Please Wait
6439
1. العصمة عبارة عن :" وجود أمر فی الإنسان المعصوم یصونه عن الوقوع فیما لا یجوز- الوقوع فیه- من الخطإ أو المعصیة". و هذا الامر ناتج عن علم المعصوم بعواقب الذنوب السیئة، او بسبب سمو مرتبة المعرفة بالله تعالى و کماله و الوله بالله تعالى و ادراک جماله و جلاله سبحانه.
2. العصمة على نوعین: عصمة علمیة وعصمة عملیة، و هذان النوعان منفصلان عن بعضهما ذاتا و حقیقة، اما الانبیاء فهم یملکون کلا النوعین من العصمة، بمعنى انه کما ان عملهم و سلوکهم صالح و مطابق للواقع کذلک علمهم و معرفتهم صائبة و نابعة من مبادئ لاسبیل للسهو و الخطأ و الاشتباه و النسیان الیها.
3. ان مقام العصمة لم یکن مقاما ذاتیا و منحصرا بفرد ما، بل هو مقام مکتسب من قبل الانسان و لابد للانسان من اجل الوصول الى هذا المقام السامی و نیل هذه المرتبة ان یتحمل المشاق و یکابد المعاناة و السعی و المثابرة و المجاهدات الکثیرة هذا اوّلا، و ثانیا انه یمکن لغیر ائمة الدین و الانبیاء ان ینالوا هذا المقام و تلک المنزلة، نعم هناک مناصب خاصة مثل النبوة و الامامة تعتبر مناصب منحصرة؛ یعنى انه لایمکن لکل معصوم ان یصل الى تلک المناصب.
4. ان الامر الذی أدى الى ان تثار مسألة ثواب المعصوم و ما هو المبرر لمنحه الثواب، هو ان البعض انطلق من فکرة مؤداها أنه اذا کانت العصمة تفضلیة فهذا؛ یعنی ان المعصوم مصون ذاتا عن الذنوب و المعاصی، و اذا کان کذلک فهو لایستحق الثواب لانه لایمتلک المیل و القدرة على ارتکاب الذنوب ذاتا و ان شأنه شأن الملائکة!،و لکن لابد من الالتفات الى ان ملکة العصمة لیست ملکة ذاتیة، بل ان صدور الذنب من المعصوم لیس بالامر المحال و ان المعصومین من سنخ البشر یمکن ان یصدر منهم الخطا و یقع منهم الذنب و انهم لیسوا من سنخ الملائکة، و انهم لایذنبون باختیارهم و ارادتهم و ان هذا ناشئ من ایمانهم و اعتقادهم الراسخ و الکامل بالله تعالى و عالم الغیب و هو الذی یردعهم عن ارتکاب المعاصی، بل انهم لایسمحون للتفکیر بالمعصیة و ارتکاب الذنوب ان یخطر ببالهم، و ذلک لان المعصوم یدرک جیدا فداحة الذنب و قبح الخطیئة، من هنا یکون المعصوم مستحقا للثواب امام کف النفس و زجرها عن ارتکاب المعاصی و الوقوع فی الخطایا و المحرمات و شهوات النفس شأنه شأن غیر المعصوم، بل یمکن ان ندعی ان ثواب المعصوم یکون مضاعفا، و ذلک لانه عندما یمسک نفسه عن المعصیة یقوم بعملین فی آن واحد. العمل الاوّل حفظ نفسه من الذنوب و عدم الخضوع للمعاصی، و الآخر انه یقوم بالمحافظة على قیمة المنصب و صیانة حرمة المقام الذی هو فیه و عدم هتک حرمة مقام النبوة او الامامة. کما انه لو فرضنا جدلا انه ارتکب المعصیة فانه سیضاعف له العذاب و ذلک لانه ارتکب المعصیة اوّلا و ثانیا انه لم یراعی المقام الالهی الذی هو فیه و انتهک حرمته.
و على کل حال فان العصمة لاتنافی نیل الاجر و الثواب من الله تعالى.
لکی تتضح الاجابة عن السؤال لابد من بیان حقیقة العصمة[1] اوّلا،و معرفة العصمة من الذنب لدى المعصومین.
یقول العلامة الطباطبائی:" نعنی بالعصمة وجود أمر فی الإنسان المعصوم یصونه عن الوقوع فیما لا یجوز من الخطإ أو المعصیة"[2].علما انه (قدس) یذهب الى العصمة المطلقة للانبیاء الالهیین و الاولیاء و المهتدین بالهدایة الخاصة، و ان العصمة من الخطأ لها مصادیق کثیرة یمکن ان تشمل اقسام العصمة، لکن باعتبار ان السؤال انصب على العصمة من الذنوب من هنا نترک الحدیث عن سائر اقسام و انواع العصمة و نحیل القارئ الى مراجعة المصادر التالیة[3]، و انه (قدس) یذهب الى ان العصمة نتیجة علم المعصوم حیث قال:" ظاهر الآیة أن الأمر الذی تتحقق به العصمة نوع من العلم یمنع صاحبه عن التلبس بالمعصیة و الخطإ، و بعبارة أخرى: علم مانع عن الضلال. ثم قال: و من هنا یظهر أن هذه القوة المسماة بقوة العصمة سبب شعوری علمی غیر مغلوب البتة، و لو کانت من قبیل ما نتعارفه من أقسام الشعور و الإدراک لتسرب إلیها التخلف، و خبطت فی أثرها أحیانا، فهذا العلم من غیر سنخ سائر العلوم و الإدراکات المتعارفة التی تقبل الاکتساب و التعلم"[4].
