Please Wait
5971
یستفاد من هذه الروایة أن الوصول إلى مقام التوحید یوصل الإنسان إلى مقام العصمة و المصونیة، و إن الوصول إلى هذا المقام غیر ممکن من دون العبور عن طریق الولایة المرآة التی یرى من خلالها الوجود الإلهی.
و لأجل إدراک هذا المطلب العمیق یلزم عرض بعض النقاط بدقة و انتباه:
1ـ عندما یقال الولایة لله، یعنی أن لله معیة تصاحب جمیع الموجودات و إذا قیل أن الإنسان وصل إلى مقام الولایة فمعنى ذلک أنه وصل فی السیرة و السلوک و الشهود إلى مراحل بحیث لا یوجد حجاب یحول بینه و بین الحق تعالى، و أنه بلغ مقام العبودیة المحضة لله.
2ـ إن جمیع المخلوقات تستفید من الولایة کلٌ بحسب سعة وجوده و ضیقه و بهذا القدر یکون مظهراً لهذا الإسم، و لذلک أول ما خلق الله هو أقرب موجود إلى ساحة القدس و الکبریاء و إنه یتمتع بالولایة المطلقة الکلیة الإلهیة.
3ـ أول ما خلق الله (الحقیقة المحمدیة) أی حقیقة رسول الله (ص) و أهل بیته (ع)، إذن فالأئمة المعصومون یتمتعون بمقام الولایة الکلیة. و من الواضح أن الإنسان قادر أن یبعد الموانع الموجودة فی طریقه خلال سیره فی قوس الصعود إلى الکمال، و أن یبتعد عن کل الأنیات و التعینات و التعلقات المادیة و حتى المعنویة فیذوب فی الحضرة الأحدیة لیصل إلى مقام الفناء، و فی هذه الحالة ینسى العبد نفسه، و یمحى فی جمال المعشوق، و کلما أمعن بالنظر لا یرى سواه، ثم یتقدم إلى مقام یتجاوز فیه مقام الإثنینیة لیصل إلى مقام الهوهویة، فیصبح مرآة عاکسة للحق تعالى فیستفید من مقام الولایة الکلیة، فیتجلى الله فی کامل وجوده.
4ـ فالتوحید هو هذا المعنى المرآتی، و آیة الحجاب الأقرب، و الدخول یمثل هذا العالم مشروک بالعبور عن طریق الولایة، یعنی أن الإنسان لا یصل إلى المعرفة و القرب من ساحة الذات المقدسة إلا بواسطة هذه المرآة و هذه الآیة الکبرى، لأن أشعة هذه الشمس و إشعاعها یعمی بصر کل ناظر، و لا یمکنه أن یشاهد هذا الجمال من دون مرآة و حجاب، فالتوحید عین الولایة و الولایة عین التوحید و لا یمکن الفصل بین الأمرین.
یقول الإمام الخمینی(ره) نقلا عن العارف شاه أبادی (قدس): إن الشهادة بالولایة مخبوءة فی الشهادة بالرسالة، لأن الولایة هی باطن الرسالة، و یقول الکاتب أن الشهادتین ینطویان فی الشهادة بالألوهیة جمعاً، و کذلک فإن الشهادتین الأخریین ینطویان فی الشهادة بالرسالة، و کذلک فإن الشهادة بالألوهیة و الرسالة ینطویان فی الشهادة بالولایة.
لذلک فإننا نعتقد أن إدراک و معرفة أی صفة من صفات الله غیر ممکن إلا عن طریق الارتباط بالمعصومین (ع)، فلو أردنا أن نعرف مثلاً هل أن الله راضٍ عن هذا العمل أو لا؟ لا سبیل إلى ذلک إلا عن طریق رضا و عدم رضا المعصومین (ع).
قال الإمام الرضا فی حدیث سلسلة الذهب: «لا إله إلا الله حصنی فمن دخل حصنی أمن عذابی، قال فلما مرت الراحلة نادانا: بشروطها و أنا من شروطها»[1].
