسة هذه التهمة المنسوبة الى الشیعة من خلال:
الف: دراسة و تحلیل الروایات فی المصادر السنیة.
ب . دراسة و تحلیل المسالة فی المصادر الشیعیة.
اما البحث فی المحور الاول فنکتفی بان نقول ان الامام الحسن (ع) هو الامام الثانی من الائمة المعصومین الذین اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهیرا، و هو حجة الله على عباده و ان کلامه و فعله و تقریره حجة على العباد لایحق لاحد رفضه او التجاوز علیه. [1]
خصّه النبی( ص) و أخاه الحسین بحبٍ و حنان غامر، و رویت فی حقِّه أحادیث کثیرة، منها: قال (ع) سلّم- للحسن: "اللّهم إنّی أُحبُّه، فأَحِبَّه و أحِبَّ من یُحبُّه" [2] و قال فی الحسن و الحسین (علیهما السلام): "ما ریحانتای من الدنیا" [3] و قال (ص): "الحسن و الحسین سیدا شباب أهل الجنّة" [4]
و کان یجلس فی مجلس رسول اللّه- صلّى اللّه علیه و آله و سلّم یحدّث فیه، و یجتمع الناس حوله، و کان إذا تکلّم أخذ بمجامع قلوب سامعیه، و ودّوا أن لا یسکت، و کان معاویة یقول لمن یرید أن یخاصم الحسن- علیه السّلام: لا تفعل فإنّهم قوم ألهموا الکلام. [5]
و کان الامام الحسن (ع) من أوسع الناس صدراً و أسجحهم خلقاً، زاهداً، عابداً، عظیم الخشوع، و کان أحد الاجواد المشهورین، حجّ خمساً و عشرین حجة ماشیاً، و النجائب تُقاد معه، و خرج من ماله مرتین، و قاسم اللّه تعالى مالَه ثلاث مرات، و کان إذا توضأ ارتعدت فرائصه، و اصفرّ لونه.
و کان شجاعاً، مقداماً، خاض مع أبیه حروب الجمل و صفین و النهروان.
و لما استشهد الامام علی (ع)، صعد الامام الحسن(ع) المنبر، و خطب الناس، و تحدّث عن فضائل أبیه، ثم قام ابن عباس بین یدیه، فقال: معاشر الناس، هذا ابن نبیّکم، و وصیّ إمامکم، فبایعوه، فاستجاب الناس، و بادروا إلى البیعة له بالخلافة، ثم نزل من المنبر، فرتّب العمال و أمّر الأُمراء، و زاد المقاتلة مائة مائة، ثم کتب إلى معاویة بالشام یدعوه إلى الدخول فی البیعة، و ترک البغی و الشقاق، من أجل صلاح المسلمین، و حقن دمائهم، فلم یُجب معاویة إلى ذلک، بل أصرّ على المجابهة، و قاد جیشاً عظیماً، و قصد العراق، فلما بلغ ذلک الامام الحسن- (ع)، حثّ الناس على الجهاد، و سار بجیشه لملاقاة معاویة، ثم جرت أحداث بعد ذلک، لا یسع المجال ذکرها، و آل الامر بالامام الحسن (ع) إلى عقد الصلح مع معاویة اضطراراً، و قد بسط العلماء و الکتّاب البحث فی تحلیل أسباب الصلح و أهدافه، و نتائجه، فلتراجع فی مظانها [6] .
و لکون هذا الصلح من القضایا المهمة فی تاریخ المسلمین، و بسبب ما أُثیر حوله من شبهات من بعض المغرضین، یحسن بنا أن نُشیر إلى ما ذکره ابن الاثیر فی الکامل، لعله یکشف جانباً من الواقع السیئ الذی أکره الامام (ع) على قبول الصلح.
