Please Wait
8285
اصول کل فرقة تمثل الاسس التی تقوم علیها تلک الفرقة بحیث لو انهدم أی اصل من تلک الاصول تنهار تلک الفرقة و تخرج عن کونها فرقة مستقلة، و لیست المعتزلة بدعا من تلک الفرق حیث تقوم على اصول خاصة تمیزها عن غیرها من الفرق و المذاهب و التی حظیت بقبول جمیع رجالها و علمائها، و هذه الاصول عبارة عن: التوحید؛ العدل؛ الوعد و الوعید؛ المنزلة بین المنزلتین؛ الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر.
و یعد التوحید الاصل الاساسی للمعتزلة ثم یلیه العدل حیث بحثت فیه بتفصیل اکثر المباحث المتعلقة بالله تعالى؛ اما الاصل الثالث الوعد و الوعید الذی یعد ضمانه للمؤمنین و لکنه فی الحقیقة یرجع الى الاصل الثانی. و اما الاصل الرابع "المنزلة بین المنزلتین" ففی الغالب یحظى باهمیة تاریخیة فقط لما وقع بین المعتزلة و غیرها من الفرق التی تختلف معها فی هذه القضیة حیث أولته المعتزلة أهمیة کبیرة؛ و أما الاصل الخامس "الامر بالمعروف و النهی عن المنکر" فهو من الاصول المتفق علیها بین المسلمین، فلم یقع البحث فیها و النقاش من هذه الجهة. نعم، قد أهمل هذا الاصل فترة من الزمن لکن لحسن الحظ لم یفقد قیمته.
شأن المعتزلة شأن الفرق الاخرى لها اصولها التی تمیزیها عن غیرها و التی تعد الملاک فی تمییز المعتزلی عمن سواه من جهة و تلزم المعتزلی بالدفاع عنها من جهة أخرى. و هناک بعض المعتزلة من وضع بعض الاصول الخاصة فعلى سبیل المثال نجد واصل بن عطاء وضع اربعة اصول: 1. نفی الصفات الزائدة؛ 2. القول بالقدر، و حاصلها أنّ العبد هو الفاعل للخیر و الشرّ و الإیمان و الکفر و الطاعة و المعصی؛ 3. المنزلة بین المنزلتین، و أنّ مرتکب الکبیرة لیس کافراً و لا مؤمناً، بل فاسق مخلّد فی النّار إن لم یتب؛4. قوله فی الفریقین من أصحاب الجمل و صفّین، أنّ أحدهما مخطئ لا بعینه (أی من دون تعیین المخطئ منهما بالخصوص).[1]
اما بالنسبة الى الاصول الخمسة للمعتزلة یمکن القول بان المعتزلة و على مر السنین تمیزت کفرقة لها اصولها الخاص، و هی:
1. التوحید.
2. العدل.
3. الوعد و الوعید.
4. المنزلة بین المنزلتین.
5. الامر بالمعروف و النهی عن المنکر.
هذه الاصول تعد الاسس المهمة لمذهب الاعتزال فمن دان بها فهو معتزلی، و من نقص منها أو زاد علیها فلیس منهم. و یعتقد المعتزلی بفلاح من إعتقد بهذه الاصول و التزم بها فقط. و هناک الکثیر من الباحثین من ارجع الاصول الخمسة هذه الى اصلین فقط بل القاضی عبد الجبار نفسه یرى أن هذه الاصول الخمسة تعود الى اصلین فقط.
