بحث متقدم
الزيارة
5058
محدثة عن: 2008/10/18
خلاصة السؤال
هل العلم الذی یحث الشارع علیه هو العلوم الدینیة، ام یشمل العلوم التطبیقیة مثل الکیمیاء و الفیزیاء و...؟
السؤال
نرى فی کثیر من الموارد سواء فی القرآن أو السنة او احادیث أهل البیت الحث على تحصیل العلم و طلبه، فهل تشمل مفردة (العلم) العلوم التطبیقیة التی تدرس فی الجامعات و المعاهد کـالکیمیاء و الفیزیاء و الریاضیات... و غیرها أم أن الامر مقتصر على تحصیل العلوم الدینیة و التفقه فی الدین؟
الجواب الإجمالي

تعرف الاجابة عن السؤال اذا عرفنا حدود حرکة الدین فی الحیاة و الهدف من وجود الانسان فیها، فبما ان الدین الاسلامی شامل لجمیع نواحی الحیاة و انه اراد للانسان ان یکون خلیفة الله فی الارض و سخر الله تعالى الکون و زوده بالعقل، فمن اراد ان یقوم بالمهمة التی اوکلت الیه سواء على المستوى الفردی او الاجتماعی فعلیه ان یکون عالما بما یرید و عالما بالوسائل الموصلة الى ذلک، من هنا علیه ان یعرف الامور التی تربطه بالله تعالى و تحقق له تکامله و هذا ما یعبر عنه بعلم الادیان، و کذلک علیه ان یعلم بما یسخر له الطبیعة و یؤمن له الاستفادة منها و قد عبر أمیر المؤمنین (ع) عن ذلک بقوله: "العلوم أَربعةٌ؛ الفقهُ للأَدیانِ و الطِّب للأَبدان و النَّحو للِّسان و النُّجومُ لمعرفة الأَزمان". و اختصره الرسول الاکرم (ص) بقوله: "العلم علمان علم الأدیان و علم الأبدان"، وقد فصل العلماء فی الکتب الفقهیة اصناف العلم فقالوا: العلم إمّا فرض عین أو فرض کفایة أو مستحبّ أو حرام.

فالأوّل(فرض العین)فهو: العلم بإثبات الصانع تعالى و‏ نبوّة نبیّنا محمد (ص) و إمامة من تجب إمامته و المعاد. و الثانی(الفرض الکفائی) فهو علم أصول الفقه و کیفیّة الاستدلال و البراهین ... و علم الطبّ، للحاجة إلیه فی المعالجة، و علم الحساب، للاحتیاج إلیه فی المعاملات و قسم الوصایا و المواریث. و المستحب: الزیادة على ما یجب على الکفایة فی کلّ علم. و الحرام: ما اشتمل على وجه قبح.

الجواب التفصيلي

تتضح الاجابة عن السؤال من خلال معرفة أمرین أساسیین:

الاوّل: حدود حرکة الدین فی الحیاة

الثانی: ماذا یرید الدین من الانسان

اما بالنسبة الى الامر الاوّل، لاشک ان مساحة الدین الاسلامی فی الحیاة مسألة واسعة بمعنى ان الدین شمل کل مرافق الحیاة الفردیة و الاجتماعیة و السیاسیة و...، فلیس الاسلام دین رهبانیة و عزلة و لادین تصوف و انصراف الى الشأن الخاص، بل هو دین شامل لکل مرافق الحیاة. روی عن الامام الصادق (ع) انه قال: "إِنَّ اللَّه تبارک و تعالى أَعطى محمداً (ص) شرائع نُوح و إِبراهیم و مُوسى و عیسى (ع) التَّوحید و الإخلاص و خلع الأنداد و الفطرة الحنیفیَّةَ السَّمحةَ و لا رهبانیةَ و لا سیاحةَ أَحلَّ فیها الطّیِبات و حرَّم فیها الخبائث و وضع عنهم إِصرهم و الأَغلال الَتی کانت علیهم‏".[1]