و هناک نظریة اخرى فی تفسیر العصمة تذهب الى ان الانسان المعصوم و بسبب معرفته القصوى بمعدن الکمال المطلق و جماله و جلاله و استشعاره بعظمة الخالق و تفانیه فی معرفته و عشقه و علمه بجلیل نعمائه، یجد فی نفسه انجذابا نحو الحق و تعلقا خاصا به بحیث لایستبدل برضاه شیئا، و هذا الکمال المطلق یؤجج فی نفسه نیران الشوق و المحبة و یدفعه الى ان لا یبتغی سواه، و لایطلب سوى اطاعة امره و امتثال نهیه، فلا یرتکب المعاصی مطلقا، بل لا یفکر فیها ابدا و لایحوم حولها".[5]
و حاصل النظریتین: انه توجد لدى المعصوم ملکة نفسانیة راسخة تطرد من نفسه کل انواع التجری و المخالفة و العصیان و تصونه دائما من الوقوع فی الذنوب و الانحرافات.
انواع العصمة
تنقسم العصمة الى نوعین: العصمة العلمیة و العصمة العملیة، و هذان النوعان یختلف بعضهما عن البعض الاخر ذاتا و حقیقة، فقد یکون البعض معصوما فی ملکة العلم[6] و لکنه فی مقام العمل غیر معصوم و العکس صحیح، و اما العصمة المتوفرة لدى الانبیاء فهی تتوفر على کلا النوعین فهم معصومون علما و عملا، بمعنى ان عملهم صالح و مطابق للواقع و علمهم صائب و ناشئ من مبادئ لایتطرق الیها الاشتباه و السهو و النسیان، و ذلک لانهم وصلوا الى مرحلة العقل المجرد و الشهود المحض و الکشف الصحیح و من المعلوم ان الوهم و الخیال تابعان فی هذه المرحلة للعقل فلا مجال للوساوس الشیطانیة و لاطریق لها الى نفوسهم. لان منهل الجهل و الشیطنة و التوهمات منحصر بالوهم و الخیال فقط و دائرة الوهم و الخیال هی نفس التعلق و التبعیة لعالم الطبیعة، و اما فی دائرة العقل الخالص فلا مجال للشیطان الى الوهم و الخیال لیعمل خدیعته، فاذا تجاوز الانسان عالم المادة و الخیال و الوهم و وصل الى منبع الحقائق حینئذ یمکن ان یکون معصوما و ینال مرتبة العصمة و تصل نفسه الناطقة بسبب الشدة الوجودیة الى مرتبة الملائکة او افضل منها مرتبة.[7]
العصمة لست ذاتیة و لامنحصرة
المسألة الاخرى التی ینبغی الالتفات الیها هی، ان ملکة " العصمة" و ان کانت تفضلا و لطفا من الله تعالى، و لکن تبقى ملکة العصمة غیر ذاتیة و لامنحصرة، بل هی امر اختیاری و ان غیر الانبیاء یمکنهم نیل تلک الملکة، و ذلک لان طریق ریاضة النفس و مجاهدتها مفتوح امام الجمیع و ان الکل بامکانهم الاستفادة منه و لقد اشار القرآن الکریم الى هذا المعنى بقوله تعالى: «یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقانا»[8] فبتهذیب النفس و رعایة التقوى و مراقبة الاعضاء و الجوارح و الخواطر النفسیة و الهواجس الشیطانیة و اکل لقمة الحلال و المراقبة و المحاسبة و... یستطیع الانسان نیل ملکة العصمة علما و عملا و یرتقی الى مراتب سامیة و امتلاک ارادة حدیدیة صلبة.
و الجدیر بالذکر ان هذا لا یعنی ان مقام النبوة و الامامة هو الآخر غیر منحصر، بل الصحیح ان مقام النبوة و الامامة امر منحصر، بمعنى انه لیس کل معصوم یمکنه نیل هذه المرتبة الراقیة، بل ان هذا المقام السامی و الحساس لایوکله الله تعالى الى کل انسان بل لایوکله الى کل معصوم و انما یختار له اشخاصا معینین.[9]
العصمة امر اکتسابی
ان مفتاح حل مشکلة التنافی بین العصمة التفضلیة و بین استحقاق الثواب، یکمن فی الالتفات الى ان عصمة الانبیاء و الائمة و سائر المعصومین لیست امرا ذاتیا بل هی قضیة اکتسابیة و انها ناشئة من الایمان الراسخ و الاعتقاد الکامل لدى الاشخاص الکاملین حیث انهم یشعرون دائما انهم فی محضر الله تعالى و انه یعلم بکل صغیرة و کبیرة و لایعزب عن علمه مثقال ذرة و انه تعالى محیط بکل شیء، من هنا یکون امتناع صدور الذنب من المعصومین لیس أمرا ذاتیا، لانه لو کان ذاتیا لکان غیر مقدور، و اذا لم یکن مقدورا لا یتعلق التکلیف به.