ثم ان بعض الفرق والمذاهب تشارک المعتزلة فی بعض تلک الاصول و ان اختلفت معها فی التفصیلات و التفریعات، فعلى سبیل المثال نرى الاشاعرة یؤمنون بالعدل الالهی لکنهم یختلفون فی تفسیر معنى العدل اختلافا جلیاً. کذلک نرى الشیعة تشارک المعتزلة فی کثیر من الامور حتى ظن البعض بان الشیعة عیال على المعتزلة فی نظریاتها الکلامیة! و هو کلام مردود قطعا؛ و ذلک لان المعتزلة لا ترتضی عددا من الاصول الاساسیة للشیعة، بل نرى علماء الفریقین رد بعضهم على البعض الآخر فی مصنفات مستقلة.[2]
و لأهمیة هذه الاصول و ما یترتب علیها من نظریات نشیر الیها بصورة مختصرة:
الاصل الاول: التوحید
لیس التوحید لدى المعتزلی مجرد الشهادة الصرفة. بل التوحید موضوع تترتب علیه عقائد و ملزومات کثیرة. فی بادئ الامر نجد المعتزلة اشاروا فی مقام التصدی للمحلدین و المادیین الى اثبات وجود الله و لکنهم فی مقابل المسیحیة اشاروا الى بساط الذات الالهیة. ثم شرع المعتزلة فی الاجابة عن الاسئلة الأخرى المثارة من قبیل: هل یمکن رؤیة الله بالعین الباصرة؟ و هل الله جسم؟ و هل تحمل علیه صفات الممکنات؟ و الأهم من ذلک کیفیة جریان صفاته علیه سبحانه؟. و بعبارة أخرى: کیف نحمل صفاته علیه؟
لقد سعى المعتزلة بکل قوة لتنزیهه سبحانه من کل شوائب الامکان و وهم المثلیة، من هنا ذهبوا الى نفی الصفات الزائدة عن الذات؛ و لکن هذا لا یعنی انهم ینفون صفة العلم، القدرة، الحیاة، السمیع و.... عنه سبحانه و تعالى، کما حاول البعض الصاق تهمة النفی بهم، بل الهدف الاساسی من وراء کلامهم نفی الثنویة و تعدد القدیم فقط. [3]
ثم إن قضیة إثبات التوحید و (الفرار من تعدد القدماء) جرّهم للخوض فی قضیة خلق القرآن الکریم. فهم من أجل الفرار مما ذهبت الیه المسیحیة بتعدد القدماء قالوا بان القرآن مخلوق[4]. ثم انهم فی الوقت الذی ینفون فیه زیاد الصفات على الذات یثبتون بان الذات الالهیة تتصف بالقدرة، العلم و... نعم یختلفون فی کیفیة حمل الصفات علیه بنحو لا یؤثر على التوحید.
هذا بالنسبة الى صفات الذات، و اما الصفات الخبریة التی اخبرت الآیات و الروایات عنها کالید و الوجه، فقد اتفقت کلمة المعتزلة على استحالة اتصاف الله تعالى بها و من هنا ذهبوا الى تأویل الآیات و الروایات.
ثم إنّ المعتزلة فی تفسیر الآیات الواردة فی مجال الصفات بین تأویل مرفوض، و تأویل مقبول. فتارة یؤوّلون الکلام بحجّة أنّه یخالف العقل و لا یذکرون للتأویل قرینة مقالیّة أو شاهداً من سائر الآیات. و هذا یعرب عن أنّ الغایة منه هو التخلّص من مخالفة النقل مع العقل، و هذا هو التأویل المرفوض، فحاشا أن یکون النقل مخالفاً للعقل. بل المخالفة تتراءى إمّا لعدم تشخیص حقیقة النقل و تخیّل ما لیس بظاهرها ظاهراً، أو لاشتباه العقل فیما یحکم و یبرم.
و أُخرى یؤوّلون معتمدین على القرائن و الشواهد الّتی تثبت الظهور التصدیقی و توقفنا على أنّ الظهور البدائی أو التصوّری لیس بمراد. و هذا هو التأویل المقبول، و إلیه الاستناد فی تأویل المتشابهات بالمحکمات و تعیین الظهور التصدیق.[5]
کذلک لما نفت المعتزلة الجسمیة نفت بالتبع لها جمیع آثار الجسمیة من قبیل الرؤیة بالحاسة الباصرة و غیر ذلک.
الاصل الثانی: العدل
لاریب أن المخالفین للمعتزلة کالاشاعرة یقولون بالعدل الالهی لکن بتفسیر خاص، فهو عندهم ان کل ما یفعله الله تعالى عین العدل حتى لو قام بعمل غیر مبرر من قبیل وضع الاطفال فی النار. لکن العدل عن المعتزلة یعنی:
أنّ اللَّه عزّوجلّ عدل کریم، خلق الخلق لعبادته، و أمرهم بطاعته، و نهاهم عن معصیته، و عمّهم بهدایته، بدأهم بالنعم و تفضّل علیهم بالإحسان. لم یکلِّف أحداً إلا دون الطاقة، و لم یأمره إلا بما جعل له علیه الاستطاعة. لا عبث فی صنعه و لا قبیح فی فعله. جلّ عن مشارکة عباده فی الأفعال، و تعالى عن اضطرارهم إلى الأعمال لا یعذِّب أحداً إلاعلى ذنب فعله، و لا یلوم عبداً إلاعلى قبیح صنعه. لا یظلم مثقال ذرّة، و إن تک حسنة یضاعفها و یؤت من لدنه أجراً عظیماً.[6]
ثم إنّ إثبات عدله سبحانه مبنیّ على أُصول ثلاثة:
الأوّل: إنّ هناک أفعالاً تتّصف بذاتها بالحسن و القبح.