قال: لما راسل معاویة الحسن فی تسلیم الامر إلیه، خطب فقال: إنّا و اللّه ما یثنینا عن أهل الشام شک و لا ندم، و إنّما کنا نقاتل أهل الشام بالسلامة و الصبر، فشیبت السلامة بالعداوة و الصبر بالجزع. ألا إنّ معاویة دعانا لَامر لیس فیه عز و لا نصفة فإن أردتم الموت رددناه علیه و حاکمناه إلى اللّه عزّ و جلّ بضبى السیوف، و إن أردتم الحیاة قبلناه، و أخذنا لکم الرضى، فناداه الناس من کل جانب: البقیة البقیة [7] أقول: و مع هذه الروحیة المهزومة، و الرغبة عن الجهاد، و الاخلاد إلى الدنیا، کیف یتأتى للقائد أن یقتحم بهم المیادین، و یخوض غمرات الجهاد. [8]
ونحن انما ذکرنا هذه المقدمة الطویلة لاثبات عدة امور:
1- ان الشیعة تعرف امامها حق معرفته وتجله اکبر اجلال و تقدسه اعظم تقدیس.
2. ان احداث الصلح لم تکن خافیة على اصحاب الامام الحسن (ع) الکبار الذین نسبت الیهم التهمة [9] کما هو واضح من خطابه لاصحابه حیث قال لهم :" ألا إنّ معاویة دعانا لامر لیس فیه عز و لا نصفة...." فکیف یاترى یمکن ان تصدر منهم کلمات فیها اساءة الى امامهم ومقتداهم!!!
المحور الثانی:
الف: دراسة و تحلیل الروایات فی المصادر السنیة.
حینما نرجع الى المصادر السنیة نراها تنقل القضیة فی کثیر من المصادر و تنسبها، تارة الى: شخص یسمى سفیان بن اللیل او لیلى، و اخرى الى جماعة من الشیعة من دون ذکر اسماء، و ثالثة الى شخص غیر معروف.
و نحن نستعرض تلک الروایات هنا لنرى ما هی قیمة اعتبارها:
1- الروایات السنیة التی ورد فیها ان القائل سفیان بن اللیل او لیلى
* " حدثنا ابن فضیل عن السری بن إسماعیل عن الشعبی عن سفیان بن اللیل قال أتیت حسن بن علی رضى الله عنهما بعد رجوعه من الکوفة إلى المدینة فقلت له یا مذل المؤمنین...." [10]
* و روی عن علی بن محمد بن بشیر الهمدانی، قال: خرجت أنا و سفیان ابن لیلى حتى قدمنا على الحسن المدینة، فدخلنا علیه، و عنده المسیب بن نجبة و عبد الله بن الوداک التمیمی، و سراج بن مالک الخثعمی، فقلت( ای سفیان):السلام علیک یا مذل المؤمنین. [11]
* حدثنی یحیى بن عثمان بن صالح قال: حدثنا نعیم بن حماد قال: حدثنا محمد بن فضیل، عن السری بن إسماعیل، عن الشعبی قال: حدثنی سفیان بن اللیل قال: لما قدم الحسن... فقلت: یا مذل المؤمنین [12] و نقلها عن السری بن اسماعیل عن الشعبی ایضا المتقی الهندی [13] .
* حدثنا أسود بن عامر قال حدثنا زهیر قال حدثنا أبو روق الهمذانی قال حدثنا أبو الغریف قال: کنا مقدمة الحسن بن علی إثنی عشر ألفا بمسکن مستمیتین تقطرسیوفنا من الجد على قتال أهل الشام و علینا أبو العمرو ، قال: فلما أتانا صلح الحسن بن علی و معاویة کأنما کسرت ظهورنا من الحزن و الغیظ ، قال: فلما قدم الحسن بن علی الکوفة قام إلیه رجل منا یکنى أبا عامر [14] فقال: السلام علیک یا مذل المؤمنین. [15] و نقل نص هذه الروایة بسند مشابه لهذا السند فی مکان آخر من نفس المصدر. [16] و [17] و کذلک رواها فی ذخائر العقبى و لکنه قال عن "ابی العریف" [18]
* مسند الحسن بن علی بن أبی طالب عن سفیان قال: أتیت حسن .... فقلت له: یا مذل المؤمنین . [19]
2- الروایات الشیعیة التی ورد فیها ان القائل سفیان بن اللیل او لیلى
* کش، [رجال الکشی] رُوِیَ عَنْ عَلِیِّ بْنِ الْحَسَنِ الطَّوِیلِ عَنْ عَلِیِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْکَانَ عَنْ أَبِی حَمْزَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ ع قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَسَنِ ع یُقَالُ لَهُ سُفْیَانُ بْنُ لَیْلَى وَ هُوَ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ فَدَخَلَ عَلَى الْحَسَنِ وَ هُوَ مُحْتَبٍ فِی فِنَاءِ دَارِهِ فَقَالَ لَهُ السَّلَامُ عَلَیْکَ یَا مُذِلَّ الْمُؤْمِنِین [20] و روى الحدیث الشیخ المفید فی الاختصاص قال: حدثنا جعفر بن الحسن المؤمن و جماعة من مشایخنا، عن محمد بن الحسن بن احمد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن احمد بن محمد بن عیسى، عن علی بن النعمان، عن عبد الله بن مسکان، عن ابی حمزة الثمالی...جاء رجل من اصحاب الحسن یقال له سفیان بن لیلى.....