و اذا کان الذنب و المعصیة محالا ذاتا، حینئذ تکون الطاعة و الانقیاد الذاتی امرا ضروریا! و بالنتیجة لا یتعلق التکلیف بالطاعة فلا مجال للانذار و التبشیر و الوعد و الوعید، و من هذا المنطلق یفسر عدم تکلیف الملائکة لان عصمتهم ذاتیة لا اختیاریة.
اما فی ملکة العصمة المکتسبة فیکون الاختیار موجودا دائما و ان بامکان الانسان- قبل الاقدام- اختیار الفعل او الترک و هذه قضیة ممکنة للمعصوم ایضا، ثم ان صدور الذنب من المعصوم و ان کان محالا عادة و لکنه على کل حال یبقى امتناعه عن المعصیة امتناعا اختیاریا لایتنافى مع الاختیار، و ذلک بدلیل ان المعصوم یرى قبح الذنوب و قیامتها و ان جمیع خواطره رحمانیة غیر شیطانیة.[10]
اتضح ان المعصوم لا یختلف عن سائر الناس فی استحقاق الثواب قبال الاجتناب عن المعاصی و الذنوب و ان حاله حال سائر الناس «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحى إِلَی...»[11] و لکن فی ظل عنایة الله و فضله و فی اطار الایمان الکامل و العشق الالهی و اعلا درجات التقوى نال مقام العصمة، و لکن ذلک لایعنی بحال من الاحوال سلب الاختیار منه، فهو فی کل زمان یشاء ان یعصی یمکن ان تصدر منه المعصیة، و لکنه باختیاره و بالاستعانة بالمدد الالهی و بارادته القویة یقف امام تسویلات النفس الامارة و یصمد امام وساوس الشیطان و یصون نفسه عن الذنوب و المعاصی، و انه ینال ثواب ذلک الموقف و الصمود امام شهوات النفس الامارة من قبل الله تعالى.
بل یمکن القول: ان ثواب المعصوم یکون مضاعفا لان العمل الحسن من امثال هؤلاء الناس یعطی نتیجتین: الاولى صیانة النفس و الوقوف امام شهواتها و ملذاتها و الثانیة صیانة و رعایة حرمة المقام الذی هو فیه، کما انه اذا صدر منه الذنب یضاعف له العذاب لانه بعمله- على فرض وقوعه- هذا ارتکب محذورین الاوّل انه اقترف المعصیة و الثانی انه هتک حرمة المقام و المنصب الالهی الذی هو فیه، من هنا نجد فی آیات الذکر الحکیم تحذیرا شدیدا للانبیاء و المرسلین کقوله تعالى مخاطبا نبیه(ص): «وَ لَقَدْ أُوحِیَ إِلَیْکَ وَ إِلَى الَّذینَ مِنْ قَبْلِکَ لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ وَ لَتَکُونَنَّ مِنَ الْخاسِرین».[12]
و بالنتیجة: انه لاتنافی بین العصمة و بین الاجر و الثواب الالهی، و ان المعصوم ینال ثواب اعماله الصالحة التی یقوم بها و ثواب صیانة النفس عن الهوى و الوقوع فی الشهوات.
[1] مواضیع ذات صلة: عصمة الانبیاء، 997، الآیات الدالة على عصمة الانبیاء و عدمها فی القرآن، عصمة الناس العادیین 785.
[2]الطباطبائی،محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 2، ص، 135.
[3] انظر: المصدر السابق، ج 2،ص134-136؛ج 5،ص 75-77؛جوادی الآملی،عبد الله، تفسیر موضوعى قرآن کریم" التفسیر الموضوعی للقرآن الکریم"، ج 3، ص 292 - 197.
[4] الطباطبائی،محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 5، ص78 -79.
[5] السبحانی، جعفر، الفکر الخالد فی معرفة العقائد، ج 1، ص217-221.
[6] الجدیر بالذکر ان العصمة العملیة وان کانت ممکنة التحقق لغیر المعصوم، لکن یذهب اکثر العلماء الی ان العصمة العلمیة غیر ممکنة التحقق لغیر المعصوم.
[7] جوادى الآملی، تفسیر موضوعى قرآن مجید" التفسیر الموضوعی للقرآن الکریم"، ج 3، ص 202 – 199،بتصرف.
[8] الانفال،29.
[9] جوادى الآملی، تفسیر موضوعى قرآن مجید" التفسیر الموضوعی للقرآن الکریم"، ج 3، ص 208.
[10] نفس المصدر، ص 208-209 بتلخیص و تصرف یسیر.
[11] الکهف،110.
[12] الزمر،65.