بحث متقدم
الزيارة
8154
محدثة عن: 2011/08/07
خلاصة السؤال
ما هو السر فی تکرار القول (سبحان الله) فی الصلاة و تأکید اقترانه بالحمد؟
السؤال
أرید أن أعرف السر و العلة فی تکرار قولنا سبحان الله فی الصلاة، حتى أننا نکرر هذه الجملة 72 مرة فی صلواتنا الیومیة و من الملفت أننا نتبع قولنا سبحان الله بقول الحمد لله (مثلاً سبحان الله و الحمد لله أو... سبحان ربی العظیم و بحمده أو... فما هو السبب فی ذلک؟) ثانیاً، ما معنى کلمة (السبحان)؟ و لماذا أولاها الله تعالى کل هذه الأهمیة؟
الجواب الإجمالي

تسبیح الله فی حال العبادة بمعنى تنزیهه و تبرئته من کل صفات النقص التی قد توجد فی ذهن العابد. و من جهة أخرى فإن اللحاظ الذهنی لأکثر الناس الذین لم یصلوا مرتبة التوحید یفضی إلى (التعطیل)، و من أجل نفی التعطیل نجد القرآن الکریم یوصی بالتسبیح بالحمد أو مقروناً بالحمد و هذا یعنی مدح صفات الجمال.

الجواب التفصيلي

التسبیح: التسبیح عموماً یستعمل بمعنى ذکر لله[1]، و لکن فی الأصل یعنی تنزیه الله عن الشریک و عن صفات النقص و صفات المخلوقات[2]. و لذلک عندما سئل الإمام الصادق(ع) عن معنى سبحان الله قال: معناه تنزیه الله[3]، و التسبیح بمعنى تنزیه الله و تقدیسه له مراتب، و أعلى مرتبة من مراتبه هی تنزیه الله عن جمیع صفات الممکنات و لوزامها، بما فی ذلک کمالات الممکنات و کل ما یتوهم و یتعقل[4].

مقام التسبیح فی الصلاة:

کما علمنا أن التسبیح فی اللغة و فی المفهوم الذهنی بمعنى تنزیه الله من کل الصفات سواء کانت صفات نقص أو صفات الممکنات أو... ففی الصلاة لا بد أن یکون معنى تسبیح الله متناسباً مع مقتضیات هذه العبادة، فالتسبیح فی العبادة یعنی تنزیه الله عن کل ما یفضی إلى الشرک، و عملاً یعنی إبعاد الشرک عن وجود المسبح نفسه، و بتوضیح آخر فإن تسبیح الله فی الصلاة یعنی العشق لذاته المجرد عن کل صفة و عن کل غرض و نفع، و ذلک لأن عبادة الله من أجل أی نوع من أنواع النفع الدنیوی و الآخروی یعنی عبادة صفاته و هی مرتبة من مراتب الشرک، و لکن التسبیح یکون فی مقابل هذا المعنى. و لذلک نجد أن المسبح و العابد عندما یسبح الله فإنه مشغول بتسبیح نفسه و تنزیهها عن کل العوارض و الأوهام و التصورات و الرغبات التی تشکل حجاباً بینه و بین الله.

فالإمام علی (ع) یجیب عن السؤال فی معنى سبحان الله قائلاً: (هو تعظیم جلال الله عز و جل، و تنزیهه عما قال فیه کل مشرک)[5].

و ذلک لأن المشرک عندما ینسب أی صفة إلى الله فإن ذلک فی حدود دائرة طلباته و رغباته الإشراکیة. و مما تقدم یتضح جلیاً ضرورة التسبیح فی الصلاة من أجل تحقیق الغرض الأساسی لهذه العبادة، و ذلک لأن حقیقة الصلاة عبادة الله بعشق إلى حد الفناء و الذوبان فی مقام السجدة، و فی النهایة ملاقاة الله بعد الفناء، کما یقال: الصلا ة معراج المؤمن[6]. و علیه فالأصل و الأساس فی الصلاة قطع العلائق مع غیر الله، و عبادة الله من أجل الله وحده، فالمطلوب من الله هو الله، و بهذه المعانی یتضح أن تسبیح الله الحقیقی له مرتبة و مقام عال و معنى کبیر، و له مرتب کثیرة أیضاً.

 

التسبیح و اقترانه بالحمد:

1ـ التعطیل و التشبیه:

و من جهة أخرى و باللحاظ الذهنی من الذین لم ینالوا الإدراک القلبی و شهود لله ینجرون إلى (التعطیل) وجود الله، التعطیل فی الصفات. و تعطیل صفات الله یعنی على إثر التنزیه الصرف و فی عین الاعتقاد بالله تقطع صلة الله عملیاً عن مملکته، و لا نرى أی إمکانیة للرابطة و العلاقة بین الخالق و المخلوق، و کذلک بالنسبة للتشبیه و هو یقابل التعطیل و معناه جعل الله متحداً بمخلوقاته أو شبیهاً بها، و کما نقل:

الاعتقاد بجمع الله مع مخلوقاته کفر، و فصله عنها تعطیل و الجمع بینهما توحید[7].