الثانی: إنّ اللَّه تعالى عالم بحسن الأشیاء و قبحها.
الثّالث: إنّه سبحانه لا یصدر منه القبیح.[7]
و یعد الاصل الاول من الاصول التی وقع الکلام فیها مفصلا بین المذاهب الکلامیة و قد أولته المعتزلة أهمیة کبیرة جدا بحیث عد احد نقاط الاختلاف بینها و بین غیرها من الفرق و المذاهب.
اما الاصل الثانی، فیرجع فی الحقیقة الى صفة العلم و هو من الاصول المقبولة لدى المعتزلة، لانه تعالى یعلم بجمیع المخلوقات و ما یجول فی ذهنها.
اما الاصل الثالث، فقد استدلّوا علیه بما ورد فی الکتب الکلامیّة من أنّ القبیح لا یختاره إلا الجاهل بالقبح أو المحتاج إلیه، و کلاهما منفیّان عنه تعالى.
و قد رتّب القاضی قد على القول بالعدل عدّة مسائل منها مسالة اختیار الانسان، بمعنى ان الله لیس هو الخالق لافعال الناس بل الله خالق لذات الانسان فقط؛ فالمعتزلة یعنون بالتفویض أن الانسان محتاج فی ذاته الى الله تعالى و اما فی فعله فهو غنی عنه. و الا للزم ان یفعل الله القبیح. و بهذا استطاع المعتزلة حل مشکلة الشرور (و الجدیر بالذکر ان جمیع الفرق الاسلامیة لم توافق المعتزلة فی هذا الادعاء، بل قیل ان المعتزلة تراجعوا عن هذا الرأی لاحقا). کذلک یلزم على هذا الاصل انه لابد من توفر القدرة على الفعل قبل التکلیف بالفعل و الا لزم التلکیف بما لایطاق و هو قبیح على الله تعالى، و محال – وفقا لاصل العدل- على الله فعل القبیح[8]. و على هذا الوصف لا یکلف الله تعالى بما لایطاق؛ لقبحه و الله منزه عن القبیح[9].
و لمزید الاطلاع على نظریة الشیعة فی العدل و مقارنة ذلک مع نظریة المعتزلة انظر: العدل عند الشیعة و المعتزلة رقم السؤال 6122.
الاصل الثالث: الوعد و الوعید
و المراد من الوعد هو المدح و الثواب على الطاعات، و من الوعید الذمّ و العقاب على المعاصی.
و هذا الاصل فی الواقع ینبع من الاصل الثانی، بمعنى أن العدل الالهی یقتضی أن عقاب العاصی و إثابة المحسن و أنه تعالى یثیب المطیعین و یعاقب العاصین و انه ینفذ ما توعدهم بذلک و لا یجوز خلف الوعید کما لایجوز خلف الوعد.[10]
و قد ذکرت لهذا الاصل مجموعة من الثمرات، منها: أن المکلف اذا علم بان المعاصی یترتب علیها العقاب الالهی و الطاعة تستوجب الثواب، یکون ذلک رادعاً له عن المعاصی و محرکاً له نحو الطاعات[11].و قد فسروا الآیة 184 من سورة البقرة: "فَیَغْفِرُ لِمَنْ یَشاءُ وَ یُعَذِّبُ مَنْ یَشاء" بانه یستحیل على الله تعالى أن یعفو عمن ثبت العقاب فی حقه و لم یستحق العفو و انما العفو یختص بالتائبین فقط. [12] نعم، نسب الى بعض المعتزلة القول بان العقاب حق من حقوق الله تعالى فله اسقاط هذا الحق و العفو عن العاصی تنازلا عن حقه تعالى. [13] انظر موضوع العفو عن الذنوب الکبیرة من هذا الموقع رقم السؤال843
کذلک القول بهذا الاصل یستلزم انکار الشفاعة بالنسبة للعاصین و ان کل ما یناله الانسان فمن کسب یدیه[14]، نعم، قد تشمل شفاعة النبی الاکرم العاصین التائبین. [15]
و فی الحقیقة یعد هذا الاصل فی مقابل المرجئة القائلین "لا تضر مع الایمان معصیة و لا تنفع مع الکفر طاعة"[16]. ثم ان المعتزلة یعتقدون بدخول الفاسقین تحت عموم الخالدین فی النار.[17]
الاصل الرابع: المنزلة بین المنزلتین
أن حکم کل من الکافر و المؤمن واضح بین المسلمین، و انما وقع البحث فی القرون الاولى فی خصوص الفاسق حیث طرحت هذه القضیة فی تلک الایام فذهب کل فریق الى رأی فی هذه القضیة، و یعنی هذا الأصل أنّ صاحب الکبیرة لا یسمّى مؤمناً، کما علیه المرجئة، و لا کافراً کما علیه الخوارج، و إنّما یسمّى فاسقاً. فهو من حیث الإیمان و الکفر فی منزلة بین المنزلتین.
