بحث متقدم
الزيارة
6345
محدثة عن: 2011/12/20
خلاصة السؤال
ما هی أسرار أقسام القرآن؟
السؤال
بیّنوا لنا أسرار أقسام القرآن.
الجواب الإجمالي

اصطلاح «القسم» فی العربیة مرادف لکلمة «سوکند» فی الفارسیة و نعنی به اقرار و اعتراف الشخص علی شرفه و عرضه و یشهّد الله أو أحد العظماء علی ما یقول. و القسم لا یخصّ شعباً دون آخر و لا لغة دون أخری و قد کان جاریاً فی کل العصور الماضیة کسنة معروفة فی أواسط کل الأقوام و الشعوب المختلفة. و قد جاء القسم فی القرآن 118 مرة فی 104 آیات و فی 95 آیة منها کان القسام فیها بخالق الکون.

هناک فرق ملحوظ بین الأقسام الإلهیه و الأقسام المتعارفة بین الناس. فللّه فی أقسامه حکم و أهداف عالیه جداً منها: بیان عظمة مورد القسم، التأکید، التأثیر فی المخاطب، الإستدلال، إتمام الحجة، إثبات ما جاء القسم لأجله و بیان الحق الذی صار مجالاً لتردد الأمة، توجیه البشر إلی منافع و فوائد الأشیاء التی ورد القسم لأجلها، التوجیه إلی واقعیة مورد القسم الذی واجهه السابقون بالإنکار، الوقوف أمام الخرافات و... و فی بعض المجالات نجد القرآن یقوم بنقل و بیان الأقسام التی لم یذکرها الله سبحانه و تعالی.

الجواب التفصيلي

الف) تعریف القسم: سوکند فی الفارسیة فی الأصل بمعنی الکبریت، و الإتیان به بمعنی أکل الکبریت و هو نوع إختبار لتشخیص المذنب من غیره، ففی الزمن الماضی کان یعطی للمتّهم مقدار من الماء المخلوط بالکبریت و من تأثیر هذا المخلوط علی وجوده یتعیّن بأنه مذنب أو لیس بمذنب. [1] بعد ذلک اُستعمل بمعنی القسم الذی هو إقرار و إعتراف الشخص علی شرفه و عرضه و یُشهد الله أو أحد العظماء علی ما یقول؛ کالقسم( بالله و الرسول و الائمة و العظماء) و کلمة "القسم" فی اللغة العربیة مترادفة لکلمة "سوکند" باللغة الفارسیة. [2]

ب) الجذور التاریخیة للقسم:

الآثار المتبقیة للثقافة و الحضارة البشریة تدل علی أن القسم لا یختص بشعب دون آخر و لا بلغة دون أخری فقد کان جاریاً فی کل العصور الماضیة کسنة معروفة فی أوساط کل الأقوام و الشعوب المختلفة، و من المحتمل جدّاً إمکان القول بأن تأریخ القسم یرجع الی تاریخ البشریة و لغتهم. و الشاهد علی هذا الإدعاء هو القرآن الذی یعتبر من أکثر المصادر التأریخیة اعتباراً حیث یذکر القسم علی لسان الإنسان فی العصور القدیمة المختلفة کالنبی إبراهیم (ع)،[3] و أولاد النبی یعقوب (ع) [4]و السحرة بالنسبة لفرعون،[5] و قبل کل هذه الأمثلة قسم الشیطان لآدم و حواء. [6]

ج)أقسام القرآن:

هناک ثلاث و عشرون سورة من السورة القرآنیة تبدأ بالقسم. و قد جاء فی القرآن فی 44 سورة، و فی ضمن 104 آیات، 118قسماً. و کان القسم فی  95 مورد منها بخالق الکون. أما باقی الأقسام التی جاءت فی القرآن فهی:

1ـ فی موردین منها کانا علی لسان رسول الله (ص) فی إثبات وقوع یوم القیامة و حساب الأعمال و الجزاء فی هذا الیوم.

