یجب الالتفات لهذه النکتة أولاً و هی أن هذه الدنیا –التی یختلف أهلها حیث من جهة نری المتدیّنین و المعتقدین بالله و المعاد، و من جهة أخری نری من لم یصل الی هذه المرتبة الایمانیة و العقائدیة- نجدها دائماً مملوءة بعدم الملاءمات و التکیفات و عدم قبول البعض للبعض الآخر، لذلک نجد حتی الأنبیاء و أولیاء الله مع کل صفاتهم الاخلاقیة الرفیعة و حفظهم للأمانة لم یکونوا فی یوم من الأیام مورد قبول الأمّة بشکل کامل و لم ینالوا رضا الجمیع و ودّهم، لکن مع هذا یمکن کسب محبة المخالفین بنسبة ما یسمّی التعامل مع المواطنین الآخرین.

علی هذا یُمکن تنظیم الجواب عن هذا السؤال فی ثلاثة أقسام:

1- ما یجب الالتفات إلیه هنا هو أن کل البشر یحتاجون للدین الکامل و ذلک لأجل تأمین احتیاجاتهم الفطریة، و من إحدی الحاجات الفطریة الإنسانیة هی (المحبة و المودة) و ذلک یعنی أن الإنسان یحب نفسه و یحب أن یحبه الآخرون، لکن یجب أن تکون هذه المحبة فی ظل و حمایة المحبة للموجود الأکمل.

فالشخص الذی یعمر قلبه المحبة الإلهیة عن صدق و معرفة لابد أن یکون محبوباً فی عین الآخرین، لأن الناس فطروا علی المحبة الإلهیة، نعم، من کان صادقاً فی حبه لله یجعل الله کفایته فی نفسه فلا یحتاج الی محبة الآخرین و یری نفسه فی غنیً عنها، و أنت أیضاً إذا جعلت حبک فی مسیر الوصول الی القرب الإلهی، و تنظر الی المحبة بالنظرة الإلهیة، سوف لا تتأثر و لا تتضرّر بعدم اهتمام الآخرین بکل و ستصل بسبب هذا الأمر الی الآثار المعنویة السامیة.

2- لقد بیّن القرآن الکریم طرق المحبة بین المؤمنین بالآیة المبارکة "إِنَّ الَّذینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَیَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا" [1] فطبقاً لهذه الآیة المبارکة جعل الله عامل المحبة بین الآخرین الإیمان القلبی بالله سبحانه و کذلک العمل الصالح، و الدعاء اللسانی إنما یؤثّر مع توفر هذین الشرطین. إذن، فالمؤمنون المخلصون فی إیمانهم، الذین تکون أعمالهم صالحة و خالصة لله سبحانه، سیجعل الله لهم محبة و مودة فی قلوب الآخرین.

3- قد جاء فی بعض الروایات أعمال و أذکار للمحبة بین الآخرین، و هذه لا تؤثّر إلا بما بیّنا سابقاً، فعن أمیر المؤمنین علی (ع) أنه قال: "من تألّف الناس أحبوه" [2] أی من کانت معاملته مع الناس علی أساس الالفة و المحبة، -حظی بمحبة الناس و إلفتهم. و عن الإمام الباقر (ع): "البشر الحسن و طلاقة الوجه مکسبة لمحبة الله عزّ و جل". [3] و عن الإمام الصادق (ع): "من کان یدمن علی قراءة و النجم فی کل یوم أو فی کل لیلة عاش محموداً بین الناس، و کان و کان مغفوراً له، و کان محبوباً بین الناس". [4]

لمزید من الاطلاع راجعوا المواضیع التالیة:

1- "طریقة معاشرة الآخرین"، السؤال 16817 (الموقع: 16534).

2- "دور الدین فی الدنیا الحدیثة المتحولة"، السؤال 16615 (الموقع: 16392).

3- "علاقة الإنسان، الدین و الدنیا"، السؤال 11472 (الموقع: 11473).

4- "خصوصیات المواطن فی المجتمع الإسلامی"، السؤال 1400 (الموقع: 2503).