Please Wait
6621
صحیح أن العقل یحکم بلزوم المعاد و ضرورة وجود عالم آخر وراء العالم الدنیوی، لکن تفاصیل المعاد و هل هو جسمانی أم روحانی، أو هو جسمانی و روحانی معاً، و على فرض کونه جسمانیاً هل یتم بهذا الجسم العنصری المادی أم بالجسم البرزخی و المثالی؟ کل هذه التساؤلات لایمکن إثباتها من خلال البراهین العقلیة؛ من هنا نرى طائفة من المتکلمین ذهبوا الى کون المعاد جسمانیاً فقط و انکروا وجود الروح المستقل عن البدن و آلیته. فی المقابل نرى طائفة من الفلاسفة المشائیین ذهبوا الى کون المعاد روحانیاً، و ذهبوا الى أن العلاقة بین الروح و البدن تنقطع بالموت، و بما أن الروح موجود ثابت و مجرد عن المادة فلا یتطرق الیه الفناء و العدم و أنها تخلد بعد انفصالها عن البدن.
لکن الکثیر من الحکماء و العرفاء و المتکلمین المسلمین و علماء الامامیة کالشیخ المفید، الطوسی، الخواجة نصیر الدین و...یعتقدون بان الروح یوم القیامة تعود الى الجسد فالمعاد جسمانی.
من المسلم والمقطوع به أن المعاد و القیامة من الامور التی یعتقد بها جمیع اتباع الدیانات و المذاهب شأنه شأن التوحید. [1] لذا نجد الافراد المؤمنین بمبدأ حکیم – و إن کانوا لا یتبعون مذهباً خاصاً- یعتقدون بالمعاد و یعترفون بالقیامة عن طریق الوجدان و الحس الباطنی، لکنهم یختلفون فی کیفیته، هل هو جسمانی أم روحانی، و على فرض کونه جسمانیاً هل البدن الأخروی عین البدن الدنیوی الطبیعی الذی کان الانسان یعیش به، أو أنه جسم أکثر لطافة یعبر عنه بالبدن المثالی أو البرزخی؟
و نحن هنا نحاول الاشارة الى تلک النظریات بصورة مختصرة ثم نعرج على بیان الرأی المشهور: [2]
1. المعاد، جسمانی فحسب
المحکی عن المحدّثین هو انّ المعاد جسمانی فحسب، وذلک لأنّه لا واقعیة للإنسان سوى هیکله الجسمانی، وانّ الروح سار فی بدنه سریان النار فی الفحم والماء فی الورد، فإذا بطل البدن بالموت بطلت الروح أیضاً، فلا یبقى هناک واقعیة باسم الروح حتى تُعاد، وإنّما المعاد ما یبقى من الإنسان بعد موته من عظامه وسائر أجزاء بدنه.
2. المعاد روحانی فحسب
ذهب أکثر المشائین من الفلاسفة إلى القول بأنّ المعاد روحانی فقط، لانقطاع الصلة بین الروح والبدن بالموت فیستحیل حینئذٍ أن تتعلق الروح بالمادة من جدید. و بما آنهم لم یست طیعوا حل الاشکالات الواردة على المعاد الجسمانی تراهم مالوا للقول بالمعاد الروحانی و انکار المعاد الجسمانی.
3. المعاد جسمانی و روحانی معاً
ذهب المحقّقون من المتکلّمین والحکماء والعرفا ء و علماء الشیعة کالشیخ المفید والسید المرتضى والشیخ الطوسی و المحقّق الطوسی و العلّامة الحلّی من الإمامیة، و الغزالی و الکعبی و الحلیمی و الراغب الاصفهانی من السنّة، إلى أنّ الروح تعو د الى البدن یوم القیامة فمن هنا یکون المعاد جسمانیاً وروحانیاً فی آن واحد.
