Please Wait
8516
اذا استطاع الانسان السیطرة على اعصابه فحینئذ یستطیع التغلب على حالة الغضب التی تعتریه و قد عبر عنها فی الروایات "بکظم الغیظ" و لقد اعتبر القرآن الکریم ان من أهم خصائص المتقین خصیصة کظم الغیظ و العفو عن الناس حیث قال تعالى " ِ وَ الْکاظِمینَ الْغَیْظَ وَ الْعافینَ عَنِ النَّاسِ وَ اللَّهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنینَ".
اما بالنسبة الى الطرق المساعدة فی کظم الغیظ و خلق حالة الاسترخاء فهی عبارة عن:
1- اللجوء الى الله تعالى
2- الوضوء بالماء البارد.
3- تجنب الامور التی تؤدی الى اثارة الغضب و ابعاده عن النفس.
4- الصبر.
5- الدعاء و التوسل.
6- الصلاة و ذکر الله تعالى.
الصبر و الدعا و التوسل و الصلاة و ذکر الله و التوبة، کل ذلک من العوامل المساعدة فی خلق حالة الاطمئنان و السکون و الاسترخاء و خاصة الصلاة التی هی عامل فاعل فی هدوء الاعصاب و التخلص من حالات القلق و الاضطراب التی قد تعتری الانسان.
الروایات و سبل تحصیل الطأنینة على المستویین الفردی و الاجتماعی:
هناک الکثیر من العوامل المؤثرة فی خلق حالة الاطمئنان و الهدوء النفسی یمکن الاشارة الى نماذج منها:
1- الصبر: الصبر لغة نقِیض الجَزَع و أَصل الصَّبْر الحَبْس، و کل من حَبَس شیئاً فقد صَبَرَه[1] و الصبر عنصر فاعل فی التخلص من الغم و خلق حالة الطأنینة و الهدوء النفسی فقد روی عن الامام أمیر المؤمنین (ع) انه خاطب ولده الحسن(ع) بالقول:" وَ اطْرَحْ عَنْکَ وَارِدَاتِ الْهُمُومِ بِعَزَائِمِ الصَّبْرِ وَ حُسْنِ الْیَقِین".[2]
فالمؤمن المعتقد بالثواب و جزیل الاجر الالهی للصابرین یستطیع من خلال الصبر ازالة الغم و القلق عن نفسه و خلق حالة الهدوء و الاستقراء مکانها لانه یعتقد اعتقادا راسخا بقوله تعالى " إِنَّما یُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَیْرِ حِساب"[3]
و فی مرتبة اعلى یعتقد المؤمن بشمول الرحمة الالهیة له؛ من هنا لایجد مبررا للغم و الحزن او الجزع و قد قال تعالى فی کتابه الکریم " وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَیْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرینَ * الَّذینَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصیبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ راجِعُون"[4]
2- الدعاء و الابتهال الى الله تعالى: ان الدعاء بمثابة مطر الربیع الذی یروى عطش القلوب لتنمو فی ریاحین الاطمئنان الروحی و تنمو فیها أغصان الهدوء و السکینة. ان الانسان حینما یدعو انما یناجی ربه تعالى و یلجأ الیه من المشاکل التی تقلقه و من الصعاب التی تعترض طریق حیاته، و أن عرض مشاکله على ربه یخلق لدیه حالة من الاطمئنان و السکینة النفسیة و یبعد عنه کل انواع القلق و الاضطراب.
و لقد أشار احد علماء النفس الى هذه القضیة حیث قال: إنّ أحدث العلوم الإنسانیة- أعنی علم النفس- یعلّمنا نفس تعالیم الأنبیاء، لماذا؟ لأن أطباء النفسانیین أدرکوا أن الدعاء و الصلاة و الإیمان القوی بالدین یزیل عوامل القلق و الاضطراب و الخوف و الهیجان الباعثة على أکثر أمراضنا.[5]
إن الدعاء و الابتهال الى الله تعالى یشعر الانسان بانه یستند الى کهف حصین و قلعة محکمة و انه هناک قوة کبیرة تحمیه مما یخلق لدیه حالة من الاطمئنان و الهدوء و السکینة روی عن الامام الصادق (ع) ما مضمونه : "کان أبی الباقر (ع) اذا اعتراه هم او احزنه أمر جمع النساء و الاطفال ثم یدعو"[6]
3- الصلاة: اشار تعالى فی کتابه الکریم الى ان علاج کل انواع القلق و الاضطراب یکمن فی ذکر الله تعالى و ان التوجه الى الله تعالى یطمئن القلوب کما فی قوله تعالى " الَّذینَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِکْرِ اللَّهِ أَلا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ "[7]
و لاشک أن الصلاة أبرز مصادیق لذکر الله تعالى و لقد بین سبحانه و تعالى فلسفة الصلاة بقوله " إِنَّنی أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنی وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِکْری"[8]
و لا ریب أن من اطمأن قلبه بذکر الله تعالى یعیش حالة الاستقرار الروحی و الهدوء النفسی و لایخش الا الله تعالى کما أنه یعیش حالة الامل بالله سبحانه و هدوء البال و ذلک لانه یشعر بالاتکاء على القدرة الالهیة العظیمة و ان النور الالهی یشع فی أعماقه و مترسخ فیها یقول تعالى فی سورة المعارج مبینا أسرار الصلاة "إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَ إِذا مَسَّهُ الْخَیْرُ مَنُوعاً* إِلاَّ الْمُصَلِّینَ"[9] فهؤلاء المصلون احیوا فطرتهم و سیطروا على طبیعتهم و لا شک ان خاصیة الصلاة احیاء الفطرة.[10] من هنا تحیا القلوب بأقامة الصلاة و ذکر الله تعالى بالاضافة الى التخلص من حالة القلق و الاضطراب التی تسلب الانسان هدوءه و استقراره.
