Please Wait
الزيارة
11872
11872
محدثة عن:
2014/12/26
خلاصة السؤال
ما هو موقف الأحاديث الشريفة من المشي سواء أكان رياضة أم عملاً عبادياً؟
السؤال
هل وردت أحاديث بشأن المشي على الأقدام في الموسوعات الحديثية لأهل البيت(ع)؟
الجواب الإجمالي
لقد تناولت أحاديث أهل البيت(ع) موضوع المشي من زاويتين. فقد لوحظ المشي في بعض الأحاديث كحركة جسمانية عضلية و قد قدّمت الروايات بعض التعاليم في آدابه و شروطه حضراً و سفراً؛ وقد لوحظ مرّة أخرى كموضوع مستقل يتناول المشي إلى مراقد أهل البيت و بعض الأماكن المقدسة.
فمن الزاوية الأولى؛ ليس للمشي الذي يعتبر اليوم كرياضة مفيدة لسلامة الجسم و صحة البدن موضوع مستقل في الروايات؛ لكن وردت روايات كثيرة في آدابه؛ كضرورة المشي بسكينة و وقار و بلا مرح وكبرياء. و قد تناولت بعض الروايات كيفية مشي النساء أمام المحارم و غيرهم. ولعلّ السبب يعود إلى عدم وجود وسائط النقل الشاملة آنذاك مما يدعو إلى طي كثير من المسافات و المفازات سيراً على الأقدام؛ لذلك يُعدّ المشي آنذاك من الأنشطة اليومية المستمرة التي لا تحتاج إلى تعاليم خاصّة. لكن على رغم من هذا يمكن إدراج المشي تحت الموضوع العام للرياضة، حيث وردت روايات كثيرة تحث على الإهتمام بسلامة الجسم و صحته.
أما النظر إلى المشي من الزاوية الثانية، أي المشي إلى مراقد أهل البيت(ع) و الأماكن المقدسة، فيمكن القول بعدم وجود فضيلة معينة لترجيح الذهاب إلى هذه الأماكن ركوباً أو مشياً بصفتها حركة عبادية، و لعل إقدام الأئمة (ع) على الذهاب إليها مشياً ينطلق من مقولة «أفضل الأعمال أحمزها» أي أصعبها.
فمن الزاوية الأولى؛ ليس للمشي الذي يعتبر اليوم كرياضة مفيدة لسلامة الجسم و صحة البدن موضوع مستقل في الروايات؛ لكن وردت روايات كثيرة في آدابه؛ كضرورة المشي بسكينة و وقار و بلا مرح وكبرياء. و قد تناولت بعض الروايات كيفية مشي النساء أمام المحارم و غيرهم. ولعلّ السبب يعود إلى عدم وجود وسائط النقل الشاملة آنذاك مما يدعو إلى طي كثير من المسافات و المفازات سيراً على الأقدام؛ لذلك يُعدّ المشي آنذاك من الأنشطة اليومية المستمرة التي لا تحتاج إلى تعاليم خاصّة. لكن على رغم من هذا يمكن إدراج المشي تحت الموضوع العام للرياضة، حيث وردت روايات كثيرة تحث على الإهتمام بسلامة الجسم و صحته.
أما النظر إلى المشي من الزاوية الثانية، أي المشي إلى مراقد أهل البيت(ع) و الأماكن المقدسة، فيمكن القول بعدم وجود فضيلة معينة لترجيح الذهاب إلى هذه الأماكن ركوباً أو مشياً بصفتها حركة عبادية، و لعل إقدام الأئمة (ع) على الذهاب إليها مشياً ينطلق من مقولة «أفضل الأعمال أحمزها» أي أصعبها.
الجواب التفصيلي
لقد تناولت أحاديث أهل البيت (ع) موضوع المشي من منظارين فقد لوحظ المشي في بعض الأحاديث كحركة جسمانية عضلية و قد قدمت الروايات بعض التعاليم في آدابه و شروطه حضراً و سفراً؛ وقد لوحظ مرّة أخرى كموضوع مستقل يتناول المشي إلى مراقد أهل البيت و بعض الأماكن المقدسة. والجدير بالذكر أن بعض الروايات حثت على الذهاب إلى مراقد المعصومين ركوباً؛ كي لا يشكل تعب الطريق ووعثاء السفر مانعاً من أداء المناسك العبادية الخاصة بتلك الأماكن.