2ـ أربعة موارد کان القسم فیها علی لسان اخوة النبی یوسف (ع).

3ـ فی قسم واحد کان علی لسان السحرة حیث بیّنوا له بأنهم سیغلبون موسی (ع).

4ـ قسم واحد ذکر فی القرآن علی لسان الشیطان حیث بیّن بأنه سیُغوی عباد الله غیر المخلصین.

5ـ خمسة عشر قسماً متعلق بالمشرکین و المنافقین و منکری یوم القیامه.[7]

الفرق بین أقسام الله سبحانه و الأقسام المتعارفة بین الناس:ـ

یوجد بین الأقسام الإلهیه و الأقسام المتعارفة بین الناس فرق ملحوظ و ذلک:

1ـ أن الهدف الأصلی من أقسام الناس هو لإثبات موضوع معین، و هو لا یتم إلا فی الوقت الذی یکون المتکلم بحاجة الی تصدیق المخاطب بکلامه. فعندما یحتمل المتکلم ان السامع قد لا یصدق کلامه یقسم له حتی لا یدع مجالاً امام السامع للتکذیب و الشک و التردید. أما الله سبحانه فلا حاجة عنده الی قبول کلامه من قبل عباده، بل إن عبیده بحاجه الی الإیمان و القبول و العمل بالقوانین و الأوامر الإلهیة و لا یعود النفع الا لهم.

2ـ لا یقسم الناس بطبیعة الحال إلا بالموجودات المقدسة و العزیزة أو التی تکون ذات أهمیة فائقة، لکی نجد أقسام الله فی القرآن قد تکون بموجودات لا یخصها الناس بأی عزةٍ أو تقدیس.

ه) فلسفة و أسرار أقسام الله سبحانه:

إن الله سبحانه و تعالی أصدق الصادقین، لکنه استعمل القسم فی کلامه لحکم و أهداف عالیة نشیر إلی بعضها فیما یلی:ـ

1ـ بیان عظمة مورد القسم: القسم دائماً لا یکون إلّا علی أمور قیمة و مهمة لذلک فأقسام القرآن جاءت لتبیّن عظمة و أهمیة الأمور التی قسم علیها: [8] کقوله تعالى"یس *وَ الْقُرْآنِ الْحَکیمِ" [9] و هذا ما یدعو للتفکر فی "المقسم به"، التفکر الذی یصل بالإنسان الی حقائق جدیدة تفتح أمامه السبل للوصول الی الله سبحانه. [10]

2ـ التأکید: القسم دائماً یدل علی التأکید علی ما یُقسم علیه و اهمیة البالغة و یدل کذلک علی المراد الجدی و المؤکّد لله سبحانه. [11] فقد قسم الله علی وعید الکفار بالعقاب بقوله " وَ یَسْتَنْبِئُونَکَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إی وَ رَبِّی إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزین‏"؛[12] و بما أن الآیات السابقة ذکرت مسألة یوم القیامة و أحقیة القرآن و الرسالة المحمدیة (ص) و کذلک وقوع الثواب و العقاب. فکان القسم هنا بمثابة تأکید الله سبحانه علی ما ذکره سابقاً؛ لأن هذا کان العرف السائد لدی العرب، إذ کانوا یؤکدون علی الأحداث و الکلام بالقسم و قد ارشد الله سبحانه نبیه محمد(ص) الی هذه الطریقة. [13]

3ـ التأثیر فی المخاطب: فکلما کان المتکلم یبیّن کلامه بشکل قاطع، کان له تأثیر أکبر فی قلب السامع، و هذا ما قرّر فی علم النفس، فیزیى المؤمنین إیماناً و المنکرین ضعفاً و لینا.[14]