مناقشة الروایات:
و نحن لا نناقش فی کل رجال السند بل نکتفی بالاشارة الى شخص واحد منهم فقط هو سفیان بن ابی لیلى الذی ذکر فی مصادر الفریقین و فی مصادر اهل السنة کان هو الراوی للقضیة بنفسه و اما فی المصادر الشیعیة فتارة هو یروی القضیة بنفسه و اخرى یرویها غیرها، فنقول:
سفیان ابن لیلى: یکفی ان هذا الرجل لایقبله علماء اهل السنة حیث وصف فی کتاب الضعفاء الکبیر للعقیلی بقوله: سفیان بن اللیل کوفی کان ممن یغلو فی الرفض، لا یصح حدیثه [21] و علق على ذلک ابن حجر العسقلانی بقوله: لأن حدیثه انفرد به السری بن إسماعیل أحد الهلکى [22] و سفیان مجهول [23] لا یحفظ، قال النباتی: و هو لا شیء. [24]
اما المصادر الشیعیة فقد وصفت سفیان بن ابی لیلی :
1- قال الکشی: ممدوح من أصحابه علیه السلام عاتب الحسن علیه السلام بقوله یا مذل المؤمنین و اعتذر له بأنه قال ذلک محبة، و فیه نظر. [25]
2- و قال عنه العلامة: روى الکشی عن علی بن الحسن الطویل عن علی بن النعمان عن عبد الله بن مسکان عن أبی حمزة عن أبی جعفر علیه السلام أن سفیان عاتب الحسن علیه السلام بقوله یا مذل المؤمنین. و الظاهر أنه قاله عن محبة. و قال له الحسن علیه السلام إن حبنا لیساقط الذنوب من بنی آدم، کما تساقط الریح، الورق من الشجرة.
و لم یثبت عندی بهذا عدالة المشار إلیه، بل هو من المرجحات [26]
و علق السید الخوئی (قدس) على ذلک بقوله: هذه الروایة ضعیفة بالارسال و جهالة علی بن الحسن الطویل فلایمکن الاستدلال بها على مدح الرجل او قدحه. [27]
من هنا نقول اما بالنسبة الى اهل السنة فباعتبار ان الراوی فیها هو سفیان بن أبی لیلى فلا مجال عندهم للاحتجاج بالروایة ونسبت التهمة الى رجال الشیعة لانه شخص مجهول الحال.
و اما بالنسبة الى المصادر الشیعیة فعلى فرض التسلیم بصحة صدور القول منه، نقول:
الف: انه لیس من الشخصیات المعروفة حتى یحتج على الشیعة به،لان اقصى ما قیل عنه انه ممدوح .
نعم اذا تنزلنا و قلنا ان الشخص الذی صدر منه الکلام - و هو سفیان بن اللیل - شخصیة معروفة فی الوسط الشیعی فیمکن الاجابة عنه بجوابین:
الاول: لایدعی احد ان جمیع رجال الشیعة هم على مستوى واحد من التحمل و الصبر و الاخلاق فقد ینفعل شخص لامر ما فی حین نرى آخر یصبر على اعظم منه، و قد یجهل شخص الامور الواضحة فی حین نرى الاخرى یدرک خفایا الامور، فلیس جمیع الشیعة بمستوى عمار بن یاسر او مالک الاشتر او فلان و فلان کما هو شأن اصحاب رسول الله (ص) و هو ما یظهر من خلال النقطة الثانیة .