و قد انقسم اصحاب هذا الاتجاه الى فریقین:
الاول: یرى أن الروح تعود الى البدن الطبیعی العنصری ذی الفعل و الانفعال الفیزیاوی و الکیمیاوی.
الثانی: أن الروح فی العالم الآخر تعود الى جسم مثالی و بدن برزخی لطیف لیس له جرم مادی، لکن ّ له شکلاً وابعاداً تشبة تماما الجسم المادی بحیث عندما یراه الرائی یقول هذا فلان بن فلان الذی کان فی الدنیا، لکنه یختلف عنه من جهة عدم کونه جرماً و انه لایمتلک قابلیة الفعل و الانفعال الکیمیاویة و الفیزیاویة، شأنه شأن الجسم الذی یرى فی عالم الرؤیا.
صحیح أن العقل یحکم بلزوم المعاد و ضرورة وجود عالم آخر وراء العالم الدنیوی، لکن تفاصیل المعاد و هل هو جسمانی أم روحانی، أو هو جسمانی و روحانی معاً، و على فرض کونه جسمانیاً هل یتم بهذا الجسم العنصری المادی أم بالجسم البرزخی و المثالی؟ کل هذه التساؤلات لایمکن إثباتها من خلال البراهین العقلیة؛ من هنا نرى الحکیم ابن سینا یقول: یجب أن یعلم أن المعاد منه ما هو منقول من الشرع و لا سبیل إلى إثباته إلا من طریق الشریعة و تصدیق خبر النبوة و هو الذی للبدن عند البعث، و خیرات البدن و شروره معلومة لا یحتاج إلى أن تعلم، و قد بسطت الشریعة الحقة التی أتانا بها نبینا و سیدنا و مولانا محمد (ص) حال السعادة و الشقاوة التی بحسب البدن. [3]
من هنا نرى من الضروری الرجوع الى آیات القرآن الکریم و الروایات الشریفة لمعرفة کیفیة المعاد:
القرآن و المعاد الجسمانی
تکشف لنا آیات الذکر الحکیم بوضوح أن المعاد یوم القیامة لم یکن روحانیا فقط، بل هو روحانی وجسمانی فی آن واحد، و أن الجسم الذی تعود الیه الروح هو الجسم المادی العنصری الدنیوی. و الآیات کثیرة فی هذا المجال نشیر الى بعضها:
1. الآیات التی ترد على المتسائلین عن کیفیة اعادة العظام الذین یرون ذلک محالاً، کقوله تعالى: " قُلْ یُحْییهَا الَّذی أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِکُلِّ خَلْقٍ عَلیم " [4] وقوله تعالى فی رد من یستبعد اعادة العظام "أ یَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى قادِرینَ عَلى أَنْ نُسَوِّیَ بَنانَه ". [5]
2. الآیات التی تشیر الى نشر و بعث الابدان من القبور للوقوف امام الله تعالى للحساب کقوله تعالى: " أَفَلا یَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِی الْقُبُور " [6] وقوله تعالى : " وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ یَنْسِلُون ". [7]
3. تارة نرى القرآن الکریم یشیر الى امکانیة المعاد الجسمانی من خلال وقوعه فی الدنیا کما حدث ذلک لعزیر علیه السلام. [8] و قصة النبی إبراهیم (ع) عندما سأل الله تعالى عن کیفیة احیاء الموتى. [9] من هذه الامثل و غیرها نکتشف ان المعاد الجسمانی یکون بهذا البدن الدنیوی.