4ـ الإستدلال: نتوصل بالتدقیق فی بعض أقسام القرآن الکریم الی أن هذه الأقسام هی نوع استدلال؛ کما یقول الکاتب: أقسم بکتابی الذی کتبته، و کقوله تعالى "و القرآن الحکیم إنک لمن المرسلین" حیث إن القرآن الکریم أکبر معجزة للنبی (ص) و أفضل دلیل علی نبوة من جاء به لذلک صار مجالاً للقسم. ففی الحقیقة إن هذا القسم نوع استدلال علی النبوة.[15]

5ـ إتمام الحجة: فی بعض الایات القرآنیة یکون هدف الله سبحانه من ذکر القسم هو إتمام الحجة علی الأفراد کما یقول: "فَلا وَ رَبِّکَ لا یُؤْمِنُونَ حَتَّى یُحَکِّمُوکَ فیما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لا یَجِدُوا فی‏ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَیْتَ وَ یُسَلِّمُوا تَسْلیما" [16]، او الآیة الشریفة "فَوَ رَبِّکَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعینَ "؛[17]

6ـ إثبات المُقسم علیه و الإلتفات الی واقعیة و أحقیة ما قُسم علیه خصوصاً إذا کان من موارد الإنکار و الشک و التردید أو کانوا یعتبرونه من الأوهام و الخیالات؛ مثل الملائکة و یوم القیامة و الروح و ضمیرالإنسان( ای نفسه اللوامه و الناطقة) و غیرها حیث یقول عزّ من قائل: " وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِراتِ زَجْراً * فَالتَّالِیاتِ ذِکْراً * إِنَّ إِلهَکُمْ لَواحِدٌ * رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُما وَ رَبُّ الْمَشارِقِ"؛ [18]

7ـ توجیه الناس الی المنافع و الفوائد الکثیرة للاشیاء التی یُقسم بها (المقسم به) کالشمس و القمر و النجوم و اللیل و النهار بل و حتی التین و الزیتون.

8ـ ردّ الأفکار الخرافیة و العقائد الجاهلیة التی کانت موجودة عند عرب الجاهلیة بل قد نجدها الآن عند البشرالمتحضر؛ فمثلاً کان العرب فی العصر الجاهلی یعتبرون وقت العصر غیر مبارک و العمل و طلب الرزق فیه مشؤوما و قد أدّت هذه العقیدة الجاهلیة الی الأضرار الإقتصادیة و الإجتماعیة و الأخلاقیة الکثیرة. الجیل المعاصر کذلک کأجیال کل العصور نجده یشکو من دهره و عصره، [19] و یتصور عدم إمکان عمل الخیر فیه. الله سبحانه و تعالی ردّ کلّ هذه الأوهام و الخرافات بقسمه بالعصر الذی یعطی – على بعض التفاسیر- معنی ما بعد الظهر و کذلک الدهر و الزمن.



[1]  معجم عمید، تحت کلمة سوکند.

[2]  راجعوا کتب اللغة (مفردة القسم).

[3]  الأنبیاء، 57.

[4]  یوسف، 91.

[5]  الشعراء، 44.

[6]  الأعراف، 21.

[7]  هاشم زادة الهریسی، هاشم، معرفة سور القرآن، ص23-24، مکتبة صدر، 1373 ش.

[8]  مکارم الشیرازی، الشیخ ناصر، تفسیر الأمثل، ج14، ص829.

[9]  یس، 1 و 2.

[10]  مکارم الشیرازی، الشیخ ناصر، تفسیر الأمثل، 20، ص231.

[11] مکارم الشیرازی، الشیخ ناصر، تفسیر الأمثل، ج14، ص829.

[12]  یونس، 53.

[13]  الفخر الرازی، التفسیر الکبیر، 32 جلد، الطبعة الأولی، ج17، ص111.

[14]  مکارم الشیرازی، الشیخ ناصر، تفسیر الأمثل، ج14، ص 278-279.

[15]  القرشی، سید علی أکبر، تفسیر أحسن الحدیث، ج10، ص33، مؤسسة البعثة، طهران، الطبعة 1377.

[16]  النساء، 65.

[17]  الحجر، 92.

[18]  الصافات، 5-1.

[19]  العصر، 1.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...