ثانیا: ان ما قام به الرجل قد صدر مثله من قبل بعض الصحابة مثل ذلک الشخص الذی اعترض على الرسول الاکرم فی صلح الحدیبیة، او حال الشخص الذی قال للنبی (ص) : اعدل یا محمد.
ب. ان الرجل قد اعتذر للامام مباشرة کما تذکر نفس الروایة و هذا یعنی انه اعترف بخطئه و قد قبل الامام اعتذاره [28] .
ج. لیکن حکم سفیان هنا حکم ذلک الشخص الذی قال للنبی (ص) فی قسمة غنائم حنین: إن هذه لقسمة ما أرید بها وجه الله. و کما قال له الآخر: اعدل یا محمد. [29]
او لیکن موقفه موقف الخلیفة الثانی عمر بن الخطاب فی اعتراضه على صلح الحدیبیة [30] حیث جاء فی المصادر السنیة: فجاء عمر إلى رسول الله (ص) فقال: یا رسول الله، ألسنا على حق وهم على باطل ؟ ألیس قتلانا فی الجنة وقتلاهم فی النار؟ قال: بَلى، قال: ففیم نعطى الدنیة فی دیننا، و نرجع و لما یحکم الله بیننا وبینهم؟ فقال: یا ابْنَ الخَطَّابِ، إنّی رَسُولُ الله، وَلَنْ یُضَیَّعَنِی أَبَدًا"، قال: فرجع وهو متغیظ، فلم یصبر حتى أتى أبا بکر ... [31]
د. لم یحدثنا التاریخ ان هذا الرجل تخلف عن امیر المؤمنین (ع) فی معرکة الجمل کما جاء فی متن السؤال و لم یستشهد فی حرکة التوابین فلم ینطبق علیه الشق الثانی من السؤال.
نکتفی بهذا المقدار بالنسبة الى الروایات التی جاء فیها ان القائل سفیان بن ابی لیلى.
اما الروایات التی عبرت بان القائل جماعة من الشیعة او شیعته او اصحابه، فهی:
* حدیث: العار خیر من النار، قاله الحسن بن علی بن أبی طالب رضی الله عنهما حین قال له أصحابه یا عار الم ؤمنین .، و فی لفظ عنده أیضاً: أنه قیل له یا مذل المؤمنین [32] .
* و روی أنه کان ناس من أصحاب الحسن یقولون له لما صالح معاویة یا عار المؤمنین [33] .
* فکان أصحابه یقولون له یا عار المؤمنین ... و قال له رجل السلام علیک یا مذل المؤمنین [34] .
* وحدَّث أحمد بن زهیر، وهو أبو بکر بن أبی خَیثَمة قال: حدثنا هارون بن معروف: حدثنا ضمرة عن ابن شَوْذَب قال: لمَّا قُتل علیٌّ ... فکَرِهَ الحسن القتال، وبایع معاویة على أن یجعل العهد للحسن من بعده. قال: فکان أصحاب الحسن یقولون له: یا عار المؤمنین ودخل على الحسن بعض شیعة أبیه الناصحین له فقال: السلام علیک یا مُذِلَّ المؤمنین بایعت معاویة ومعک أربعون ألف سیف من أهل العراق. [35]
ویرد على هذه الطائفة من الروایات:
الف. انها غیر مسندة او ان سندها ضعیف.
ب. ان متنها مخالف للحقیقة لان الواقع التاریخی اثبت ان الامام الحسن (ع) لم یبایع معاویة بل تنازل له للخلافة الظاهریة فقط، هذا من جهة و من جهة ثانیة انه لم یتوفر للامام الحسن (ع) هذا العدد من المقاتلین بل کان الناس یمیلون نحو ترک الحرب کما ذکرنا فی مقدمة البحث ان الامام استشارهم فی القضیة و انه یعلم ان ما یریده معاویة بعید عن الانصاف.
