بحث متقدم
الزيارة
5207
محدثة عن: 2012/05/14
خلاصة السؤال
کیف یمکن أن نفهم المعنی الصحیح لعبارة (عن ذکر ربی) فی سورة صاد؟
السؤال
قال تعالی: {فَقَالَ إِنِّی أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَیْرِ عَن ذِکْرِ رَبِّی حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ }ص32,قال المفسرون الشیعة أی أحبب هذه الجیاد حباً لله تعالى و للقتال فی سبیل الله کیف یمکن أن نفهم ذلک من عبارة (عن ذکر ربی)؟
الجواب الإجمالي

ذهب اکثر المفسرین الى القول بان المراد انّی احبّ هذه الخیل من أجل اللّه و تنفیذ أمره. و ذهب البعض من المفسرین الى القول بان المراد من "ذکر ربی" انه (ع) غفل عن ورد کان له من الذکر وقتئذ. و فسرها البعض الآخر بفوات صلاة العصر. و هناک من یرى أن المقصود هو العبادة و الطاعة. و ذهبت طائفة ثالثة الى القول بانه غفل عن کتاب الرب یعنی التوراة. و بناءً على تفسیر الذکر بطاعة الله أو بمعنى کتاب الله "التوراة" یمکن تفسیر الآیة: بانی احببت الخیل لاجل الله تعالى و الجهاد فی سبیل الله و اطاعة لأمره سبحانه؛ لان سلیمان (ع) فی الوقت الذی هو مکلف فیه بالجهاد هو مکلف بالاهتمام بالخیل و الرأفة بها.

الجواب التفصيلي

قبل البدء بتفسیر الآیة المبارکة: «فَقالَ إِنِّی أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَیْرِ عَنْ ذِکْرِ رَبِّی حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ»،[1]  لابد من تسلیط الاضواء على مفردتی "الخیر" و "ذکر ربّی" الواردة فی الآیة.

الف: الخیر

اختلفت کلمة المفسرین فی بیان المراد من کلمة "الخیر" فی الآیة المبارکة، نشیر الیها هنا:

1.ذهب اکثر المفسرین الى القول بان المراد انّی احبّ هذه الخیل من أجل اللّه و تنفیذ أمره. و هذا الاستعمال متداول بین العرب حیث یعبرون عن الخیل بالخیر.[2]

2. و ذهب البعض الآخر منهم الى القول بان المراد من الخیر المال و الثروة[3]، و یؤیده قوله تعالى «وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَیْرِ لَشَدِیدٌ».[4] و قوله عز وجل: «کُتِبَ عَلَیْکُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَکُمُ الْمَوْت إِنْ تَرَکَ خَیْراً...».[5] حیث فسر الخیر فیهما بالمال و الثروة.[6]

3. و هناک من ارتضى الرأی الثانی و لکنه فی الوقت نفسه قال: إن المراد من الخیر هنا خصوص الخیل التی انشغل بها سلیمان (ع).[7]

4. و ذهب البعض الى القول بان ابن مسعود[8] کان یقرأ الآیة على "حب الخیر".[9] و فسرها البعض الآخر بفوات صلاة العصر.

اتضح من خلال ذلک أن اکثر المفسرین یذهبون الى تفسیر الخیر بالخیل.

ب. ذکر ربّی

ذهب البعض من المفسرین الى القول بان المراد من "ذکر ربی" انه (ع) غفل عن ورد کان له من الذکر وقتئذ.[10] و فسرها البعض الآخر بفوات صلاة العصر.[11]و هناک من یرى أن المقصود هو العبادة و الطاعة[12]. و ذهبت طائفة ثالثة الى القول بانه غفل عن کتاب الرب یعنی التوراة.[13]

و قال العلامة الطباطبائی (ره): قوله «إِنِّی أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَیْرِ عَنْ ذِکْرِ رَبِّی» قالوا: إن «أَحْبَبْتُ» مضمن معنى الإیثار و «عَنْ» بمعنى على، و المراد إنی آثرت حب الخیل على ذکر ربی و هو الصلاة محبا إیاه أو أحببت الخیل حبا مؤثرا إیاه على ذکر ربی- فاشتغلت بما عرض علیّ من الخیل عن الصلاة حتى غربت الشمس.[14] و ینبغی الالتفات الى ان ترک سلیمان للنافلة التی کان یتعبد بها آخر الوقت، لا یبرر نسبة الذنب الیه (ع)؛ إذ لا معصیة فی ترک النافلة و الامور المستحبة.[15] و إنه (ع) کان یحب الخیل فی الله لیتهیأ به للجهاد فی سبیل الله فکان الحضور للعرض عبادة منه فشغلته عبادة عن عبادة غیر أنه یعد الصلاة أهم.[16]