و معنى هذه الروایة هو أن الوصول إلى مقام التوحید الذی عبر عنه بـ (لا إله إلا الله) یوصل الإنسان إلى العصمة و المصونیة، و إن الوصول إلى هذا المقام غیر ممکن إلا من خلال الولایة التی تعنی أنها مرآة الله، و من أجل إدراک هذا المطلب العمیق من اللازم مطالعة بعض النقاط بدقة و اهتمام:
1ـ الولایة و کون الله ولیاً من الصفات و الأسماء اللازمة للذات الإلهیة تتم بتربیة المخلوقات و إمامتها فی ظل هذا الإسم و هذه الصفة.
2ـ مع ما ذکر من معان متعددة للولایة، و لکن الدقة و التمحیص فی هذه المعانی یوصلنا إلى نتیجة مؤداها أنها جمیعاً ترجع إلى معنىً واحد، و المعنى هو أن هناک شیئین أو أکثر یکونان فی وضع لا یوجد معه بینهما أی فاصل أو حجاب. و بعبارة أخرى أنه مقام الوحدة بین العبد و ربّه، بین الحبیب و المحبوب، بین العاشق و المعشوق، حیث لا فاصل و لا حجاب، و هذا هو معنى الولایة، فإذا قیل: الولایة لله فالمقصود هو معیة الله لجمیع المخلوقات، و إذا قیل أن الإنسان وصل إلى مقام الولایة فمعنى ذلک أنه وصل إلى مقام فی سیره و سلوکه و شهوده بحیث لا یوجد أی حجاب من الحجب النفسانیة بینه و بین حضرة الحق، و أنه بلغ مرتبة العبودیة المحضة لله تعالى. و کذلک تطلق کلمة ولی على القرابة و الوحدة بین المالک و المملوک، و الشخصین المتعاهدین، و الحبیب و المحبوب، و الجار و ... و بهذا التوضیح إن السلطنة و المالکیة من لوازم الولایة و کذلک التدبیر و التکفل و إدارة الأمور و الوساطة فی الفیض[2].
3ـ الولایة لازم لوجود أی موجود، لأن الموجودات ربط محض بالنسبة لذات الحق المقدسة، فالولایة موجودة فی جمیع الموجودات، و لکن بحسب ضیق و سعة الموجودات، و لذلک فآثار الولایة متفاوتة و مختلفة بین الموجودات، فالموجودات ذات السعة الوجودیة الکبیرة تستفید من الولایة أکثر فالموجود یکون مظهراً للولایة بحسب سعة و ضیق هویته الوجودیة و لذلک أول ما خلق الله هو الحجاب الأقرب و أقرب موجود بالنسبة للساحة المقدسة و الذی یتمتع بالولایة المطلقة العامة الکلیة الإلهیة و إن وجود جمیع الموجودات و حیاتها و مماتها و... بإفاضته.
4ـ یعبر عن (أول ما خلق الله) بالحقیقة المحمدیة، و هذه الحقیقة هی حقیقة رسول الله (ص) و أهل بیته (ع)[3]. لذلک یقول علی(ع): «فإنا صنائع ربنا و الناس صنائع لنا»[4].
إذن لا یستبعد أن یقال: «إنهم عبید الله و الناس عبید لهم»[5]. و من هنا قال الإمامان الصادق و الباقر: «ولایتنا ولایة الله التی لم یبعث نبیاً قط إلا بها»[6].
إن مقام الولایة الکلیة للأئمة المعصومین (ع) بالذات الإلهیة المقدسة لها وحدة و هوهویة[7].
5ـ من الواضح أن الولایة الکلیة لله ذاتیة و فی غیره عرضیة.
6ـ کما بینا فیما تقدم إن الإنسان بإمکانه أن یزیل الکثیر من الموانع خلال سیره فی طریق الکمال و قوس الصعود، و إنه یستخلص نفسه من جمیع الأنیات و التعینات و التعلقات المادیة و حتى المعنویة[8]. و أن یذوب فی الحضرة الأحدیة حتى یصل إلى مقام الفناء، و فی مثل هذه الحالة ینسى نفسه و یمحى فی جمال المعشوق حتى یراه فی کل شیء ینظر إلیه و لا یرى شیئاً سواه، فیخرج فی هذه الحالة من الإثنینیة لیصل إلى مرتبة الهوهویة، حتى یصبح مرآة عاکسة للحق بتمام المعنى[9].
