بحث متقدم
الزيارة
9026
محدثة عن: 2009/12/01
خلاصة السؤال
نبی الإسلام (ص) الشهادة أم الوفاة!
السؤال
کنت قد سمعت فی أیام شبابی أن النبی الإسلام الأکرم (ص) قد استشهد، و قرأت اخیراً مطلباً یصرّح بذلک و لکنه لم یقنّعنی. فأردت أن اطّلع علی صحة و سقم هذا الأمر؟
الجواب الإجمالي

هناک أدلة کثیرة فی الکتب الروائیة و التاریخیّة من الشیعة و أهل السنة تؤیّد استشهاد النبی الأکرم(ص) بسبب التسمّم. و لکن یجب الالتفات الی أنه إذا عرفنا الشهادة بتعریفها الذی ورد فی القرآن الکریم و هو القتل فی سبیل الله و الرسول، فمن البدیهی أن یکون مقام و منزلة النبی الشخصیّة- الذی یکون القتل فی سبیل طاعته شهادة- ارفع بمراتب من مقام الشهداء حتی لو کان قد ارتحل عن الدنیا بموت طبیعی.

الجواب التفصيلي

یمکن دراسة سؤالکم من ناحیتین:

1. هل یمکن العثور علی دلیل یوثق به من کتب الشیعة و أهل السنة یدلّ علی استشهاد النبی الأکرم(ص)، و کیف کانت شهادته؟

2. و علی فرض أن النبی(ص) لم یکن قد استشهد، فهل یقلّل هذا الأمر من مقامه و منزلته عند الله؟

و سنقوم بدراسة ذلک بنفس هذا الترتیب:

1. و فیما یتعلّق بالقسم الأول فینبغی أن یقال: أنه توجد أدلة کثیرة تؤیّد أن استشهاد النبی(ص) کان بسبب التسممّ. و هذه الأدلة و الروایات متواترة بالمعنی، أی أنه بالرغم من أن الفاظها و عباراتها لیست متشابهة تماماً مع بعضها البعض، و لکن مجموعها یمکن أن یثبت الموضوع مورد البحث. و نشیر فیما یلی الی عدد من هذه الروایات مسندة الی کتب الفریقین.

الف: کتب الشیعة:

الروایة الاولی: یقول الإمام الصادق(ع): "سمّت الیهودیّة النبی(ص) فی ذراع و کان النبی(ص) یحب الذراع و الکتف".[1] و قد صرحت هذه الروایة بتسممّ النبی(ص) و لکنها لم تشر الی أنه هل استشهد بسبب هذا السم أم لا؟

الروایة الثانیة: قال الإمام الصادق(ع): "سمّ رسول الله(ص) یوم خیبر فتکلّم اللحم فقال یا رسول الله(ص) إنّی مسموم قال فقال النبی(ص) عند موته: الیوم قطعت مطایای الأکلة التی أکلت بخیبر و ما من نبی و لا وصی الا شهید".[2]

و فی هذه الروایة إضافة الی تصریحها بتسمّم رسول الله(ص) و استشهاده بسبب السم. إشارة الی أصل عام أیضاً و هو أن موت جمیع الأنبیاء و الأوصیاء هو بالاستشهاد و أنه لا یرحل أی منهم عن الدنیا بالموت الطبیعی. و هناک روایات اخری أیضاً تؤکّد هذا الأصل العام.[3]

و کثیر من علماء الشیعة و اعتماداً علی هذا الأصل العام لا یرون ضرورة للبحث التفصیلی فیما یتعلّق بکیفیة استشهاد کل من المعصومین(ع)[4]. و علی هذا الأساس فحتی لو لم یکن هناک دلیل قوی علی استشهاد النبی(ص)، فإنه یمکن الاعتقاد أیضاً بأن وفاته لم تکن طبیعیّة!

ب: کتب أهل السنة:

لیس الشیعة وحدهم یعتقدون بإستشهاد النبی(ص)، بل هناک روایات کثیرة فی صحاح أهل السنة و باقی کتبهم تؤیّد هذا الأمر، و نشیر فیما یلی الی موردین منها کنموذج علی ذلک:

الروایة الاولی: نقل فی أکثر الکتب اعتباراً عن أهل السنة: أن النبی(ص) قال فی مرضه التی توفی فیه مخاطباً زوجته عایشة: یا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذی أکلته بخیبر فهذا أوان وجدت انقطاع ابهری فی ذلک السم.[5] و قد ذکر هذا الأمر فی سنن الدارمی أیضاً إضافة الی أنه فی هذا الکتاب أشیر الی استشهاد بعض أصحاب النبی(ص) علی أثر تناول ذلک الطعام المسموم.[6]

الروایة الثانیة: ذکر أحمد بن حنبل فی مسنده أن ام مبشّر دخلت علی رسول الله(ص) فی وجعه الذی قبض فیه فقالت: بأبی و امی یا رسول الله ما تتّهم بنفسک فإنی لا اتّهم الّا الطعام الذی أکل معک بخیبر و کان ابنها مات قبل النبی(ص) و قال: و أنا لا اتّهم غیره، هذا أوان قطع ابهری".[7]

و قد ذکر المرحوم المجلسی أیضاً روایة مشابهة لهذه الروایة و قال: و لهذا فإن المسلمین یعتقدون بأنه –إضافة لفضیلة النبوّة التی حبی بها النبی(ص)- فقد نال فضیلة الشهادة أیضاً.[8]