ج. على فرض صحة ذلک یرد السؤال: من هم هؤلاء و ما هو وزنهم و مکانتهم حتى نستطیع ان نقول بان الشیعة قالت ذلک لامامها!! وعلى فرض ان نقبل بانه القائل هم " بعض شیعة أبیه الناصحین" فهنا یرد علیه بما اوردناه فی النقطة السابقة بان نقول لیکن حالهم حال عمر بن الخطاب فی صلح الحدیبیة.
اما الکلام فی الروایات التی تنسب القضیة الى مالک بن ضمرة:
* عن فضیل بن مرزوق، قال أتى مالک بن ضمرة الحسن، فقال: السلام علیک یا مسخم وجوه المؤمنین، فقال: لا تقل هذا، وذکر کلاما یعتذر به، رضی الله عنه. [36]
و یکفی فی الروایة انها غیر مسندة فلایمکن الاطمئنان لنسبة القضیة الیه، و کیف ینسب الى انسان مسلم هذا التجاوز الکبیرة على امام معصوم استنادا الى مثل هکذا روایة ساقطة من الناحیة السندیة، هذا من جهة، و من جهة ثانیة على فرض صحة النسبة فان مالک بن ضمرة لم یکن من الشخصیات الکبیرة عند الشیعة فلم یترجم له اصحاب الکتب الرجالیة و اکتفى السید الخوئی فی وصفه بالقول: مالک بن ضمرة الرواسبی العنبری، روى عن امیر المؤمنین (ع) و روى عنه محمد بن عجلان، کامل الزیارات الباب 8 فضل الصلاة فی مسجد الکوفة ومسجد السهلة الحدیث17. [37]
فعلى کل حال لابد للانسان المؤمن ان یتحرز من نسبة القضیة الى الرجل مادام لم یدعمها الدلیل القوی و البرهان الساطع.
بقی الکلام فی الروایات التی تنسب القضیة الى شخصیات معروفة فی الوسط الشیعی و هم:
الاول: حجر بن عدی.
الثانیة: سلیمان بن صرد الخزاعی
الثالث: قیس بن سعد بن عبادة
ینبغی هنا ان نشرع بدراسة هذه القضیة لنرى حقیقة الامر حسب الترتیب المذکور:
الاول: حجر بن عدی
ذکر ان المتلفظ بتلک العبارة هو حجر بن عدی، فقد جاء فی دلائل الامامة:
* حدثنا أبو محمد قال أخبرنا عمارة بن زید قال حدثنا إبراهیم بن سعد قال حدثنا محمد بن جریر قال أخبرنی ثقیف البکاء قال رأیت الحسن بن علی عند منصرفه من معاویة و قد دخل علیه حجر بن عدی فقال السلام علیک یا مذل المؤمنین [38]
و هذه الروایة ساقطة سندا لان فی سندها ثقیف البکاء لم یترجم له فی الکتب الرجالیة فهو مهمل؛ و اما عمارة بن زید فقد قال النجاشی بحقه: لم یعرف من امره غیر هذا، ذکر الحسین بن عبید الله انه سمع بعض اصحابه یقول: سئل عبد الله بن محمد البلوی: من عمارة بن زید هذا الذی حدثک؟ قال: رجل نزل من السماء حدثنی ثم عرج. [39] و انه اسم ما تحته أحد و کل ما یرویه کذب و الکذب بین فی وجهه و حدیثه. [40]
فهل یمکن الاستناد الى روایة هذا حال سندها و ننسب تلک الفریة الى شخصیة یفتخر بها التاریخ الاسلامی عامة و الشیعی خاصة؟!! و هو الذی بذل نفسه شهیدا على ید الامویین فی سبیل الله تعالى و ولاء لعلی علیه السلام. [41]
و هناک روایة ذکرها السید ابن طاووس فی کتاب الیقین و ان کانت هی الاخرى لا اعتبار لها من الناحیة السندیة و لکنها تنقل القضیة بنحو یختلف عن سائر الروایات نذکرها لمزید الفائدة حیث قال:
