Please Wait
7811
الربوبیة مشتقة من مادة «رب» و تأتی فی اللغة العربیة بمعنى المالک، و تستعمل فی صاحب الشیء و المربی و حیث إن الله سبحانه مالک لکل الوجود، فهو المدبر لکل هذا العالم، فهو «رب» کل ما سواه. و علیه فجمیع موجودات العالم تعد مظهراً من مظاهر الحق تعالى، و لکن هناک أصول و أساسیات لهذه المظاهر، و أحد هذه الأصول مرتبة الجاعلیة و الربوبیة و هی أول مرتبة من مراتب تنزلات ذات الحق القیوم المطلق.
و على أساس عقیدة التوحید لا یوجد موجود ذا وجود استقلالی الا الله تعالى و کل ما سواه علامة و مظاهر و تجلیات الذات المتعالیة، و ماسوى الله وجودات محتاجة فی ذاتها و صفاتها إلى الحق و مرتبطة به، بل إن ذاتها عین الحاجة إلى الحق تعالى.
و على هذا الأساس فالربوبیة الذاتیة الاستقلالیة من مختصات الله سبحانه، و لا یمکن إضافة هذه الصفة الإلهیة إلى المخلوق إلا باعتباره مظهراً و تجلیاً من تجلیات صفات الباری، و فی مثل هذه الحالة یجوز نسبة الربوبیة إلى المخلوقات فقط.
و من هنا یمکن القول على أساس الحکمة و العرفان: ان الإنسان الکامل مظهر مجموع العالم الجسمانی و عالم المثال و النور، و یمکن أن یکون مثالاً لعالم الربوبیة، و من هنا قیل أن الإنسان الکامل مظهر إسم الله و الربوبیة الإلهیة، و على أساس کلام الإمام الصادق (ع) حیث قال: کلما سار الإنسان فی طریق العبودیة و الفناء فی ذات الله فإنه یصل بهذا القدر إلى مقام تجلی الربوبیة.
و مع أن فهم هذه المطالب و فصلها عن مقولة التوحید و الشرک غالباً ما یکون صعباً عند العامة، و خصوصاً مع عدم وجود العلم اللازم، فإنهم یقعون فی الانحراف عن التوحید و السقوط فی ورطة الشرک، و من هنا حذر الأئمة (ع) أتباعهم من إطلاق صفة الربوبیة علیهم و استعمالها بحقهم، و لکنهم (علیهم السلام) فی عین إثبات کونهم مخلوقین و محتاجین إلى الله یمکن أن یقال أنهم یتصفون ببعض صفات إلهیة تتعدى صفات البشر و هذه الصفات قد وهبهم الله ایاها.
من أجل أن یتضح الأمر لا بد من الإجابة على عدة مسائل:
1ـ معنى الربوبیة: الربوبیة مشتقة من مادة «رب» و تستعمل فی اللغة العربیة فی عدة موارد منها مثلاً: المالک، السید، المدبر، القیم، المنعم، المربی.[1]
و یرى اللغویون أن صیغة «رب» لا تطلق بصورة مطلقة إلا على الله سبحانه، و أما بالنسبة لغیر الله فإنها تطلق علیهم مع الإضافة؛ مثل «رب البیت» و «رب الإبل»[2].
و یعتقد الراغب الأصفهانی أن أصل هذه الکلمة من «التربیة» أی خلق الشیء لحظة بلحظة و فی حالاته المختلفة حتى یصل إلى حد الکمال.[3]
و یقول العلامة الطباطبائی بخصوص توضیح صیغة «الرب»: «فالرب هو المالک الذی یدبر أمر مملوکه، ففیه معنى الملک، و معنى الملک الذی عندنا فی ظرف الاجتماع هو نوع خاص من الاختصاص و هو نوع قیام شیء بشیء یوجب صحة التصرفات فیه، فقولنا العین الفلانیة ملکنا، معناه: أن لها نوعا من القیام و الاختصاص بنا یصح معه تصرفاتنا فیها و لو لا ذلک لم تصح تلک التصرفات و هذا فی الاجتماع معنى وضعی اعتباری غیر حقیقی و هو مأخوذ من معنى آخر حقیقی نسمیه أیضا ملکا، و هو نحو قیام أجزاء وجودنا و قوانا بنا فإن لنا بصرا و سمعا و یدا و رجلا، و معنى هذا الملک أنها فی وجودها قائمة بوجودنا غیر مستقلة دوننا بل مستقلة باستقلالنا و لنا أن نتصرف فیها کیف شئنا و هذا هو الملک الحقیقی.