4- التوبة: ان الاحساس و الشعور بالذنب من العوامل التی تثر لدى الانسان حالة من القلق و التعب النفسی مما یؤدی الى شعور الانسان بحالة من الغثیان و الذلة فی الحیاة، کما ان الشعور بالذنب یجعل الانسان یعیش حالة الخواء و فقدان الهدف من الاستمرار و مواصلة الحیاة حیث یعیش حالة الاضطراب و القلق یقول أمیر المؤمنین (ع) " بئس [بئست] القلادة قلادة الآثام.[11]
إن الشعور بالاثم یشغل الفکر دائما. و المذنب یفکر دائما بطریق الخلاص و التحرر من تلک القلادة، و هذا الفکر یقلقه دائما و یسلب منه حالة الاستقرار و لکن التوبة تمثل إحدى المعالجات الناجعة للتحرر من قضبة ذلک الشعور بالذنب؛ و ذلک لانها سبب فی غفران الذنوب و تقویة الشعور بالامل لدى الانسان بالرضا الالهی و العودة الیه سبحانه مما یؤدی الى تقلیل حدة الاضطراب لدیه.[12]
سبل السیطرة على الاعصاب
لو امسک الانسان بزمام نفسه و هیمن على احساسیة و مشاعرة و سیطر على أعصابه فحینئذ لایعیش حالة الغضب و لاینفعل أبدا و هذا ما عبرت عنه الآیات و الروایات بکظم الغیظ، و قد أشار سبحانه و تعالى الى ان هذه الصفة هی من أهم صفات المتقین الالهیین حیث قال تعالى " الَّذینَ یُنْفِقُونَ فِی السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ الْکاظِمینَ الْغَیْظ"[13]
و لفظة «الکظم» تعنی فی اللغة شد رأس القربة عند ملئها، فیقول کظمت القربة إذا ملأتها ماء ثمّ شددت رأسها، و قد استعملت کنایة عمن یمتلئ غضبا و لکنه لا ینتقم.
و أما لفظة «الغیظ» فتکون بمعنى شدّة الغضب و التوتر و الهیجان الروحی الشدید الحاصل للإنسان عند ما یرى ما یکره.
و حالات الغیظ و الغضب من أخطر الحالات التی تعری الإنسان، و لو ترکت و شأنها دون کبح لتحولت إلى نوع من الجنون الذی یفقد الإنسان معه السیطرة على أعصابه و تصرفاته و ردود فعله.
و لهذا فإن أکثر ما یقترفه الإنسان من جرائم و أخطاء و أخطرها على حیاته هی التی تحصل فی هذه الحالة، و لهذا تجعل الآیة «کظم الغیظ» و «کبح جماح الغضب» الصفة البارزة الثانیة من صفات المتقین.[14]
إن القرآن الکریم و الروایات الشریفة لم تذم اصل الغضب بل امتدحت الغضب المقدس؛ و ذلک لان الغضب المقدس من الصفات الالهیة التی عبر عنها باسم القهار تارة و الجبار اخرى، فاذا ما اتزن الغضب و التعصب و کان فی طریق الحق لا انه لا یذم فقط بل ان یمتدح و یثنى علیه و یکون مرضیا من الباری تعالى.
و قد روى أمیر المؤمنین (ع) فی بیان سیرة النبی الاکرم (ص) انه ما کان یغضب للدنیا حیث قال: لا تُغْضِبُهُ الدُّنْیَا وَ مَا کَانَ لَهَا فَإِذَا تُعُوطِیَ الْحَقُّ لَمْ یَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَ لَمْ یَقُمْ لِغَضَبِهِ شَیْءٌ حَتَّى یُنْتَصَرَ لَه.[15]
إن المتقی لایغضب الا لله تعالى و لحقوق الله و الناس و لایخرجه ذلک عن إطار الایمان و الحدود الالهیه.