دخل ابن عدی الطائی على الحسن (ع) فقال: بالله یا امیر المؤمنین یسعک ترک معاویة. فغضب علیه السلام غضبا شدیدا حتى احمرت عیناه و درت اوداجه و سکبت دموعه، فقال: ویحک یا حجر بن عدی تسمینی بامرة المؤمنین؟! و ما جعله لی و لا لاخی ولا لاحد ممن یاتی الا امیر المؤمنین وحده خاصة. او ما سمعت جدی رسول الله (ص) قال لابی: ان الله سماک بامرة المؤمنین و لایشرک معک فی هذا الاسم احد. فما تسمى بها غیرک و الا فهو مافون فی عقله. فانصرف حجر و هو یستغفر الله، فمکث ایاما ثم عاد علیه فقال: السلام علیک یامذل المؤمنین! فضحک علیه السلام فی وجهه و قال له: والله یاحجر ان هذه الکلمة اسهل علی وأسر الى قلبی من کلمتک الاولى. [42]
الثانی: سلیمان بن صرد الخزاعی
جاء فی شرح احقاق الحق [43] قال الفاضل المعاصر الدکتور محمد ماهر حمادة فی کتاب" الوثائق السیاسیة والاداریة العائدة للعصر الاموی ص 86، طبع مؤسسة الرسالة بیروت": لما بلغ سلیمان بن صرد الخزاعی تنازل الحسن(ع) و کان غائبا عن العراق وقت الصلح دخل على الحسن مع افراد من الشیعة فقال: السلام علیک یامذل المؤمنین....اما بعد فان تعجبنا لا ینقضی من بیعتک معاویة و معک مائة الف مقاتل من اهل العراق سوى شیعتک من البصرة و اهل الحجاز. [44]
ومن الملاحظ على هذا الکلام ان الدکتور محمد ماهر حمادة من المعاصرین فلا یعتمد على کلامه خاصة و ان الکلام فاقد للسند.
فان قیل انه ینقله عن کتاب الامامة و السیاسة و هو من الکتب القدیمة؟
قلنا: ان ابن قتیبة هو الاخر لایذکر سند کلامه و انما اورده بدون سند حیث قال: و ذکروا أنه لما تمت البیعة لمعاویة بالعراق، و انصرف راجعا إلى الشام، أتاه سلیمان بن صرد، و کان غائبا عن الکوفة..... [45]
هذا من ناحیة السند، و یرد على الروایة ایضا:
1. ان متن الروایة لا ینسجم مع الواقع التاریخ فان الروایة تقول انه قال للامام الحسن (ع)" اما بعد فان تعجبنا لا ینقضی من بیعتک معاویة و معک مائة الف مقاتل من اهل العراق سوى شیعتک من البصرة واهل الحجاز" ومن الواضح ان سلیمان بن صرد یعرف جیدا ان هذا العدد لم یجتمع مع الامام امیر المؤمنین حیث نقل صاحب اعیان الشیعة کلامه مع أمیر المؤمنین(ع): و أتى سلیمان بن صرد علیا أمیر المؤمنین (ع) بعد کتاب الصحیفة بصفین و وجهه مضروب بالسیف فلما نظر الیه علی (ع) قال "فمنهم من قضى نحبه و منهم من ینتظر و ما بدلوا تبدیلا" فأنت ممن ینتظر و ممن لم یبدل. فقال: یا أمیر المؤمنین اما لو وجدت أعوانا ما کتبت هذه الصحیفة أبدا. [46]
و مع هذه المعرفة من سلیمان بواقع الامر فکیف یقول انه یوجد هذا العدد مع الامام الحسن (ع). وقد بینا ان الامام حینما استشارهم فی الحرب کلهم طلب السلم ونادوا البقیة البقیة!!! فمن این جاء هذا العدد؟!!!