الروایة الثالثة: ینقل محمد بن سعد و هو من أقدم المؤرّخین المسلمین حادثة تسمّم النبی الأکرم(ص) بقوله: "لمّا فتح رسول الله (ص) خیبر و اطمأن، جعلت زینب بنت الحرث أخی مرحب تسأل أی الشاة أحب الی محمد؟ فیقولون: الذراع. فعمدت الی عنز لها فذبحتها و صلتها ثم عمدت الی سمّ لا یطنی و قد شاورت یهود فی سموم فأجمعوا لها علی هذا السم بعینه فسمّت الشاة و أکثرت فی الذراعین و الکتف فلمّا غابت الشمس و صلّی رسول الله(ص) المغرب بالناس انصرف و هی جالسة عند رجلیه فسأل عنها فقالت: یا أبا القاسم هدیة أهدیتها لک فأمر بها النبی(ص) فأخذت منها فوضعت بین یدیه و أصحابه حضور أو من حضر منهم فقال رسول الله(ص): "ادنوا فتعشّوا. و تناول رسول الله(ص) الذراع فانتهش منها ... و أکل القوم منها فقال رسول الله(ص) "ارفعوا أیدیکم فإن هذه الذراع تخبرنی أنها مسمومة ..." ثم یستنتج مؤلف الکتاب أن استشهاد النبی(ص) کان لهذا السبب.[9]

و علی هذا فیمکن تقویة نظریة الاستشهاد الناشئ من سمّ النبی (ص) من مجموع الروایات المنقولة فی کتب الشیعة و أهل السنة حیث اتفقت هذه الروایات تقریباً علی أن وقت سمّه (ص) کان فی وقت فتح خیبر و من قبل تلک المرأة الیهودیة.

و هناک بعض الروایات الضعیفة الاخری أیضاً تصف کیفیة استشهاد النبی(ص) و سبب استشهاده بشکل آخر، و لا أثر لمثل هذه الروایات فی الکتب المعتبرة، و لذلک فلا یمکن الاستناد إلیها.

2. و مع کل هذا فإنه ینبغی أن یعلم أن موضوع استشهاد النبی(ص) لیس هو من اصول الدین أو من بدیهیّاته التی یجب الایمان و الاعتقاد بها و یکون انکارها موجباً للخروج من الدین، و لهذا السبب أیضاً فأن عدداً قلیلاً من المسلمین یُشکّکون فی استشهاد النبی(ص) و یرون أن سبب وفاته ناشئ من عامل طبیعی کمرض ذات الجنب أو الحُمی الشدیدة.[10] مع أن النبی(ص) نفسه کان قد أکّد بأنه لا یبتلی أبداً بمثل هذه الأمراض.![11]

و علی کل حال فسواء کان هذا الرجل الإلهی العظیم قد استشهد، أو ارتحل عن الدنیا بموت طبیعی، فإنه یجب أن نعلم بأن مقامه أرفع کثیراً و أفضل من الشهداء الآخرین لأن الله تعالی قد ذکر فی القرآن الکریم أولاً: أن منزلة الأنبیاء أرفع من منازل الشهداء.[12]

و ثانیاً: أن الشهداء إنما ینالون القرب و المنزلة عند الله لأنهم قتلوا فی سبیل الله و اتّباعاً لرسوله، و من البدیهی إذن أن یکون مقام نفس الأنبیاء أرفع و أعلی کثیراً من مقام الشهداء الذین نالوا ما نالوا بسبب إتباعهم للأنبیاء. و بناء علی هذا فنبیّنا " الذی اوقف کل حیاته للجهاد فی سبیل الله الی درجة بحیث إن اتباعه تکون لهم مثل تلک المنزلة عند الله" لیس فقط له نصیب من تلک المنزلة بل أنه یتمتّع بمنزلة أرفع و أعلی کثیراً من ذلک.



[1] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج6، ص 315، ح 3، دار الکتب الإسلامیة، طهران 1365 ش.

[2] محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، بصائر الدرجات، ج1، ص 503، مکتبة آیة الله المرعشی، قم، 1404 ق.

[3] المجلسی، محمد باقر، بحارالانوار، ج 27، ص216، ح 18 و ج 44، ص 271، ح 4، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ق.

[4] نفس المصدر، ج 27، ص 209، ح 7.

[5] صحیح البخاری، ج 5، ص 137، دار الفکر، بیروت، 1401 ق.

[6] سنن الدارمی، ج1، ص 33، مطبعة الاعتدال، دمشق.

[7] مسند أحمد بن حنبل، ج6، ص 18، دار صادر، بیروت.

[8] بحارالانوار، ج 21، ص 7.

[9] محمد بن سعد، الطبقات الکبری، ج 2، ص 201-202، دار صادر، بیروت.

[10] ابن أبی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج 10، ص 266، مکتبة آیة الله المرعشی، قم، 1404 ق.

[11] نفس المصدر، ج 13، ص 31؛ الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 8، ص 193، ح 229.

[12] و من یطع الله و الرسول فاؤلئک مع الذین أنعم الله علیهم من النبییّن و الصدّیقین و الشهداء و الصالحین و حسن اولئک رفیقاً، النساء، 69؛ انظر: المیزان، ج 4، ص 408؛ تفسیرالنمونه، ج 3، ص 460.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280273 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258850 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129648 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115694 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89575 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61076 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60380 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57382 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51659 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47724 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...