Please Wait
6380
المعاد بمعنى البعث بعد الموت؛ إذ یحیا الإنسان من جدید و یحاسب فی حیاة جدیدة. و قد اتفق على هذه العقیدة ـ بغض النظر عن تفاصیلها ـ کل المتکلمین و الفلاسفة الإلهیین و یعتقد بها کل مسلم بموجب القرآن. أما کیفیة المعاد فقد أکد الإسلام على جسمانیته؛ و جسمانیته تعنی أن الإنسان الذی یحشر فی المعاد هو نفسه الموجود فی عالم الدنیا، و الذی یحشر یوم القیامة هو نفسه المتجسد فی هذه الدنیا کحقیقة مرکبة من الروح و الجسم.
اکتفى المتکلمون فی مسألة المعاد الجسمانی بالأدلة النقلیة و اعتبروها مسألة تعبدیة، لکن بعض الفلاسفة و خاصة أتباع مدرسة "المشاء" تناولوا المعاد الجسمانی بالبحث و التحقیق و الدراسة العقلیة؛ و لأنهم ما استطاعوا أن یحلوا إشکالات المعاد الجسمانی من قبیل إشکال إعادة المعدوم، اضطروا إلى إنکار المعاد الجسمانی أو أن یعتبروا إثباته الفلسفی أمراً غیر ممکن.
و هناک فلاسفة آخرون ذهبوا إلى طریق خاص لإثبات المعاد الجسمانی؛ فعلى سبیل المثال اعتقد ملاصدرا الشیرازی أن الجسم الذی یحشر فی المعاد هو جسم لطیف مثل الجسم الدنیوی، لکن یحظى بالاستعداد اللازم للحیاة الأبدیة و قد سماه الجسم المثالی.
إحدى المسائل المهمة التی آمنت بها الأدیان و المتکلمون و الفلاسفة منذ عهد بعید هی مسألة المعاد و الحیاة بعد الموت. إن أتباع الأدیان جمیعا یعتقدون بالحیاة بعد الموت و یعتبرونها من القضایا الرئیسة فی دینهم. المعاد فی الإسلام بمعنى البعث بعد الموت، إذ یحیا الإنسان من جدید و یحاسب فی حیاة جدیدة، و بالتالی ینال المحسنون ثوابهم فیدخلون الجنة و ینالون ما فیها من نعم أخرویة و یدخل المسیؤون جهنم بما کسبوا من قبائح. و قد اتفق على هذه العقیدة ـ بغض النظر عن تفاصیلها ـ کل المتکلمین و الفلاسفة الإلهیین و یعتقد بها کل مسلم یؤمن بالقرآن الکریم.
إثبات أصل العاد
لقد أقیمت براهین عدیدة فی علم الکلام و الفلسفة لإثبات أصل المعاد و لم یکن هناک اختلاف أجمالاً. هنا نشیر إلى نماذج من هذه البراهین:
المعاد أمر ضروری و حقیقة لازمة لا تنفک عن الخلقة، إذ لا یمکن أن تکون الحرکة فی عالم الوجود و إرادة الإنسان فی حرکتها التکاملیة بلا غایة، فلا بد لحیاة الإنسان المؤقتة من أن یکون لها هدف إلى الکمال، لا أن تتوقف فجأة و تتحول إلى ضیاع و بطلان. و نفس هذه القضیة صادقة على الخلق کله. فمن هذا المنطلق لیس البعث خاصاً بالإنسان وحده بل هو أمر یشمل جمیع عالم الوجود. کما قال تعالى فی کتابه الکریم: «و ما خلقنا السماءَ و الارضَ و ما بَینَهما باطلاً ذلک ظنُّ الذینَ کفروا فَویلٌ للذینَ کفروا مِن النّار» [1]
و من أهم البراهین على ضرورة المعاد هو مقتضى العدل الإلهی، لأنه إن لم یکن یوم الحساب و لا عقاب و لا ثواب بعد الموت، فلازمه هو المساواة بین المطیع و العاصی و لاریب ان الله سبحانه الله منزه عن ذلک الفعل، إذ یفرض العدل الإلهی أن ینال الصالحون ثوابهم الأخروی و ینال المجرمون نتیجة سیئاتهم.
الجدیر بالذکر أنه مضافا إلى الأدلة الکلامیة و الفلسفیة حول المعاد، من أهم المواضیع التی لها ارتباط وثیق بمسألة المعاد هی إثبات الروح للإنسان و إثبات الحیاة البرزخیة. لأن مقتضى وجود الروح المجرد فی الإنسان هو أن لا تتوقف حرکته بعد الموت بل سوف یستمر فی حیاته فی نظام أخروی بما یتناسب مع ما اکتسبت یداه.