2. ان کل من ترجم لسلیمان لم یذکر انه قال للامام الحسن (ع) یامذل المؤمنین، و انما ذکروه مع الاطراء و الثناء، قال السید الخوئی: لا ینبغی الاشکال فی جلالة سلیمان بن صرد الخزاعی وعظمته لشهادة الفضل بن شاذان بذلک [47] و [48]
ثم عرج السید الخوئی (قدس) على ما جاء فی متن السؤال من تهمة التخلف عن حرب الجمل، فقال: واما تخلفه عن امیر المؤمنین فی وقعة الجمل فهو غیر ثابت و لعل ذلک کان بعذر او بامر من امیر المؤمنین (ع). ثم قال (قدس): فان ما روی عن کتاب صفین لنصر بن مزاحم من عتاب امیر المؤمنین (ع) و عذله سلیمان بن صرد فی قعوده عن نصرته بعد رجوعه (ع) من حرب الجمل لایمکن تصدیقه لان عدة من رواته لم تثبت وثقاتهم فلعل القصة مکذوبة علیه کما احتمل الشیخ (قدس). [49]
قال صاحب الاعیان: کان مع علی (ع) بصفین و جعله على رجالة المیمنة و فی أسد الغابة شهد مع علی بن أبی طالب مشاهده کلها. [50]
اضف الى ذلک ان سلیمان کان معروفا بالشجاعة و ولائه لاهل البیت (ع) فکیف یتخلف عنهم و التخلف عن الحرب اما ینشأ من الخوف او عدم الولاء و هما منتفیان عنه قطعا، و یشهد بذلک شهادته فی سبیل حب اهل البیت و قول صاحب اسد الغابة انه شهد مع علی بن أبی طالب مشاهده کلها.
3. ان کل من ترجم لسلیمان لم یذکر تلک التهمة الشنیعة فکیف یصح لنا ان ننسب ذلک لشخصیة کبیرة مثل سلیمان بن صرد الخزاعی. [51]
الثالث: قیس بن سعد بن عبادة
جاء فی الصوارم المهرقة: قد یقع کثیرا الاعتراض و العتاب من الخادم بالنسبة إلى مخدومه بل من المحب إلى محبوبه کما روی أنه لما سلم الحسن بن علی (ع) الخلافة إلى معاویة جاء إلیه قیس بن سعد بن عبادة من خلص شیعته و أخص أصحابه و خاطبه و عاتبه بقوله یا مذل المؤمنین فأخذ (ع) بیده ملاطفة و قرره عنده حتى سکن وجعه الحاصل من ذلک لشدة المحبة و نهایة الغبطة فی شأن إمامه و مولاه [52]
ویرد علیه:
1. ان ذلک لم یثبت و الروایة غیر صحیحة لانه قد ذکر ذلک بقوله " روی...." فلا یعرف الراوی وفی ای کتاب روی ذلک حتى یمکن الاستناد الیه.
2. ان من ترجم لقیس بن سعد لم یذکر ذلک عنه.
3. نحن لانوافق صاحب الصوارم المهرقة فی محاولته توجیه العبارة فی کونه نوع عتاب بل هی اساءة نجل الرجل من التفوه بها
هذه جولة سریعة ذکرناها لبیان الحقیقة والتی ظهر من خلالها براءة رجال الشیعة الکبار من تلک التهمة وانما اقصى ما یمکن القبول به ان القائل هو سفیان بن ابی لیلى وهو شخصیة لیست بذات منزلة عالیة فی الوسط الشیعی.
[1] لمزید الاطلاع فی هذه المجال انظر، السید محمد تقی الحکیم، الاصول العامة،. مبحث حجیة السنة.
[2] تهذیب تاریخ دمشق: 4- 205، سیر أعلام النبلاء: 3- 250 و فیه: صححه الترمذی.
[3] صحیح البخاری: 5- 27 باب مناقب الحسن و الحسین، سنن الترمذی( 3770).
[4] تاریخ بغداد: 11- 90، و حلیة الاولیاء: 5- 71، و سیر أعلام النبلاء: 3- 251 و فیه:( صححه الترمذی) و غیرها.
[5] وفیات الاعیان: 2- 68.
[6] لمزید الاطلاع على خلفیة الصلح ومعطیاته انظر کتاب" صلح الامام الحسن" للشیخ آل یاسین، فانه من افضل الکتب التی کتبت فی هذا المجال
[7] الکامل فی التأریخ: 3- 406) سنة 41 ه)؛ بحار الانوار، ج 44، ص 21و 22.