و على هذا الأساس ینبغی تجنب التعطیل فی مقام تسبیح الله یعنی أنه لا ینبغی نفی الصفة بعد الأخرى من صفات الله حتى نخرجه سبحانه عملیاً من ملکه و ننکر حضور جماله و جلاله فی عالم الوجود. و لهذه العلة من أجل عدم الوقوع فی التسبیح الذی یوقعنا عملیاً بالتعطیل جاء التذکیر فی القرآن الکریم مراراً و تکراراً و التوصیة بالتسبیح بالحمد أو المصاحب للحمد[8]، لأن الحمد یعنی مدح صفات الجمال لله سبحانه، و کذلک فی الصلاة فکل موضع ورد فیه التسبیح یأتی الحمد مصاحباً له، و التسبیح بالحمد هو النهج الواقع بین التشبیه و التعطیل.

التسبیح عن طریق الإثبات:

بشکل کلی فإن تسبیح الله ممکن من جهتین:

1ـ التسبیح بالنفی.

2ـ التسبیح بالإثبات (التسبیح بالحمد).

و معنى التسبیح عن طریق النفی إنکار أی نوع من أنواع الصفات التی تحکی عن نقص أو تشبیه لله تعالى.

أما التسبیح بالإثبات (التسبیح بالحمد) فله معنىً لطیف أکدت علیه الآیات القرآنیة، و لا بد من تسبیح الله بهذا اللون من التسبیح فی الصلاة التسبیح بالحمد أو المصاحب للحمد. و هو یقابل التعطیل و ضمن إثبات صفات الجمال لله تعالى نسبحه فی ذات الوقت. أی تسبیح الله بکیفیة بحیث نرى أن کل صفة جمال أثرا و مظهرا لله تعالى دون أن تکون هذه الصفة هی الله أو أن الله شبیه بهذه الصفات.

و علیه فالمصلی الحقیقی عین عشقه لتجلیات الله (بعنوان آثار الله) فإنه یعبد الله باعتباره المبدأ لکل هذه الصفات و هو خارج عن کل صفة. و فی نهایة الأمر سوف نتجاوز (صفات الشرک) و نقترب من مبدأ الصفات. کما أن العشق الحقیقی لله هو فی الأساس میل لنفی الصفات و فناء التعلقات، و ضمن ذلک عدم الوقوع بالتعطیل و تجنب عبادة غیر الله.

یقول الإمام أمیر المؤمنین (ع) فی مورد علاقة الحمد بالتسبیح: التسبیح نصف المیزان، و الحمد لله یملأ المیزان[9].

و التحقق العملی و العرفانی لهذا المعنى و إیجاد الطریقة الصحیحة فی تسبیح الله بعیداً عن التعطیل و التشبیه یحتاج إلى مجاهدة فی مسیر العشق و عبادة الله. و یبقى هذا الکلام فی دائرة البیان على سبیل الإشارة المحدودة لنیل المراتب و مقامات التسبیح و الذکر و الصلاة.

و خلاصة القول: أن اقتران التسبیح بالحمد بالمعنى الذی أوضحناه یرشد السالک إلى مقام التوحید العرفانی.



[1]مصطفوی، حسن، التحقیق فی کلمات القرآن الکریمن ج5، ص19، ترجمة و نشر کتاب، طهران، 1360 ش.

[2](التسبیح: هو التنزیه عن الشریک و العجز و النقص...) ابن عربی، ج1، ص19، دار إحیاء التراث، بیروت، 1422ق.

[3](سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز و جل سبحان الله ما یعنی به؟ قال: تنزیهه) الکلینی، الکافی، ج1، ص118، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1360 ش.

[4](التسبیح تنزیه الله عن الشریک و عن صفات النقص کالعجز و أمثاله، فی حین أن التقدیس تنزیه الله عما سبق و عن کل صفات الممکنات و لوازمها ـ حتى کمالاتها ـ و عن کل ما یتوهم و یتعقل فی حقه تعالى من الأحکام الموجبة للتحدید و التقیید) ابن عربی، فصوص الحکم، ص 46، منشورات الزهراء، 1370 ش.

[5] المحدث النوری، مستدرک الوسائلن ج5، ص 323، مؤسسة آل البیت، قم، 1408ق.

[6]المجلسی، بحار الأنوار، ج81، ص255، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ق.

[7] «ان الجمع بلا تفرقه زندقه و التفرقه بدون الجمع تعطیل و الجمع بینهما توحید» الآملی، سید حیدر، جامع الاسرار و منبع الانوار، ص 117، انتشارات علمی و فرهنگی، 1368؛ حسن زاده آملی، ممد الهمم،ص109، وزارة الثقافة و الارشاد الاسلامی، 1378ش.

[8] «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ وَ اسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ کانَ تَوَّاباً» النصر، 3 و ذکر التسبیح بالحمد فی القرآن الکریم اکثر من عشر مرات.

[9] الکلینی، الکافی ، ج2،ص506، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365 ه ش.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...