و على هذا، فلا يمكن إنكار فضيلة و قيمة هذا المشي الذي يحمل معه صعوباته الخاصة، لمن ليس له القدرة المالية على الركوب، أو لأولئك الذين لهم هذه القدرة لكنهم يشترون حلاوة صعوبة العبادة بالغالي والنفس ولو كلفهم ذلك تحمل عناء السفر ووعثاء الطريق. أما لو كان لشخص ميسوراً أو أنّه لا يتحمل معاناة المشي، فقد يمنعه من أداء باقي الأعمال، فعليه أن استخدام الوسائط النقلية المتوفرة لتؤمن له سفراً مريحاً.
و لابد من الإلتفات إلى هذه الملاحظة؛ و هي ليس من الضروري أن يكون المراد من لفظ «المشي» و«السير» في الروايات هو معناههما الموضوع له، بل قد تستخدم و يراد منها معنى (الإقدام و الحركة)، كما ورد عن الإمام الصادق (ع): «من مشى مع أخيه المسلم في حاجته كتب الله له ألف ألف حسنة و محا عنه ألف ألف سيئة و رفع له ألف ألف درجة ».[1] فمن الواضح أن المراد من المشي في هذه الرواية هو السعي لرفع حاجات المؤمنين.
المشي بوصفه نوع رياضة
ليس للمشي الذي ينصح به اليوم بوصفه رياضة مفيدة لصحة البدن و سلامته موضوع مستقل في الروايات. و لعل السبب يعود إلى عدم وجود وسائط النقل الشاملة آنذاك مما يدعو إلى طي كثير من المسافات و المفازات الوعرة سيراً على الأقدام؛ لذلك يعدّ المشي آنذاك من الأنشطة اليومية المستمرة التي لا تحتاج إلى تعليمات وإرشادات خاصّة. لكن على رغم هذا يمكن إدراج المشي تحت الموضوع العام للرياضة، حيث وردت روايات كثيرة تحث على الإهتمام بسلامة الجسم و صحته.
فإن الروايات الصادرة عن أهل البيت(ع) تهتم -إضافة إلى التعاليم المتعلقة ببعض الرياضات؛ كالفروسية، و السباحة و الرماية- بالعناية بالجسم و الإحتفاظ به سالماً قوياً.
فقد روي عن الإمام السجّاد (ع) في دعاء أبي حمزة الثمالي: «اللهم أعطني..... و الصحة في الجسم و القوة في البدن...».[2] فقد جعل الله سبحانه للبدن حقوقاً معينة، يجب على الإنسان السعي لأدائها. وهذا ما أكده الحديث المروي عن النبي (ص): «إنّ لربّك عليك حقاً و إنّ لجسدك عليك حقاً و لأهلك عليك حقاً».[3] فلو ثبت أن المشي له تأثير إيجابي على سلامة جسم الإنسان فمن الممكن و بواسطة الروايات المتقدمة الحصول على رؤية إيجابية للدين عنه.
و بالطبع، فإنّ المشي و على رغم جميع فوائده الجسمية، لا ينصح للشخص المريض الذي يحتاج إلى إستراحة.