کیفیة المعاد
و أما بالنسبة إلى کیفیة المعاد فما یعتقده أکثر أصحاب الأدیان هو جسمانیته و فی الإسلام أیضا جاء التأکید على نفس هذه العقیدة. و معنى جسمانیة المعاد هو أن یکون الإنسان الذی یحشر فی المعاد نفسه الموجود فی عالم الدنیا و الذی یبعث یوم القیامة نفس الإنسان المتجسد فی الدنیا بحیث کل من یراه یوم القیامة یقول إن هذا، نفس الإنسان الذی کان فی الدنیا أی نفس الحقیقة المرکبة من الروح والجسم.
کل الأدلة التی أقامها المتکلمون على المعاد إنما هی فی أصل وقوع المعاد، و أما بالنسبة إلى جسمانیة المعاد فقد اکتفوا بالأدلة النقلیة و اعتبروها قضیة تعبدیة. کما فی التفاصیل الأخرى للمعاد من قبیل الجنة و النار و الصراط و المیزان یعتقدون أن الإیمان بأصل هذه الأمور کاف و لا داعی للتفتیش عن کیفیتها و تناولها بالبحوث العقلیة لان هذا یؤدی إلى الوقوع فی الشبهات. [2] و من جانب آخر تناول الفلاسفة المعاد الجسمانی من الجانب العقلی و خرج کل واحد منهم بنظریة خاصة حول المسألة.
المعاد الروحانی والجسمانی فی الفلسفة
اعتقد بعض الفلاسفة و خاصة أتباع مدرسة "المشاء" بالمعاد الروحانی فقط و قالوا: تنقطع علاقة الروح بالجسم بعد الموت لکن باعتبار أن الروح موجود لا مادة له و لا سبیل لأی فناء و عدم إلیه ، فسیبقى الروح بعد قطع علاقته بالجسم. [3] إن هؤلاء لأنهم ما استطاعوا أن یحلوا إشکالات المعاد الجسمانی من قبیل إشکال إعادة المعدوم، فاضطروا إلى إنکار المعاد الجسمانی أو أن یعتبروا إثباته الفلسفی أمراً غیر ممکن.
یقول ابن سینا: "یجب أن تعلم أن المعاد منه ما هو منقول من الشرع و لا سبیل إلى إثباته إلا من طریق الشریعة وتصدیق خبر النبوة و هو الذی للبدن عند البعث وخیرات البدن و شروره معلومة لا تحتاج إلى أن تعلم... و منه ما هو مدرک بالعقل وا لقیاس البرهانی و قد صدقته النبوة و هو السعادة و الشقاوة الثابتتان بالمقاییس اللتان للأنفس. [4]
واختار آخرون من الفلاسفة منهجاً خاصاً لإثبات المعاد الجسمانی. من جملة هؤلاء ملاصدرا الشیرازی حیث اعتقد أن الجسم الذی سوف یبعث فی المعاد هو جسم لطیف مثل الجسم الدنیوی من کل الجهات، لکن یحظى بالاستعداد اللازم للحیاة الأبدیة و قد سماه الجسم المثالی. ومن الفلاسفة المشهورین الذین یعتقدون بالمعاد بالجسم المثالی هو الشیخ شهاب الدین السهروردی، [5] مع هذا الفارق و هو أن نظریة ملاصدرا تحتوی على مقدمات عقلیة کثیرة و من خلالها یثبت أن حقیقة جسم الإنسان هو الجسم المثالی. و إن یستفاد من کلام ملاصدرا أحیانا بأنه یعتقد بمعاد الجسم العنصری الدنیوی، إلا أنه فی أکثر آثاره تجده یؤکد على المعاد بالجسم المثالی و قد أثبت جسمانیة الحیاة الأخرویة من خلال إثبات جمیع الخواص الجسمانیة للجسم المثالی مضافا إلى أنه یحظى بهذه الآثار بشکل ألطف وأشد.
للحصول على المزید من المعلومات حول المعاد راجع المواضیع التالیة:
1ـ المعاد الجسمانی، سؤال 6234 (الموقع: 6492).
2ـ الجسم المحشور فی المعاد الجسمانی، سؤال 6335 (الموقع: 6502)
3ـ أدلة إثبات المعاد، سؤال 4730 (الموقع: 5010).
[1] ص 38، 27.
[2] المظفر، محمد رضا، عقائد ال إ مامیة، ص 127، انتشارات الشریف الرضی، قم، 1411.
[3] السبحانی، جعفر، عقائد اسلامی در پرتو قرآن، ص582، نشر مکتب الأعلام الإسلامی، قم، 1379.
[4] یثربی، سید یحیی ، فلسفه مشاء، نشر مکتب الإعلام الإسلامی مؤسسة بوستان کتاب، الطبعة الثانیة، 1386، ص 313 نقلا عن ابن سینا ، إلهیات الشفاء، المقالة التاسعة، الفصل الثامن، فی معاد الأنفس الإنسانیة.
[5] عقائد اسلامی در پرتو قرآن، ص582.