و الذین یذهبون الى تفسیر الذکر بطاعة الله أو کتاب الله "التوراة" یقولون: «أَحْبَبْتُ» فعل یتعدّى بعن، أی اثبت حبّ الخیر عن کتاب ربّی.[17] فتکون النتیجة: أنّی أحببت حبّی لهذه الخیل عن ذکر ربّی یعنی إنّ هذه المحبّة الشدیدة إنّما حصلت عن ذکر اللّه و أمره لا عن الشهوة و الهوى. کذلک قال بعض المفسرین: انّی احبّ هذه الخیل من أجل اللّه و تنفیذ أمره، و أرید الاستفادة منها فی جهاد الأعداء.[18]

و الظاهر أن اقوى الآراء هو الرأی القائل بان الذکر یعنی الکتاب؛ لانه ینسجم مع المعنى اللغوی لاحد معانی الذکر، و الذی هو عبارة عن: "الکتاب الذی فیه تفصیل الدین"[19]و مع الآیة المبارکة :"إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ"،[20] و من هنا فسّر الذکر بالقرآن الکریم[21].

تحصل من جمیع ذلک أنه من الممکن القول بناء على تفسیر الذکر بطاعة الله أو بمعنى کتاب الله "التوراة": انی احببت الخیل لاجل الله تعالى و الجهاد فی سبیل الله و اطاعة لأمره سبحانه؛ لان سلیمان (ع) فی الوقت الذی هو مکلف فیه بالجهاد هو مکلف بالاهتمام بالخیل و الرأفة بها.

 

[1]. صاد، 32.

[2] مکارم، الشیرازی ناصر،  الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏14، ص: 499، نشر مدرسة الامام علی بن ابی طالب، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ؛  الطبرسی، فضل بن حسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج 8، ص 740، انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1372 ش؛ الکاشانی ملا فتح الله، تفسیر منهج الصادقین فی الزام المخالفین، ج 8، ص 50، مکتبة محمد حسن علمی، طهران، 1336 ش.

[3] الطبرسی، فضل بن حسن، تفسیر جوامع الجامع، ج 3، ص 435، انتشارات جامعة طهران و إدارة الحوزة العلمیة قم، طهران، الطبعة الاولی، 1377 ش؛ الزحیلی، وهبة بن مصطفى، تفسیر الوسیط، ج 3، ص 2205، دار الفکر، دمشق، الطبعة الاوّلی، 1422 ق؛ الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 17، ص 202، مکتب الاعلام الاسلامی، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق؛ حائری طهرانی، میر سید علی، مقتنیات الدرر و ملتقطات الثمر، ج 9، ص 167، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1377 ش.

[4]. العادیات، 8.

[5]. البقرة، 180.

[6] جوامع الجامع.

[7] نفس المصدر.

[8] من القراء السبعة المعروفین.

[9] مجمع البیان، ج 8، ص 740.

[10] منهج الصادقین فی الزام المخالفین، ج 8، ص 50.

[11] مجمع البیان، ج ‏8، ص 741؛ السیوطی جلال الدین، الدر المنثور فی تفسیر المأثور، ج 5، ص 309، مکتبة آیة الله المرعشی النجفی، قم، 1404 ق.

[12] طنطاوی، سید محمد، التفسیر الوسیط للقرآن الکریم، 12ج ، ص 159.

[13] حائری الطهرانی، میر سید علی، مقتنیات الدرر و ملتقطات الثمر، ج 9، ص 167، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1377 ش.

[14] المیزان، ج 17، ص 203؛ و انظر: التبیان فی تفسیر القرآن، ج ‏8، ص 560؛ الزحیلی، وهبة بن مصطفى، تفسیر الوسیط، ج 3، ص 2205، دار الفکر، دمشق، الطبعة الاوّلی، 1422 ق.

[15] منهج الصادقین فی الزام المخالفین، ج 8، ص 50 و 52.

[16] المیزان، ج 17، ص 203.

[17] حائری الطهرانی، میر سید علی، مقتنیات الدرر و ملتقطات الثمر، ج 9، ص 167، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1377 ش.

[18] مکارم، الشیرازی ناصر،  الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏14، ص: 499؛ صادقی طهرانی، محمد، البلاغ فی تفسیر القرآن بالقرآن، ص 455، الناشر المؤلف، قم، 1419 ق؛ شریف لاهیجی، محمّدبن علی، تفسیر شریف لاهیجی، تحقیق، حسینی ارموی، میرجلال الدّین، ج 3، ص 824، دفتر نشر داد، طهران، الطبعة الاوّلی، 1373 ش؛ المراغی احمد بن مصطفى، تفسیر المراغی، ج 23، ص 118، داراحیاء التراث العربی، بیروت.

[19] الفراهیدی، خلیل بن احمد، کتاب العین، ج 5، ص 346، نشر هجرت، قم، الطبعة الثانیة، 1410 ق.

[20]. الحجر، 9.

[21] مجمع البیان، ج 6، ص 509؛ الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏14، ص: 499؛ المیزان، ج 12، ض 101.

 

التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...