و الذی یمکن انتسابه إلیه تعالى بحسب الحقیقة هو حقیقة الملک دون الملک الاعتباری الذی یبطل ببطلان الاعتبار و الوضع، و من المعلوم أن الملک الحقیقی لا ینفک عن التدبیر فإن الشیء إذا افتقر فی وجوده إلى شیء فلم یستقل عنه فی وجوده لم یستقل عنه فی آثار وجوده، فهو تعالى رب لما سواه لأن الرب هو المالک المدبر و هو تعالى کذلک»[4].
و أما الشیخ الرئیس ابن سینا فیقول: «ربوبیة الرب: التربیة الکاملة من قبل الله تعالى لأمر الموجودات، و التربیة أیضاً عبارة و إشارة لتسویة المزاج البدنی لأن الإنسان لا یعتبر موجوداً کاملاً ما دام بدنه غیر مستعد و لا متهیئ و من المقرر أن هذا الاستعداد لم یحصل إلا بتربیة لطیفة، و تمزیج طاهر و العقل بما هو عقل قاصر عن هذا»[5].
المطلب الثانی: الربوبیة من بین صفات
الله.
و نقول فی إیضاح هذا المطلب: بما أن جمیع موجودات العالم هی مظهر من مظاهر الحق تعالى، و کل موجود یمثل مظهراً من مظاهر صفات الجلال و الجمال و الکمال لله سبحانه، فقد اکتفى العرفاء عموماً بذکر الحضرات الخمس و اعتبروهن أصول الحضرات و هن:
1ـ حضرة الغیب المطلق، و عالمه عالم الأعیان الثابتة فی الحضرت العلمیة.
2ـ حضرة الشهادة مقابل حضرة الغیب و عالمها عالم الملک.
3ـ حضرة الغیب المضاف و هی على قسمین، أحدهما قریب من الغیب المطلق و الآخر عالم الأرواح الجبروتیة و الملکوتیة، أی عالم العقول و النفوس.
4ـ العالم الأقرب إلى عالم الشهادة و هو عالم المثال.
5ـ الحضرة الجامعة، و هی التی تجمع الحضرات الأربع و عالم هذه الحضرة هو الإنسان الکامل الذی یجمع کل العوالم.
و قد عدوا هذه الحضرات فی شرح دیوان أمیر المؤمنین على النحو التالی:
1ـ حضرة غیب الغیوب و الغیب المطلق.
2ـ حضرة الأسماء و حضرة الصفات و الجبروت و برزخ البرازخ و البرزخیة الأولى و مجمع البحرین و قاب قوسین.
3ـ حضرت الأفعال و تمثل عالم الأمر و عالم الربوبیة و الغیب المضاف و الغیب الباطن.
4ـ حضرة المثال و الخیال المنفصل.
5ـ حضرة الحس و الملک[6].
و على هذا الأساس فالربوبیة هی: مرتبة الأسماء و الصفات و الأفعال بالنسبة إلى الله تعالى مع التفصیل، لأن الألوهیة اسم لهذه المرتبة الإلهیة التی تمثل أسماء الذات و الصفات و الأفعال مجملاً و دون تفصیل، فمرتبة الربوبیة دون مرتبة الإلوهیة إذن[7]. و بعبارة أخرى مرتبة الواحدیة باعتبار إیصال المظاهر و الأسماء ـ و هی عبارة عن الأعیان و الحقائق ـ إلى کمالاتها الممکنة و المناسبة لها بحسب استعدادتها فی الخارج، و هذا ما یطلق علیه مرتبة الربوبیة[8]. و على أی حال فکما قال الحکیم المیرداماد: إن مرتبة الجاعلیة و الربوبیة هی أول تنزلات و تجلیات ذات الحق القیوم المطلق، و من هنا جاء فی سورة الحمد ـ و هی أم الکتاب ـ عبارة «رب العالمین» بعد إسم الذات فی قوله: «الحمد لله رب العالمین»[9].
3ـ المطلب الثالث: هل یمکن استعمال لفظ الربوبیة لغیر الله تعالى؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من القول: بحسب الرؤیة التوحیدیة لا وجود لموجود له وجود استقلالی الا الله تعالى.
و إن الجمیع سوى الحق ما هی إلا مظاهر و تجلیات هذه الذات المتعالیة، و الکل محتاج إلیها فی ذاته و صفاته و مرتبط بها، بل أن ذاتها عین الحاجة إلى الله.
و على هذا الأساس فالربوبیة الاستقلالیة من مختصات الله سبحانه، و أن نسبة هذه الصفة الإلهیة إلى المخلوق لا تصح إلا بعنوان کونه مظهراً و تجلیاً لصفات الله فقط، و ذلک جائز فی هذه الحدود لا غیر.