عن الإمام الصادق (ع): «ان المشي للمريض نكسٌ، إن أبي (ع) كان إذا إعتل جعل في ثوب فحمل لحاجته يعني الوضوء و ذاك أنّه كان يقول: إن المشي للمريض نكس».[4]
ترك المشي تكبراً
إن المشي كغيره من السلوكيات له آداب و أحكام خاصة. أوّلها الإبتعاد عن ظهور أي تكبر و غرور في ظاهر الفرد. فهما من الصفات القبيحة التي ورد ذمها و النهي عنها في القرآن و في أحاديث أهل البيت (ع)؛ فقد نهى الله سبحانه في القرآن الكريم عن المشي مشية متكبر مغرور.[5] و قد بلغ ذمّه في الروايات حدّاً كبيرا بحيث ورد أن الأرض تلعن الماشي بتكبر و غرور.[6] و قد أوعد الله عليه عذابا أليماً. فعن الإمام الصادق (ع):« مَنْ مَشَى فِي الْأَرْضِ اخْتِيَالًا لَعَنَتْهُ الْأَرْضُ وَ مَنْ تَحْتَهَا وَ مَنْ فَوْقَهَا».[7]
فأهل البيت (ع) يتّبعون هذه الملاحظات بجميع جزئياتها التي قد يغفل عنها كثير منّا. يروى أن أمير المؤمنين (ع) خرج راكبا و هو راكب فمشوا معه فقال: أ لكم حاجة، قالوا لا و لكنا نحب أن نمشي معك فقال لهم: إنصرفوا فإن مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب و مذلة للماشي».[8]
السكينة و الوقار في المشي
كما يجب- من جهة أخرى- أن لا يؤدي التواضع في المشي إلى عدم الوقار؛ بل إن المشي بسكينة و وقار من الصفات المطلوبة من الم المؤمنين. فقد ورد في وصف مشي النبي (ص) عن إبن عباس قال: «كان رسول الله (ص) إذا مشى مشياً يعرف أنه ليس بمشي عاجز و لا بكسلان».[9] و عن الإمام الصادق (ع) في وصف مشية جدّه علي بن الحسين(ع) «كان علي بن الحسين(ع) يمشي مشية كأن على رأسه الطير لا يسبق يمينه شماله».[10]
و من جهة أخرى فقد ورد الحث على ضمّ اليدين إلى البدن أثناء المشي[11]، و أن يكون المشي بهدوء و بسرعة مناسبة؛ فعن الإمام الكاظم (ع): «سرعة المشي يذهب ببهاء المؤمن».[12]
و قد وردت تعاليم خاصة بمشي النساء، فقد ذكر النساء عند أبي الحسن(ع) فقال: «لا ينبغي للمرأة أن تمشي في وسط الطريق و لكنها تمشي إلى جانب الحائط».[13]
المشي لمسافات طويلة
لقد كان كثير من الناس في الأزمنة الغابرة و لعدم توفر وسائط النقل حتى الدواب يطوون مسافات طويلة سيراً على أقدامهم. و قد وردت بعض الروايات حاكية عن بعض الشكاوى الواردة عن هؤلاء والتململ من صعوبة هذا المشي. فللتغلب على هذه الصعوبات وردت تعاليم عن النبي(ص) لهم، قد يمكن الإستفادة منها في زماننا الحاضر في بعض الرياضات كتسلق الجبال و السباق البري؛ و من هذه التعاليم هي المشي بسرعة[14] و شدّ البطن و الظهر أثناء السير.[15]
المشي نحو الأماكن المقدسة
يطرح دائما موضوع السفر و التوجه إلى الأماكن المقدسة ركوباً أو سيراً على الأقدام، في كثير من الأحاديث المختصة بالزيارات خصوصاً ما ورد في موضوع الحج. و بجمع هذه الروايات و التأمل فيها، خصوصاً ما ورد فيها النهي عن المشي و الحث على الركوب، يمكن التوصل إلى هذه الملاحظات:
فقد وردت روايات عديدة تحث على الركوب في التوجّه و السفر الى الأماكن المقدسة، لكي لا يمنع تعب الطريق من أداء المناسك العبادية لهذا المكان المقدس المقصود؛ إذ يعني أن الأصل في الزيارة و أداء الفرائض الدينية هو النشاط و السلامة الكافية؛ و من جهة أخرى يظهر أن المشي مع ما يرافقه من تعب و مشقة، قد حظي باهتمام خاص في حالات معينة بصفته «حركة عبادية» لذلك نجد كثيراً من الناس يفضلونه على الركوب؛ إما لسبب عدم توفر الوسائط النقلية لديهم و عدم القدرة على استيجارها، أو من جهة أن «أفضل الأعمال أحمزها»،[16] وفي غير هذه الصورة فلو حصلت القدرة المالية لشخص و لم يكن له القدرة على تحمل و عثاء السفر مشياً على الأقدام و حتى لو تحمل ذلك سيحرمه من أداء باقي الأعمال، فلو حصل هذا الشي يتحتّم عليه ترجيح السفر ركوباً على السفر مشياً.