[8] لمزید الاطلاع انظر: موسوعة طبقات الفقهاء، لجنة التالیف فی مؤسسة الامام الصادق (ع)، ج1، ص23-26؛ وانظر اعیان الشیعة للعلامة الامینی الجزء الاول ترجمة الامام الحسن (ع).
[9] سیاتی الحدیث عنها فی المحور الثانی من البحث.
[10] نعیم بن حماد ، الفتن، قسم العقیدة، ج1، ص91.
[11] الاخبار الط وال، ج1، ص221.
[12] الضعفا ء الکبیر للعقیلی، ج3، ص487.
[13] المتقی الهندی، کنزالعمال،ج11، ص349.
[14] ابو عامر هی کنیة سفیان بن لیل کما فی روایة المستدرک على الصحیحین، ج 11، ص128.
[15] مصنف بن ابی شیبة، ج8، ص631.
[16] نفس المصدر.
[17] ابن عبد البر،الإستیعاب فی معرفة الأصحاب، ج1، ص114.
[18] ذخائر العقبی، ج1، ص39.
[19] المتقی الهندی، کنزالعمال،ج11، ص349.
[20] بحارالأنوار، ج 44، ص23، باب 18- العلة التی من أجلها صالح... .
[21] الضعفا ء الکبیر للعقیلی، ج3، ص487.
[22] انظر کیف یصف الراوی بانه من الهلکى.
[23] وصفه بالجهال ال ذهبی فی میزان الاعتدال، ج2، ص171.
[24] ابن حجر العسقلانی ، لسان المیزان، ج1،ص439.
[25] رجالابنداود ص : 172 رقم 689.
[26] رجالالعلامةالحلی ص : 82 .
[27] معجم رجال الحدیث، ج8، ص150.
[28] طبعا هذا الکلام مبنی على صحة الروایة.
[29] تفسیر القر طبی، ج1، ص449.
[30] قد یقول قائل: ان عمر بن الخطاب لم یقل للنبی یامذل المؤمنین!! فنقول: ان قوله " ففیم نعطی الدنیة فی دیننا" لا یقل عن ذلک.
[31] تفسیر الطبری، ج1، ص201؛ تفسیر ابن کثیر، ج7، ص353.
[32] المقاصد الحسنة،للسخاوی، ج1، ص151؛ وانظر کشف الخفاء، ج2، ص52.
[33] ذخائر العقبی، ج1، ص39.
[34] السیوط ی، تاریخ الخلفاء، ح1، ص78.
[35] البری، الجوهرة فی نسب النبی وأصحابه العشرة،1، ص281.
[36] سیر أعلام النبلاء، ج3، ص273.
[37] معجم رجال الحدیث، ج14، ص167.
[38] دلائلالإمامة ص : 64.
[39] النجاشی، رقم الترجمة، 827.
[40] انظر: رجال ابن داود، الجزء الاول، باب العین المهملة؛ وکذلک ترجمته فی الخلاصة.
[41] معجم رجال الحدیث، ج 4، ص 237.
[42] ابن طاووس الحسنی، الیقین فی امرة امیر المؤمنین،تحقیق الانصاری، الطبعة الاولى، 1413ه، قم، ص26، نقلا عن الهدایة الکبرى للحسین بن حمدان الحصینی، ص40، مخطوط.
[43] احقاق الحق، ج26، ص531.
[44] نقل ذلک عن الامامة والسیاسیة لابن قتیبة، ج1، 260- 262.
[45] الإمامة والسیاسة،ج1،ص:186.
[46] أعیانالشیعة، ج7، ص298- 300.
[47] بل تاریخ الرجل ومواقفه تشهد بذلک.
[48] معجم رجال الحدیث، ج8، ص271.
[49] نفس المصدر.
[50] أعیانالشیعة، ج7، ص298- 300.
[51] مقتبس من السؤال رقم: 3277 (الموقع: 3590).
[52] الصوارمالمهرقة ص : 194.