اذا الدین الاسلامی اراد ان تکون معالجة جمیع شؤون الحیاة بیده و انطلاقا منه: "فما من حادثة الا و لله فیها حکم".[2]

الامر الثانی: ان الله اراد للانسان ان یکون خلیفة الله فی ارضه: "وَ إِذْ قالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلیفَةً".[3] و قوله تعالى: "یا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناکَ خَلیفَةً فِی الْأَرْضِ فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ فَیُضِلَّکَ عَنْ سَبیلِ اللَّه".[4]

کما اراد للانسان ان یعمر الارض، و یفهم ذلک من خلال آیات التسخیر کقوله تعالى: "أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَکُمْ ما فِی الْأَرْضِ وَ الْفُلْکَ تَجْری فِی الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ یُمْسِکُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحیمٌ".[5]

من هنا نتساءل، هل یمکن للانسان ان یکون خلیفة لله سبحانه و یکون مسؤولاً عن شریعة عامة للحیاة و مکلفا باعمار الارض و الحفاظ علیها و الاستفادة من امکاناتها التی سخرها الله تعالى له من دون ان یعرف من هو؟ و ماذا یراد منه؟ و دوره فی الحیاة؟ بکل تأکید ان الانسان یراد منه ان یکون عارفا بذلک و المعرفة تقتضی ان یضع المعالجة الصحیحة لکل مهمة هو مکلف بها.

فبما انه مکلف بان تکون علاقته مع الله علاقة عبودیة، فلابد ان یعلم بکل ما یرتبط بهذه المهمة و هذا ما تتکفل به الشریعة فقهاً و عقائداً و اخلاقاً.

و نحن اذا رجعنا الى المصادر الاسلامیة، قرآنا و سنة نراها تشیر الى ذلک. فمنها قوله تعالى: "ُوَ الَّذی بَعَثَ فِی الْأُمِّیِّینَ رَسُولاً مِنْهُمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیاتِهِ وَ یُزَکِّیهِمْ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْکِتابَ وَ الْحِکْمَةَ وَ إِنْ کانُوا مِنْ قَبْلُ لَفی‏ ضَلالٍ مُبین".[6] ای یبلغهم رسالات ربه التی تسیر بهم على طریق الحیاة و النجاة، و یطهر نفوسهم من الشرک، و عقولهم من الجهل، و أعمالهم من القبائح و الآثام. و ینقلهم من ظلمات العمى و الجهل الى نور العلم و الهدایة بتعالیمه التی تمجد العلم، و تنبذ الخرافات، و ترتکز على العقل و الفطرة البشریة و کل ما یهدی الى الخیر فی العقیدة و السلوک فهو حکمة.[7]

و باعتبار ان هذه المهمة تتعلق بکل انسان و لایتکفلها شخص نیابة عن شخص؛ ای انه واجب عینی و لیس واجبا کفائیا، من هنا یجب على کل انسان ان یکون على مقدار من المعرفة بها حسب وسعه اجتهادا او تقلیدا.

و من جهة کونه مکلفا بإعمار الارض و حفظ ما فیها من بشر و حیوان و نبات و موارد طبیعة، فهو ملزم بان یعرف ما یؤمن هذه المهمة الکبیرة. لکن الاعداد لهذه المهمة أوکل الى عقل الانسان و امکاناته الخاصة باعتبار ان الله تعالى قد زوده بالقدرة التی تمکنه من اکتشاف و تسخیر الاشیاء لصالحه وقد اشار الی ذلک بقوله تعالى: "وَ عَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَکُمْ لِتُحْصِنَکُمْ مِنْ بَأْسِکُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاکِرُون‏".[8] و من الواضح ان الآیة فی مقام الامتنان على البشر بان الله تعالى علم نبیهم داود صناعة الدروع لتحصنهم من بأسهم، و اذا عرفنا الغایة من صناعة الدروع و هی الاحصان و الحمایة من الاعداء فلا شک ان کل علم یحقق للانسان هذه الغایة یکون مطلوبا و ممدوحا و یکون مصداقا لقوله تعالى: "وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّکُم‏".[9]