و بالطبع إن تحمّل هذا العناء له أجر عظيم كما يؤكد ذلك الحديث المروي عن الإمام الصادق (ع): «ماعُبد الله بشي أشدّ من المشي و لا أفضل».[17]
و يعتبر الإمام الحسن (ع) هو القدوة بالتمسك بهذا الطريقة من الحركة حيث سافر من المدينة إلى مكة لأداء فرائض الحج 20 مرّة مشياً على الأقدام. روي عن حماد عن الحلبي قال: سالت أباعبدالله (ع) عن فضل المشي فقال: «الحسن بن علي (ع) قاسم ربّه ثلاث مرات حتى نعلاً و نعلاً و ثوباً و ثوباً و ديناراً و ديناراً و حجّ عشرين حجّة ماشياً على قدميه».[18]
و يمكن الإعتماد- لإثبات ترجيح الركوب- على الأحاديث التي وردتنا عن المعصومين (ع) ردّاً على أسئلة وجهت إليهم، ترغّب في الركوب لكي لا يشكل تعب الطريق مانعاً عن الدعاء و العبادة. يقول الراوي قلت لأبي عبدالله (ع): «إنا كنا نحجّ مشاة فبلغنا عنك شيء فما ترى قال: إن الناس ليحجون مشاة و يركبون. قلت: ليس عن ذلك أسألك. قال: فعن أي شيء سألت؟ قلت: أيهما أحبّ إليك أن تصنع؟ قال: تركبون أحبّ إليّ فإن ذلك أقوى لكم على الدعاء و العبادة».[19]
و في موثقة ابن بكير، يسأل الإمام الصادق بقوله: «قلت لأبي عبد الله (ع): إنا نريد أن نخرج إلى مكة مشاة. فقال: لا تمشوا و اخرجوا ركباناً. قلت: أصلحك الله إنه بلغنا عن الحسن بن علي (ع) أنّه كان يحج ماشياً. فقال: كان الحسن بن علي (ع) يحج ماشياً و تساق معه المحامل و الرحال».[20]
عن أبي بصير قال: «سألت أبا عبدالله (ع) عن المشي أفضل أو الركوب؟ فقال: إذا كان الرجل موسراً فمشى ليكون أقل لنفقته فالركوب أفضل».[21]
تحصل من جميع هذه الروايات أنّ السفر لمكان معنوي وحريم مقدس، مع ما يتضمنه من صعوبات و موانع، أفضل من تركه خشية النفقات المالية الباهضة، و حرمان النفس من ذلك الغذاء الروحي الذي يحصل عليه بهذا السفر.
عن عذافر قال: «قال أبو عبدالله (ع): ما يمنعك من الحج في كل سنة؟ قلت: جعلت فداك، العيال. قال: فقال: إذا متّ فمن لعيالك؟ أطعم عيالك الخل و الزيت وحجّ بهم كل سنة».[22]
و هذا يعني أنه لو خيّرنا بين سفر معنوي و حياة مرفهة و عيش نعيم، فمن الأفضل أن نختار السفر المعنوي الذي يعود على أرواحنا بالنشاط و الحيوية حتى لو كلفنا ذلك ترك رغد العيش و تجملات السفر؛ كشراء الهدايا، و النزول في الفنادق المجللة و السفر بوسائل النقل الباهضة الثمن... و غير ذلك.
و أخيراً يمكن القول بعدم وجود فضيلة معينة لترجيح الذهاب إلى هذه الأماكن ركوبا أو مشياً بصفتها حركة عبادية، ولعل إقدام الأئمة(ع) على الذهاب إليها مشياً أيضاً كان من باب «أفضل الأعمال أحمزها».[23]
سأل أباعبدالله (ع) رجل: الركوب أفضل أم المشي؟ فقال: «الركوب أفضل من المشي لأن رسول الله (ص) ركب».[24]
أما فيما يخص فضيلة المشي لزيارة مراقد أهل البيت (ع) كالإمام الحسين (ع) فقد وردت عدّة روايات منها: عن أبي عبدالله (ع): «من خرج من منزله يريد زيارة الإمام الحسين بن علي (ع) إن كان ماشياً كتب الله له بكل خطوة حسنة و حطّ عنه سيئة، و إن كان راكبا كتب الله له بكلّ حافر حسنة وحطّ بها عنه سيئة. حتى أذا صار بالحائر كتبه الله من الصالحين...».[25]
فالرواية لم ترجح فضيلة المشي على فضيلة الركوب، بل بينت ثواب كل نوع بما يناسبه.