و قد أشار السید حیدر الآملی إلى أن الوصول إلى مقام الفناء ممکن و مثل لذلک فی قول أمیر المؤمنین(ع): «أنا وجه الله، و أنا جنب الله، و أنا ید الله، و أنا آیة الله، أنا الأول، الآخر، أنا الظاهر، أنا الباطن»[10]. إن هذا الکلام ناظر إلى هذا المقام، و هذا یعنی التجلی الکامل لله فی محل الظهور و البروز، و هذا الأمر یدل على بلوغ آل البیت (ع) الولایة الکلیة الإلهیة.
7ـ إن هذه الهوهویة هی عینیة التوحید و الولایة. و بعبارة أخرى فالتوحید هو هذا المعنى المرآتی و الحجاب الأقرب و إن الدخول فی هذا العالم مشروط بالعبور عن طریق الولایة یعنی أن الإنسان لا یمکن أن یصل إلى المعرفة و القرب من الذات الإلهیة المقدسة فی ناحیة الصعود إلا بالمرور من خلال هذه المرآة و الآیة الکبرى، لأن هذا النور و الشعاع المنبعث من هذه الشمس یغشی بصر کل ناظر، و لا یمکن أن یشاهده إلا من خلال مرآة و حجاب[11]. إذن فالتوحید عین الولایة و الولایة عین التوحید و لا یمکن الفصل بین هذین المفهومین[12].
یقول الإمام الخمینی(ره) بخصوص سر کتابة (لا إله إلا الله، محمد رسول الله و علی أمیر المؤمنین) على جمیع الموجودات من العرش الأعلى إلى أدنى الأرضین نقلا عن الشیخ العارف شاه آبادی (دام ظله): «أن الشهادة بالولایة مخبوءة فی الشهادة بالرسالة، لأن الولایة هی باطن الرسالة، و یقول الکاتب أن الشهادتین ینطویان فی الشهادة بالإلوهیة جمعاً، و کذلک فإن الشهادتین الأخریین ینطویان فی الشهادة بالرسالة، و کذلک فإن الشهادة بالإلوهیة و الرسالة ینطویان فی الشهادة بالولایة»[13].
و کذلک یقول فی مکان آخر: إن الموجودات ترجع إلى الله بواسطة الإنسان بل إن مرجعها و معادها إلى الإنسان... و هذا ما قاله تعالى فی الآیة الشریفة: «إن إلینا إیابهم و إن علینا حسابهم»[14]، و جاء فی الزیارة الجامعة: «و إیاب الخلق إلیکم و حسابهم علیکم» و فی هذا سر من أسرار التوحید، و إشارة إلى أن الرجوع إلى الإنسان الکامل رجوع إلى الله، لأن الإنسان الکامل فانٍ مطلقا و باق ببقاء الله، و لیس له من ذاته تعین و إنیة و أنانیة، بل أنه من الأسماء الحسنى و الإسم الأعظم»[15].
و لیس بخافٍ على أهل الدقة إن کلامنا هذا لیس فیه إنکار إلى أن أهل البیت لیسوا بشراً، کما أننا لسنا بصدد الحدیث عن العقیدة الباطلة القائلة أن الله یحل فیهم[16]. و لکن مع أننا نعترف و نقر بأنهم بشر کسائر البشر و لکننا نعتقد الأنانیة و الذاتیة بعیدة عن ساحتهم و ذواتهم، و أنهم بلغوا أعلى مراتب الفناء و أسمى مقامات الولایة[17].
و من الواضح أنه بقدر ما تغیب الأنانیة و الذاتیة و تستهلک یکون حضور الله، و بهذا المقدار یکون الإنسان مرآة عاکسة للحق تعالى. و بحسب التوضیحات التی قدمناها اتضح أن التوحید و الولایة متحدان، و بعشق الولایة یکون الوصول إلى التوحید ممکناً. و لذلک فنحن نعتقد أن معرفة و إدراک أی صفة من صفات الله لا سبیل إلیها إلا بالارتباط بالمعصومین (ع)، و مثال ذلک إذا أردنا أن نعرف أن الله راضٍ عن عملنا الذی نعمله أم لا، فلا طریق لمعرفة ذلک إلا أن نعرف هل أن أهل البیت راضون عن هذا العمل أم لا.[18]
[1]الشیخ الصدوق، ثواب الأعمال و عقاب الأعمال، ص7؛ همو، معانی الأخبار، ص 370 و 371؛ همة، التوحید، ص 24 و 25؛ الشیخ الطوسی، الآمالی، ج2، ص 201.