و علیه یمکن القول على أساس الحکمة و العرفان: إن الإنسان الکامل هو مظهر مجموع العالم الجسمانی و عالم المثال و النور و من الممکن أن یکون مثالاً لعالم الربوبیة، و من هنا قالوا الإنسان الکامل مظهر لإسم الله و الربوبیة الإلهیة.
و توضیح ذلک أن الحکماء و المتألهین یعتقدون: أن الإنسان عالمٌ أصغر و مثال لعالم الربوبیة و هو العالم الأکبر، أی أن الإنسان مجموع لموجودات ملکیة و لطائف ملکوتیة، و أشرف من الکل، فما هو موجود فی عالم الربوبیة موجود فی الإنسان، فالإنسان مظهر لعالم الجسمانیة و عالم المثال و النور، و من هنا قالوا أن الإنسان الکامل مظهر إسم الله، لأن إسم الله شامل لجمیع أسماء الله و هذه مرتبة الربوبیة، لأن عالم الربوبیة معنىً یشمل جمیع الموجودات. و من الطبیعی فإن الله قیوم بذاته و موجود بالوجود الأصلی و الاستقلالی، و أما غیره فوجوده فرعی و ظل[10].
و على أی حال فإن الإنسان الکامل له دور ربوبی بالنسبة للمراتب الدنیا بدلیل جامعیته الوجودیة و لاتصافه بمراتب وجودیة عالیة.
و لذلک له دور الربوبیة و الواسطة فی الخلق و تربیة ما دونه من المراتب الوجودیة، لأن نفس الإنسان الکامل واسطة لفیض الله باتجاه مخلوقاته[11]. إضافةً إلى قول الإمام الصادق(ع): «العبودیة جوهر کنهها الربوبیة فما فقد من العبودیة وجد فی الربوبیة»[12].
و ختام الکلام و مع أن فهم هذه المطالب و فصلها عن مقولة التوحید و الشرک غالباً ما یکون صعباً عند العامة، و خصوصاً مع عدم وجود العلم اللازم، فإنهم یقعون فی الانحراف عن التوحید و السقوط فی ورطة الشرک، و من هنا حذر الأئمة (ع) أتباعهم من إطلاق صفة الربوبیة علیهم و استعمالها بحقهم، و لکنهم فی عین إثبات أنهم مخلوقون و محتاجون إلى الله یمکن أن یقال أنهم یتصفون بصفات إلهیة تتعدى صفات البشر و هذه الصفات قد وهبهم الله ایاها.[13]
[1]ابن منظور، لسان العرب، مادة «ربب»؛ الطبرسی، أبو علی فضل بن حسن، مجمع البیان، ج 1، ص 21 و 22، المکتبة العلمیة الإسلامیة؛ راغب الأصفهانی، المفردات لألفاظ القرآن الکریم.
[2]الراغب الأصفهانی، مفردات؛ ابن منظور، لسان العرب، مادة ربب.
[3]راغب الأصفهانی، مفردات، مادة رب.
[4]المیزان فی تفسیر القرآن، ج 1، ص 20 - 22.
[5]الشیخ الرئیس ابن سینا، الرسائل الخمس، ص59، الناشر: جامعة ابن سینا، همدان، الطبعة الثانیة ، 1383 هـ ش .
[6] سجادى، سید جعفر، فرهنگ معارف اسلامى، ج 2، ص 732، الطبعة الثالثة، نشر جامعة طهران، 1373 ش .
[7]المصدر نفسه.
[8]نفسه، ج 3، ص 1759.
[9]میر محمد باقر داماد، جذوات و مواقیت، ص 198، میراث مکتوب، طهران، 1380 ش، الطبعة الأولى، تصحیح و تعلیق علی أوجبی.
[10] محمد شریف نظام الدین احمد بن الهروی، أنواریه، (ترجمة و شرح حکمة الإشراق للسهروردی) ، ص 188، الأمیر الکبیر، طهران، 1363 ش، الطبعة الثانیة، ملاحظات: مقدمة حسین ضیائی.
[11]کرامی، محمد علی، لو لا فاطمة، ص22، الطبعة الأولى، دار الفکر، 1381.
[12] مصباح الشریعة، ج 1، ص 5، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، 1400 ق.
[13]فقال الصادق (ع):«اعلما أن لنا رباً یکلؤنا باللیل و النهار نعبده یا مالک و یا خالد قولوا فینا ما شئتم و اجعلونا مخلوقین فکرّرها علینا مراراً و هو واقفٌ على حماره». بحار الأنوار، ج 47، ص 148.