و على هذا، فلا يمكن إنكار فضيلة و قيمة هذا المشي الذي يحمل معه صعوباته الخاصة، لمن ليس له القدرة المالية على الركوب، أو لأولئك الذين لهم هذه القدرة لكنهم يشترون حلاوة صعوبة العبادة بالغالي والنفس ولو كلفهم ذلك تحمل عناء السفر ووعثاء الطريق. أما لو كان لشخص ميسوراً أو أنّه لا يتحمل معاناة المشي، فقد يمنعه من أداء باقي الأعمال، فعليه أن استخدام الوسائط النقلية المتوفرة لتؤمن له سفراً مريحاً.
و لابد من الإلتفات إلى هذه الملاحظة؛ و هي ليس من الضروري أن يكون المراد من لفظ «المشي» و«السير» في الروايات هو معناههما الموضوع له، بل قد تستخدم و يراد منها معنى (الإقدام و الحركة)، كما ورد عن الإمام الصادق (ع): «من مشى مع أخيه المسلم في حاجته كتب الله له ألف ألف حسنة و محا عنه ألف ألف سيئة و رفع له ألف ألف درجة ».[1] فمن الواضح أن المراد من المشي في هذه الرواية هو السعي لرفع حاجات المؤمنين.
المشي بوصفه نوع رياضة
ليس للمشي الذي ينصح به اليوم بوصفه رياضة مفيدة لصحة البدن و سلامته موضوع مستقل في الروايات. و لعل السبب يعود إلى عدم وجود وسائط النقل الشاملة آنذاك مما يدعو إلى طي كثير من المسافات و المفازات الوعرة سيراً على الأقدام؛ لذلك يعدّ المشي آنذاك من الأنشطة اليومية المستمرة التي لا تحتاج إلى تعليمات وإرشادات خاصّة. لكن على رغم هذا يمكن إدراج المشي تحت الموضوع العام للرياضة، حيث وردت روايات كثيرة تحث على الإهتمام بسلامة الجسم و صحته.
فإن الروايات الصادرة عن أهل البيت(ع) تهتم -إضافة إلى التعاليم المتعلقة ببعض الرياضات؛ كالفروسية، و السباحة و الرماية- بالعناية بالجسم و الإحتفاظ به سالماً قوياً.
فقد روي عن الإمام السجّاد (ع) في دعاء أبي حمزة الثمالي: «اللهم أعطني..... و الصحة في الجسم و القوة في البدن...».[2] فقد جعل الله سبحانه للبدن حقوقاً معينة، يجب على الإنسان السعي لأدائها. وهذا ما أكده الحديث المروي عن النبي (ص): «إنّ لربّك عليك حقاً و إنّ لجسدك عليك حقاً و لأهلك عليك حقاً».[3] فلو ثبت أن المشي له تأثير إيجابي على سلامة جسم الإنسان فمن الممكن و بواسطة الروايات المتقدمة الحصول على رؤية إيجابية للدين عنه.
و بالطبع، فإنّ المشي و على رغم جميع فوائده الجسمية، لا ينصح للشخص المريض الذي يحتاج إلى إستراحة.