[2].راجع: الحسینی الطهرانی، السید محمد حسین، امام شناسی= معرفة الامام، ج5، 10-33.
[3] و من هنا قال رسول الله (ص): "اول ما خلق الله نوری" و قال ایضا: "کنت نبیا و آدم بین الماء و الطین" یعنی العقل الاول و الروح المحمدیة الظاهر فی کل العوالم و المفیض الوجود عن طریقه.( انظر: القیصری، محمد داود، شرح فصوص الحکم، جمع و تألیف السید جلال الدین آشتیانی، المقدمة ص55-57؛ حسن زادة آملی، حن،ممد الهمم فی شرح فصوص الحکم، ص64-65.
[4]نهج البلاغة، الخطبة 28، ص 386.
[5]ابن أبی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج15، ص194.
[6]الکلینی، محمد یعقوب، الکافی، ج1، ص 437؛ الصفار، محمد بن حسن، بصائر الدرجات، ص75.
[7] من الجدیر الرجوع الى اللقاء الذی دار بین العلامة الحسینی الطهرانی و هاشم الحداد مع المرحومة بانو اصفهانی (السیدة الاصفهانی) و مطالعة ما دار بینهم من حوار حول مقام الهوهویة، و الذی نشره السید الحسینی الطهرانی، محمد حسین فی کتابه الروح المجرّد، ص294.
[8] للاطلاع على الحجب الظلمانیة و النورانیة، انظر السؤال رقم4767 (الرقم فی الموقع:5013).
[9] لمزید الاطلاع على هذا المقام انظر: المقدمات من نص النصوص، ص46.
[10]راجع: جامع الأسرار و منبع الأنوار، ص 364 ـ 367 و 380.
[11]راجع: الشیخ محمود شبستری، در گلشن راز، ص1412.
[12]. راجع: النوری، علی، التعلیقات على مفاتیح الغیب، ص742؛ قمشه آی، آغا محمد رضا، مجموعة آثار حکیم صهبا، ص 111ـ 150؛ الحسینی الطهرانی، السید محمد حسین، ...، ج5، ص 125 ـ 14.
[13]راجع: الإمام الخمینی، آداب الصلاة، ص141.
[14]الغاشیة، 25.
[15]الإمام الخمینی، آداب الصلاة، ص 263؛ و انظر: المیر داماد، القبسات، ص397.
[16] الجدیر بالذکر ان الغلاة اعتقدوا بالوهیة الرسول (ص) و الائمة معللین ذلک بان الذات الالهیة قد حلّت فیهم و اتحدت معهم، و من هنا تحولت الطبیعة الآدمیة الى طبیعة إلهیة.(انظر: مشکور، جواد، معجم الفرق الاسلامیة، ص345).و لکن ما اشرنا الیه هو "التجلی" و هناک فرق کبیر بین التجلی و بین الاتحاد و الحلول الذی یعنی اتحاد الشیئین و تحولهما الى شیء واحد، و الحلول یعنی حلول شیء فی شیء آخر. إذن تحقق العنوانین المذکورین فرع تحقق و وجود شیئین، و أما التجلی فقائم على الوحدة الشخصیة للوجود و انحصار بوجود الحق تعالى و ما سواه آیة و مظهر لله تعالى، و من هنا لا مجال للحلول و الاتحاد على هذا الفرض. لمزید الاطلاع انظر: رحیمیان، سعید، التجلی و الظهور فی العرفان النظری، ص46 – 47.
[17] یقول أمیر المؤمنین (ع) فی بیان خصوصیات أهل البیت (ع): "وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَایَة". نهج البلاغة، الخطبة الثالثة. لمزید الاطلاع انظر: قاسم ترخان، مقام اهل البیت فی کتاب" نگرشی عرفانی، فلسفی و کلامی به: شخصیت و قیام امام حسین(ع)"، ص108-142، الطبعة الاولى، انتشارات چلچراغ، 1388 ه .ش.
[18] لمزید الاطلاع انظر: ترخان، قاسم، مهر ماه، 148-161، الطبعة الاولى، انتشارات چلچراغ، 1389 ه .ش.