Please Wait
6123
إن التكهن و النبوة يسيران طبقاً للروايات الدينية في مسيرين متعاكسين على طول التأريخ، و الشياطين الذين يلهمون عبادهم أمور التنبؤ و الأخبار الغيبية في حدود خاصة قد طُردوا تدريجياً من السماوات حتى تمّ طردهم منها نهائياً في زمن خاتم الرسل النبي محمد (ص)، المتزامن لنزول القرآن الكريم فقد رأوا بأن السماوات قد ملئت بالملائكة الذين كانوا يحرسونها من نفوذ الأجنة و الشياطين. و هذا المطلب قد ذكر في سورة "الجن".
إن التكهن و النبوة يسيران في مسيرين متعاكسين على طول التأريخ -طبقاً للروايات الدينية- و الشياطين قد طردوا تدريجياً من السماوات حتى تمّ طردهم منها و من فضاء الوحي نهائياً في زمن خاتم الرسل النبي محمد (ص) المتزامن مع ظهور جمال الحق و نزول الحقيقة القرآنية، و قد طردوا و حرموا حتى من السماء الأولى التي إتخذوا فيها مقعداً أعدّوه لإستراق السمع للوحي.[1]
لقد كان للتكهّن و التنجيم في العصور السابقة حضور واسع في أوساط البشر كما نشاهد هذه في التأريخ و كما تنصّ عليه بعض الروايات، لأن الشياطين و الأجنّة كان لها طريق إلى السماء و يوصلون إلى عبادهم بعض الأمور الغيبية عن هذا الطريق.
لكن مع ظهور النبي عيسى (ع) منعوا من الصعود إلى أكثر من السماء الرابعة ثم منعوا في زمان الرسول الأعظم (ص) من النفوذ إلى السموات نهائياً أو و قوبلوا بحراسة شديدة،[2] و هذا الأمر لم يكن ليحصل لولا الحادثة العظيمة التي كانت على شرف الوقوع، فلو إستطاعت هذه الموجودات الشيطانية أن تصل إلى السماوات لحصلت بلا شك على معلومات تؤدي إلى ضلال الناس و ابتعادهم عن هذه الحادثة المهمة فلا تتم الحجة الكاملة على الناس لهذا السبب.[3]
أما الآن ففي مقابل نفوذ الشياطين و الكهنة و الأجنّة و... إلى السماوات بأطماعهم الشيطانية و بعد منعهم من إستراق السمع، فتحت أبواب السماوات بشكل واسع أمام كل مؤمن عارف و صارت مجالاً لمعراج النبي محمد (ص) و لأهالي السلوك و الصلاة العرفانية و رفعت الحجب أمامهم.
إذن بلحاظ هاتين الواقعتين نرى في آخر الزمان و في عصر النبي محمد (ص) قد وجّهت الدعوة إلى كل عارف مؤمن ليعرج إلى السماء و ليشاهد هذا الأمر المعنوي الكبير بمقدار منع الشياطين من إستراق السمع. فظهور أمر الإمامة في أمة النبي محمد (ص) و ظهور عدد كبير من العرفاء الذين لا نظير لهم في ذلك العصر و ما بعده شاهد على هذه الحقيقة.
[1] فقد حجبوا من سماء بعد سماء إلى أن ولد خاتم المرسلين النبي محمد (ص) محجبوا عن كل السماوات و طردوا منها يروى عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال في حديث طويل: "... و لقد هم إبليس بالضعن في السماء لما رأى الأعاجيب في تلك الليلة ـ ليلة ولادة الرسول (ص) ـ و كان له مقعد في السماء الثالثة و الشياطين يسترقون السمع، فلما رأوا العجائب أرادوا أن يسترقوا السمع فإذا هم قد حجبوا عن السماوات كلها ..." تفسير الهداية، ج 16، ص 468، مؤسسة التحقيق الإسلامي للعتبة الرضوية، و كذلك راجعوا: بحار الأنوار للعلامة المجلسي، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1404 ه ق.
[2] "عندنا في الروايات أن الشياطين من زمن آدم و حتى ولادة المسيح (ع) كانوا يصعدون إلى السماء و يحصلون على أمور و أخبار من الملائكة و يخبرون بها الكهنة، فعندما ولد المسيح (ع) منعوا من الصعود إلى أكثر من السماء الرابعة ثم و بعد ولادة النبي الأكرم (ص) منعوا من جميع السماوات فكانوا عندما يتقربون من السماء يرسل الله عليهم شهباً لتحرقهم حتى لا يقربونها مرة أخرى: إذن آية "و إنا ..." كانت بعد ولادة المسيح (ع) فكانوا يتقرّبون من السماء و يسمعون صوت الملائكة، و مفاد الآية "و إنا كنّا ..." متعلق بهذه الفترة. لكن بعد ولادة الرسول (ص) و هومفاد الآية: "فمن ..." منعوا من هذا الأمر أيضاً". الطيب، السيد عبد الحسين، أطيب البيان في تفسير القرآن، ج 13، ص 229، إنتشارات الإسلام.
[3] و عن أبي عبد الله الصادق (ع): "و أما أخبار السماء فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد إستراق السمع إذ ذاك و هي لا تحجب و لا ترجم بالنجوم، و إنما مُنعت من إستراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء، و يبلس على أهل الأرض ما جاءهم من الله في خلقه ..." الإحتجاج للطبرسي، ج 2، ص 339، نشر المرتضى.