کذلک یستفاد ذلک من کلام أمیر المؤمنین فی نهج البلاغة حیث قال (ع): " و اعْلَمُوا أَنَّهُ لَیْسَ لِهَذَا الْجِلْدِ الرَّقِیقِ صَبْرٌ عَلَى النَّارِ فَارْحَمُوا نُفُوسَکُمْ فَإِنَّکُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِی مَصَائِبِ الدُّنْیَا ..." [10] و قوله (ع) : " حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورُ وَ تَقَضَّتِ الدُّهُورُ وَ أَزِفَ النُّشُورُ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ وَ أَوْکَارِ الطُّیُورِ وَ أَوْجِرَةِ السِّبَاعِ وَ مَطَارِحِ الْمَهَالِکِ سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ مُهْطِعِینَ إِلَى مَعَادِهِ رَعِیلًا صُمُوتاً قِیَاماً صُفُوفاً یَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَ یُسْمِعُهُمُ الدَّاعِی عَلَیْهِمْ لَبُوسُ الِاسْتِکَانَةِ وَ ضَرَعُ الِاسْتِسْلَامِ وَ الذِّلَّة" [11] و قوله علیه السلام أیضاً: " وَ ذَلِکَ یَوْمٌ یَجْمَعُ اللَّهُ فِیهِ الْأَوَّلِینَ وَ الْآخِرِینَ لِنِقَاشِ الْحِسَابِ وَ جَزَاءِ الْأَعْمَالِ خُضُوعاً قِیَاماً قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ وَ رَجَفَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ فَأَحْسَنُهُمْ حَالًا مَنْ وَجَدَ لِقَدَمَیْهِ مَوْضِعاً وَ لِنَفْسِهِ مُتَّسَعاً". [12]
4. النعم الکثیر التی بشر الله تعالى بها عباده فی الجنة من قبیل الفاکهة [13] اللحوم و الطیور [14] الزواج و الحور العین [15] وغیر ذلک من الامور التی لا یمکن تصورها من دون المعاد الجسمانی.
النتیجة: أن مشهور المتکلمین و الفلاسفة والعلماء الکبار یرون من خلال تلک الایات أن المعاد جسمانی بالمعنى الذی ذکرناه(ای جسم مع الروح).
لمزید الاطلاع انظر: السؤال رقم 641 (الموقع: 699) .
[1] لمزید الاطلاع انظر السؤال رقم، 3927 (الموقع: 4312) المعاد الجسمانی عند أهل الکتاب.
[2] انظر: الملاصدرا، المبدأ و المعاد، احمدبن محمد الحسینی اردکانی، عبد الله نورانی، ص 433- 436، مرکز نشر دانشگاهی، طهران، 1362هجری شمسی؛ السبحانی، جعفر، الهیات و معارف اسلامی، ص 290- 297، انتشارات شفق، قم، الطبعة الثانیة، 1379.
[3] أ بوعلی سینا، الهیات الشفاء، حسن زاده آملی، حسن، المقاله 9، ص 460، انتشارات دفتر التبلیغ الاسلامی، قم، الطبعة الاولی، 1376هجری شمسی.
[4] یس، 79.
[5] القیامة، 3-4.
[6] العادیات،9.
[7] یس،51.
[8] البقرة، 259، "أَوْ کَالَّذی مَرَّ عَلى قَرْیَةٍ وَ هِیَ خاوِیَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى یُحْیی هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ کَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِکَ وَ شَرابِکَ لَمْ یَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلى حِمارِکَ وَ لِنَجْعَلَکَ آیَةً لِلنَّاسِ وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ کَیْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَکْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى کُلِّ شَیْءٍ قَدیر".
[9] البقرة، 260، "وَ إِذْ قالَ إِبْراهیمُ رَبِّ أَرِنی کَیْفَ تُحْیِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لکِنْ لِیَطْمَئِنَّ قَلْبی قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّیْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَیْکَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى کُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ یَأْتینَکَ سَعْیاً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزیزٌ حَکیم".
[10] نهج البلاغة، صبحی الصالح، خ183.
[11] المصدر، خ83.
[12] المصدر، خ102.
[13] المرسلات 42، المؤمنون 19، الصافات 42، الدخان 55 و ...
[14] الواقعة 21، الطور 22 و...
[15] الر حمن 72، الواقعة 22 و ...