لقد بین القرآن الکریم ان العصبیة و الغضب الذی لایستند الى الحق و لاینطلق من منطلق عقلائی هو من صفات الجاهلیة و ان الهدوی و الاستقرار و کظم الغیظ هی من صفات رسول الله (ص) و المؤمنین، و یعتبر ذلک هبة الهیة و ان التعصب الجاهلی و الغضب هو نتاج الافکار الخاطئة و عمل الکافرین السیئ فقال عز من قائل " إِذْ جَعَلَ الَّذینَ کَفَرُوا فی قُلُوبِهِمُ الْحَمِیَّةَ حَمِیَّةَ الْجاهِلِیَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَکینَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنینَ وَ أَلْزَمَهُمْ کَلِمَةَ التَّقْوى وَ کانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها وَ کانَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلیماً"[16]
هنا یبین لنا الباری تعالى ان ثقافة الجاهلیة هی ثقافة " الحمیة و التعصب و الغضب الجاهلی؛ فی حین ان ثقافة الاسلام قائمة على السکینة و الوقار و الهدوء و المسک بزمام النفس.
فمن امسک زمام نفس و اعصابه و کظم غیظه و سیطر على غضبه حینئذ ستخف عنده حالة الهیجان العصبی.
و بالاضافة الى ما ذکر من الامور فی معالجة الغضب یمکن الاشارة الى بعض الامور الاخرى لمعالجة الغضب، منها:
الف: لابد ان یعی الانسان أن الشیطان مسلط علیه فلابد ان یلوذ بالله تعالى و یلتجئ الیه روی الکلینی فی الکافی: ٍ عَنْ عَلِیِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُیَسِّرٍ قَالَ ذُکِرَ الْغَضَبُ عِنْدَ أَبِی جَعْفَرٍ (ع) فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَیَغْضَبُ فَمَا یَرْضَى أَبَداً حَتَّى یَدْخُلَ النَّارَ فَأَیُّمَا رَجُلٍ غَضِبَ عَلَى قَوْمٍ وَ هُوَ قَائِمٌ فَلْیَجْلِسْ مِنْ فَوْرِهِ ذَلِکَ فَإِنَّهُ سَیَذْهَبُ عَنْهُ رِجْزُ الشَّیْطَانِ وَ أَیُّمَا رَجُلٍ غَضِبَ عَلَى ذِی رَحِمَ فَلْیَدْنُ مِنْهُ فَلْیَمَسَّهُ فَإِنَّ الرَّحِمَ إِذَا مُسَّتْ سَکَنَت.[17]
ب: الوضوء، روی عن النبی الاکرم (ص) انه قال: " إذا غضب أحدکم فلیتوضّأ و لیغتسل فإنّ الغضب من النّار. "[18]
ج: التفکر فی الاحادیث و الروایات المادحة لکظم الغیظ و العفو و الصبر و التحمل کالحدیث المروی عن الرسول الاکرم (ص) " مَنْ کَفَّ غَضَبَهُ عَنِ النَّاسِ کَفَّ اللَّهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَى عَنْهُ عَذَابَ یَوْمِ الْقِیَامَة".[19]
د: على الانسان ان یبعد عن نفس کل الامور التی تثیر عنده حالة الغضب و العصبیة کالعداوة و الحرص و الغرور و التکبر و... .[20]
[1]لسان العرب، مادة صبر.
[2] المجلسی، محمدباقر، بحارالانوار، ج 74، ص 211 ، بیروت، دار احیاء التراث العربی.
[3]الزمر، 10.
[4]البقرة، 155-156.
[5]مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج 1، ص 532، نقلاً عن آئین زندگی (فارسی)، ص 156.
[6] القمی، الشیخ عباس، سفینة البحار، ج 1، ص 447، منشورات مکتبة سنائی.
[7]الرعد، 28.
[8]طه، 14.
[9]المعارج،19-22.
[10] جوادی آملی، عبدالله، أسرار العبادات، ص 41.
[11] التمیمی الآمدى، عبد الواحد بن محمد، غررالحکم، ص 185، طهران، جامعة طهران، 1373شمسی.
[12] نجاتی، محمد عثمان، قرآن و روانشناسى، ص 376، مشهد، القدس الرضوی، 1373شمسی.
[13]آل عمران، 134.
[14]مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج2، ص 698، ناشر: مدرسه الامام على بن أبی طالب، قم، 1421 ق، الطبعة الاولى.
[15]بحارالأنوار، ج 16، ص 149.
[16]الفتح، 26.
[17]الکلینی، الکافی، ج 2، ص 302، باب الغضب.
[18]الحکم الزاهرة (با ترجمه انصارى)، ص 586.
[19]بحارالأنوار، ج 70 ، ص 280.
[20] معراج السعادة، ص 238.