عن الإمام الصادق (ع): «ان المشي للمريض نكسٌ، إن أبي (ع) كان إذا إعتل جعل في ثوب فحمل لحاجته يعني الوضوء و ذاك أنّه كان يقول: إن المشي للمريض نكس».[4]
ترك المشي تكبراً
إن المشي كغيره من السلوكيات له آداب و أحكام خاصة. أوّلها الإبتعاد عن ظهور أي تكبر و غرور في ظاهر الفرد. فهما من الصفات القبيحة التي ورد ذمها و النهي عنها في القرآن و في أحاديث أهل البيت (ع)؛ فقد نهى الله سبحانه في القرآن الكريم عن المشي مشية متكبر مغرور.[5] و قد بلغ ذمّه في الروايات حدّاً كبيرا بحيث ورد أن الأرض تلعن الماشي بتكبر و غرور.[6] و قد أوعد الله عليه عذابا أليماً. فعن الإمام الصادق (ع):« مَنْ مَشَى فِي الْأَرْضِ اخْتِيَالًا لَعَنَتْهُ الْأَرْضُ وَ مَنْ تَحْتَهَا وَ مَنْ فَوْقَهَا».[7]
فأهل البيت (ع) يتّبعون هذه الملاحظات بجميع جزئياتها التي قد يغفل عنها كثير منّا. يروى أن أمير المؤمنين (ع) خرج راكبا و هو راكب فمشوا معه فقال: أ لكم حاجة، قالوا لا و لكنا نحب أن نمشي معك فقال لهم: إنصرفوا فإن مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب و مذلة للماشي».[8]
السكينة و الوقار في المشي
كما يجب- من جهة أخرى- أن لا يؤدي التواضع في المشي إلى عدم الوقار؛ بل إن المشي بسكينة و وقار من الصفات المطلوبة من الم المؤمنين. فقد ورد في وصف مشي النبي (ص) عن إبن عباس قال: «كان رسول الله (ص) إذا مشى مشياً يعرف أنه ليس بمشي عاجز و لا بكسلان».[9] و عن الإمام الصادق (ع) في وصف مشية جدّه علي بن الحسين(ع) «كان علي بن الحسين(ع) يمشي مشية كأن على رأسه الطير لا يسبق يمينه شماله».[10]
و من جهة أخرى فقد ورد الحث على ضمّ اليدين إلى البدن أثناء المشي[11]، و أن يكون المشي بهدوء و بسرعة مناسبة؛ فعن الإمام الكاظم (ع): «سرعة المشي يذهب ببهاء المؤمن».[12]
و قد وردت تعاليم خاصة بمشي النساء، فقد ذكر النساء عند أبي الحسن(ع) فقال: «لا ينبغي للمرأة أن تمشي في وسط الطريق و لكنها تمشي إلى جانب الحائط».[13]
المشي لمسافات طويلة
لقد كان كثير من الناس في الأزمنة الغابرة و لعدم توفر وسائط النقل حتى الدواب يطوون مسافات طويلة سيراً على أقدامهم. و قد وردت بعض الروايات حاكية عن بعض الشكاوى الواردة عن هؤلاء والتململ من صعوبة هذا المشي. فللتغلب على هذه الصعوبات وردت تعاليم عن النبي(ص) لهم، قد يمكن الإستفادة منها في زماننا الحاضر في بعض الرياضات كتسلق الجبال و السباق البري؛ و من هذه التعاليم هي المشي بسرعة[14] و شدّ البطن و الظهر أثناء السير.[15]
المشي نحو الأماكن المقدسة
يطرح دائما موضوع السفر و التوجه إلى الأماكن المقدسة ركوباً أو سيراً على الأقدام، في كثير من الأحاديث المختصة بالزيارات خصوصاً ما ورد في موضوع الحج. و بجمع هذه الروايات و التأمل فيها، خصوصاً ما ورد فيها النهي عن المشي و الحث على الركوب، يمكن التوصل إلى هذه الملاحظات:
فقد وردت روايات عديدة تحث على الركوب في التوجّه و السفر الى الأماكن المقدسة، لكي لا يمنع تعب الطريق من أداء المناسك العبادية لهذا المكان المقدس المقصود؛ إذ يعني أن الأصل في الزيارة و أداء الفرائض الدينية هو النشاط و السلامة الكافية؛ و من جهة أخرى يظهر أن المشي مع ما يرافقه من تعب و مشقة، قد حظي باهتمام خاص في حالات معينة بصفته «حركة عبادية» لذلك نجد كثيراً من الناس يفضلونه على الركوب؛ إما لسبب عدم توفر الوسائط النقلية لديهم و عدم القدرة على استيجارها، أو من جهة أن «أفضل الأعمال أحمزها»،[16] وفي غير هذه الصورة فلو حصلت القدرة المالية لشخص و لم يكن له القدرة على تحمل و عثاء السفر مشياً على الأقدام و حتى لو تحمل ذلك سيحرمه من أداء باقي الأعمال، فلو حصل هذا الشي يتحتّم عليه ترجيح السفر ركوباً على السفر مشياً.