فعلم الفیزیاء و الکیمیاء و الریاضیات و... کلها من مصادیق اعداد القوة؛ نعم هذه العلوم واجبة وجوبا کفائیا یعنی لایجب على کل الناس ان یکونوا علماء فیزیاء او کیمیاء او ریاضیات او ... بل اذا قام بها البعض سقط عن الباقین.

و قد اثبت الواقع المعاصر اهمیة هذا النوع من العلوم، فهذا هو الغرب انما تغلب علینا عندما احتکر هذه العلوم لنفسه فنراه قد سخرها لتحقیق اهدافه و ان کانت اهدافه شیطانیة، ما فعله العالم الذی اکتشف الذرة و ما فیها من طاقات هائلة عجزت عنه جیوش کبیرة و یعتبر الیوم من الانجازات العظیمة التی یحاول الغرب احتکارها لتکون وسیلة ضغط و ابتزاز یبتز بها الآخرین.

و لقد اشارت الروایات الى تلک الحقیقة فقد روی عن الامام أمیر المؤمنین (ع) أنه قال: "العلوم أَربعةٌ؛ الفقهُ للأَدیانِ و الطِّب للأَبدان و النَّحو للِّسان و النُّجومُ لمعرفة الأَزمان".[10]‏ و من الواضح ان الحدیث فی مقام بیان المثال لا الحصر، بل ان محتوى الحدیث التأکید على کل علم نافع و لذلک وجدنا النبی الاکرم (ص) یقول: "العلم علمان علم الأدیان و علم الأبدان‏".[11]

و نختم الکلام بما ذکره العلامة الحلی (قدس) فی بیان اصناف العلم، حیث قال:

العلم إمّا فرض عین أو فرض کفایة أو مستحبّ أو حرام.

فالأوّل(فرض العین)هو: العلم بإثبات الصانع تعالى‏ و صفاته و ...، و نبوّة نبیّنا محمد (ص) و ثبوت عصمته و إمامة من تجب إمامته و المعاد. و لا یکفی فی ذلک التقلید، بل لابدّ من العلم المستند إلى الأدلّة و البراهین.

والثانی(فرض الکفایة) فهو علم أصول الفقه و کیفیّة الاستدلال و البراهین ... و علم الطبّ، للحاجة إلیه فی المعالجة، و علم الحساب، للاحتیاج إلیه فی المعاملات و قسم الوصایا و المواریث.

و المستحب: الزیادة على ما یجب على الکفایة فی کلّ علم.

و الحرام: ما اشتمل على وجه قبح، مما نهى الشرع عن تعلّمه، کالسحر، و علم القیافة و الکهانة و غیرها.[12]



[1] الکافی،ج 2، ص17، طهران، دار الکتب الاسلامیة، 1365. ه .

[2] الحر العاملی، وسائل‏الشیعة، ج 27، ص 53.

[3] البقرة،30.

[4] صاد، 26.

[5] الحج، 65.وانظر سورة هود الآیة 61.

[6] الجمعة، 2.

[7] محمد جواد، مغنیة، تفسیر الکاشف، ج ‏7، ص 323، طهران، دارالکتب الاسلامیة، 1424، ق.

[8] الانبیاء،80.

[9] الانفال،60.

[10] بحارالأنوار، ج 1، ص 218، قم، مؤسسة آل البیت، 1409.

[11] السید العمیدی، کنزالفوائد، ج 2، ص 108.

[12] العلامة الحلی، تذکرة الفقهاء، ج ‏9، ص 36- 37، الطبعة الحدیثة.

التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279357 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256903 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128056 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112876 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88917 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59625 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59354 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56810 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49382 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47110 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...