قال القاضی: «لا یکون اسمه اسم الکافر و لا اسمه اسم المؤمن، و إنّما یسمّى فاسقاً. و کذلک فلا یکون حکمه حکم الکافر ولا حکم المؤمن، بل یفرد له حکم ثالث و هذا الحکم الّذی ذکرناه هو سبب تلقیب المسألة بالمنزلة بین المنزلتین. فإنّ صاحب الکبیرة له منزلة تتجاذبها هاتان المنزلتان، فلیست منزلته منزلة الکافر، و لا منزلة المؤمن، بل له منزلة بینهما[18].
فالفاسق طبقا لهذا الاصل یعذب لکنه بعذاب أخف شدة من عذاب الکفار.
الاصل الخامس: الامر بالمعروف و النهی عن المنکر
و الأُصول المتقدّمة تتعلّق بالنظر والاعتقاد بخلاف هذا الاصل، فهو بالعمل ألصق و على هذا الأصل بعث واصل بن عطاء و غیره دعاته إلى الأقطار المختلف للتبلیغ و الارشاد[19]. و بما ان هذا الاصل من الاصول المتفق علیها بین اغلب المسلمین لم یقع البحث و الجدال فیه کثیراً.
و وجه الالزام بهذا الاصل بین المعتزلة، توقف عملیة ایصال نداء الاسلام الى سائر الشعوب و الاقوام و التصدی لخصوم الاسلام و معاندیه علیه فمن هنا یجب الالتزام به.
[1] فیومی، محمد ابراهیم، المعتزله تکوین العقل العربی، دارالفکر العربی، القاهرة، 2002؛ السبحانی، جعفر، بحوث فی الملل و النحل، ج 3 ، ص 215، دار الاسلامیة، بیروت.
[2] لمزید الاطلاع انظر بحوث فی الملل و النحل للسبحانی الجزء الثالث؛ و مقالة تاثیر الفکر الشیعی فی الفکر المعتزلی بقلم قاسم جوادی، المنشور فی مجلة هفت آسمان العدد السادس.
[3] بحوث فی الملل و النحل، ص 296.
[4] ابو زهرة، محمد، مترجم ایمانی، علی رضا، تاریخ مذاهب اسلامی، ص262، مرکز مطالعات ادیان و مذاهب، قم، 1384.
[5] السبحانی، الملل و النحل، ج3، ص446، طبع مؤسسة الامام الصادق (ع).
[6] نفس المصدر، ص460.
[7] نفس المصدر.
[8] نفس المصدر، ص 346، طبعة بیروت.
[9] الاشعری، علی بن اسماعیل، مقالات الاسلامیین، ص 230، 1980.
[10] العمرجی، احمد شوقی، المعتزله فی بغداد و اثرهم فی الحیاه الفکریه و السیاسیة، ص 40، مکتب مدبولی، القاهرة، 2002.
[11] نفس المصدر، ص41.
[12] فرمانیان، مهدی، فرق تسنن، ص 339 ، نشر ادیان، قم، 1386.
[13] بحوث فی الملل و النحل، ص 374.
[14] بحوث فی الملل و النحل، ص 374.
[15] فرق تسنن، ص 339.
[16] تاریخ مذاهب اسلامی، ص 22.
[17] بحوث فی الملل و النحل، ص 378.
[18] الملل والنحل، ج3، ص: 578، طبع مؤسسة الامام الصادق (ع).
[19] الملل والنحل، ج3، ص: 585.