و بالطبع إن تحمّل هذا العناء له أجر عظيم كما يؤكد ذلك الحديث المروي عن الإمام الصادق (ع): «ماعُبد الله بشي أشدّ من المشي و لا أفضل».[17]
و يعتبر الإمام الحسن (ع) هو القدوة بالتمسك بهذا الطريقة من الحركة حيث سافر من المدينة إلى مكة لأداء فرائض الحج 20 مرّة مشياً على الأقدام. روي عن حماد عن الحلبي قال: سالت أباعبدالله (ع) عن فضل المشي فقال: «الحسن بن علي (ع) قاسم ربّه ثلاث مرات حتى نعلاً و نعلاً و ثوباً و ثوباً و ديناراً و ديناراً و حجّ عشرين حجّة ماشياً على قدميه».[18]
و يمكن الإعتماد- لإثبات ترجيح الركوب- على الأحاديث التي وردتنا عن المعصومين (ع) ردّاً على أسئلة وجهت إليهم، ترغّب في الركوب لكي لا يشكل تعب الطريق مانعاً عن الدعاء و العبادة. يقول الراوي قلت لأبي عبدالله (ع): «إنا كنا نحجّ مشاة فبلغنا عنك شيء فما ترى قال: إن الناس ليحجون مشاة و يركبون. قلت: ليس عن ذلك أسألك. قال: فعن أي شيء سألت؟ قلت: أيهما أحبّ إليك أن تصنع؟ قال: تركبون أحبّ إليّ فإن ذلك أقوى لكم على الدعاء و العبادة».[19]
و في موثقة ابن بكير، يسأل الإمام الصادق بقوله: «قلت لأبي عبد الله (ع): إنا نريد أن نخرج إلى مكة مشاة. فقال: لا تمشوا و اخرجوا ركباناً. قلت: أصلحك الله إنه بلغنا عن الحسن بن علي (ع) أنّه كان يحج ماشياً. فقال: كان الحسن بن علي (ع) يحج ماشياً و تساق معه المحامل و الرحال».[20]
عن أبي بصير قال: «سألت أبا عبدالله (ع) عن المشي أفضل أو الركوب؟ فقال: إذا كان الرجل موسراً فمشى ليكون أقل لنفقته فالركوب أفضل».[21]
تحصل من جميع هذه الروايات أنّ السفر لمكان معنوي وحريم مقدس، مع ما يتضمنه من صعوبات و موانع، أفضل من تركه خشية النفقات المالية الباهضة، و حرمان النفس من ذلك الغذاء الروحي الذي يحصل عليه بهذا السفر.
عن عذافر قال: «قال أبو عبدالله (ع): ما يمنعك من الحج في كل سنة؟ قلت: جعلت فداك، العيال. قال: فقال: إذا متّ فمن لعيالك؟ أطعم عيالك الخل و الزيت وحجّ بهم كل سنة».[22]
و هذا يعني أنه لو خيّرنا بين سفر معنوي و حياة مرفهة و عيش نعيم، فمن الأفضل أن نختار السفر المعنوي الذي يعود على أرواحنا بالنشاط و الحيوية حتى لو كلفنا ذلك ترك رغد العيش و تجملات السفر؛ كشراء الهدايا، و النزول في الفنادق المجللة و السفر بوسائل النقل الباهضة الثمن... و غير ذلك.
و أخيراً يمكن القول بعدم وجود فضيلة معينة لترجيح الذهاب إلى هذه الأماكن ركوبا أو مشياً بصفتها حركة عبادية، ولعل إقدام الأئمة(ع) على الذهاب إليها مشياً أيضاً كان من باب «أفضل الأعمال أحمزها».[23]
سأل أباعبدالله (ع) رجل: الركوب أفضل أم المشي؟ فقال: «الركوب أفضل من المشي لأن رسول الله (ص) ركب».[24]
أما فيما يخص فضيلة المشي لزيارة مراقد أهل البيت (ع) كالإمام الحسين (ع) فقد وردت عدّة روايات منها: عن أبي عبدالله (ع): «من خرج من منزله يريد زيارة الإمام الحسين بن علي (ع) إن كان ماشياً كتب الله له بكل خطوة حسنة و حطّ عنه سيئة، و إن كان راكبا كتب الله له بكلّ حافر حسنة وحطّ بها عنه سيئة. حتى أذا صار بالحائر كتبه الله من الصالحين...».[25]
فالرواية لم ترجح فضيلة المشي على فضيلة الركوب، بل بينت ثواب كل نوع بما يناسبه.
[1] . الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج4، ص415، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1407ق.
[2] . الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المجتهد و سلاح المتعبد، ج2، ص595، مؤسسة فقه الشيعة، بيروت، 1411ق.
[3] . ورّام بن أبي فراس، مسعود بن عيسة، مجموعة ورّام، ج1، ص2، مكتبة فقيه، قم، 1410ق.
[4] . الكافي، ج8، ص291.
[5] . وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً {الإسراء/37}وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ: {لقمان/18}
[6] . ابن بابويه، محمد بن علي، ثواب الأعمال و عقاب الأعمال، ترجمة، بندر ريكي، ص587، انتشارات أخلاق، قم،1379ش.
[7] . ثواب الأعمال و عقاب الأعمال، ص542.
[8] . الكافي، ج6، ص540.
[9] . الطبرسي، حسن بن فضال، مكارم الأخلاق، ص22، الشريف الرضي، قم، 1412.
[10] . الشيخ الحر العاملي، محمد بن حسن، وسائل الشيعة، ج15، ص382، مؤسسة آل البيت، قم، 1409.
[11] . و قد جاء في بعض الروايات بلفظة «المطيطاء»؛وسائل الشيعة، ج11، ص457.
[12] . ابن بابويه، محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص561، مكتب النشر الإسلامي، قم،1413ق.
[13] . وسائل الشيعة، ج20، ص184.
[14] . «فقال لهم استعينوا بالنّسل»، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص295.
[15] . «فقال شدّوا أزركم و استبطنوا»،نفس المصدر.
[16] . ورد هذا الحديث عن النبي (ص) و قد اشتهر بين الشيعة و السنة. المجلسي، محمد باقر، بحارالانوار، ج79، ص229، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1403ق.
[17] . وسائل الشيعة، ج11، ص78.
[18] . الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام، ج5، ص11، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1407ق.
[19] . الكافي، ج4، ص456.
[20] . لكي يستخدموها إذا تعبوا و لكي يفهم الناس بأنه لم يرجح المشي بخلاً بالمال. الكافي، نفس المصدر.
[21] . و هذا الحديث صحيح السند؛ الكافي، نفس المصدر، و قد استنتج بعض المفسرين ان اكثر هذه الروايات الواردة في الركوب، تخص من يريد الطواف من داخل مكة؛ فقد جاء في ذيل هذه الأحاديث في الكافي في حديث صحيحة من رفاعة:«سألت أباعبد الله (ع) عن مشي الحسن (ع) من مكة أو من المدينة قال: من مكة و سألته إذا زرت البيت أركب أو أمشي؟ فقال كان الحسن (ع) يزور راكباً و سألته عن الركوب أفضل أو المشي؟ فقال: الركوب، قلت: الركوب أفضل من المشي؟ فقال: نعم لأن رسول الله (ص) ركب ».
لكن يفهم من ظاهر بعض العبارات مثل «نخرج الى مكة» أو استخدام المحامل و الرحال و كذلك بحث الإقتصاد في نفقة السفر و غيرها من العبارات؛ انها مستخدمة لسفر طويل و من خارج مكة.
لكن يفهم من ظاهر بعض العبارات مثل «نخرج الى مكة» أو استخدام المحامل و الرحال و كذلك بحث الإقتصاد في نفقة السفر و غيرها من العبارات؛ انها مستخدمة لسفر طويل و من خارج مكة.
[22] . الكافي، ج4، ص256.
[23] . كما و أشار الشيخ الطوسي و المرحوم المجلسي (ره) الى هذا الحديث:«المشي أفضل إن كان الحامل له عليه كسر النفس و مشقة العبادة». و من جهة أن لا اطلاق في فعل المعصوم لنستخلص الإستحباب الذاتي من عمل الإمام الحسن (ع).
[24] . الكافي. نفس المصدر، تهذيب الأحكام، ج5، ص12.
[25] . ثواب الأعمال و عقاب الأعمال،ص194.
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات