بحث متقدم
الزيارة
10324
محدثة عن: 2009/12/31
خلاصة السؤال
هل مفهوم رؤية الله بعين البصيرة يرادف مفهوم الشهود القلبي؟
السؤال
هل حديث البصيرة المروي عن أمير المؤمنين (ع) يرادف مفهوم الشهود القلبي؟ و ما هي العلاقة بين الكلمة الطيبة "لا إله الا الله" و بين الشهود؟ و على فرض عدم تمكن الكثير من الناس من المشاهدة القلبية فهل تعد هذه الكلمة ميثاقاً يجب على الانسان الوصول اليه عندما يتلفظ بتلك الكلمة؟
الجواب الإجمالي

ما روي عن أمير المؤمنين (ع) من حديث البصيرة يرتبط بقضية البحث عن رؤية الله تعالى، الذي يعد من الابحاث التي أثارها المتكلمون، فاختلف كلمة الباحثين فيها و تعددت آراء الفرق و المذاهب حولها، الا ان القول الحق يتمثل بالتفريق بين الرؤيتين البصرية و القلبية و استحالة الاولى و إمكان الثانية، بل الثانية قد نزلت الى حيز الواقع من قبل الاولياء الالهيين، و المراد منها هنا تجلي الله تعالى في مخلوقاته و مظاهر الاسماء و الصفات، لا رؤية كنه ذاته تعالى. و هذه الرؤية نفس المعرفة الشهودية بالله تعالى و التي ورد التعبير عنها في لسان الروايات بالرؤية القلبية.

و المعرفة القلبية بالله تعني مشاهدة تجليات الحق تعالى، و قد صنفها العرفاء على عدة مراتب تختتم المرتبة الاخيرة منها ( مرتبة الفناء و البقاء) بالتجلي الذاتي لله تعالى.

و هناك سؤال آخر يطرح في هذا المجال و هو: ما العلاقة بين مسألة الشهود أو الرؤية القلبية لله و بين كلمة " لا إله الا الله" التوحيد؟

وجوابه أن المعيار من الزاوية العملية يمكن في درجة الاخلاص، و أنه اذا أخلص الانسان في توحيده و الاعتقاد بكلمة لا إله الا الله، إنطلاقاً من المعرفة لا التقليد و التبعية و لا مجرد لقلقة لسان و ترديد الفاظ، كان درجة انفتاحه على الله تعالى أكمل، و ازدادت التجليات الالهية في قلبه. و بعبارة أخرى: كلما نفى ما سوى الله " لا إله" و إثبت "الا الله" في نفسه إرتقت مرتبة التجلي الالهي في نفسه.

الجواب التفصيلي

ما روي عن أمير المؤمنين (ع) من حديث البصيرة يرتبط بقضية البحث عن رؤية الله تعالى، الذي يعد من الابحاث التي أثار المتكلمون الجدل حولها في الصدر الاول من الاسلام، فذهب كل فريق الى تبني رأي من الآراء في هذا المجال.[1]

كذلك ورد في أكثر من موضع من القرآن الكريم الحديث عن "لقاء الله" و "النظر الى وجه الله" و هناك ابواب مستقلة في المصادر الحديثية تختص بالحديث عن رؤية الله نفياً و إثباتاً. من هنا اختلف كلمة الباحثين في هذا الشأن و تعددت آراء الفرق و المذاهب فيها، الا ان القول الحق يتمثل في التفريق بين الرؤيتين البصرية و القلبية و القول باستحالة الاولى و إمكان الثانية، بل الثانية قد نزلت الى حيز الواقع من قبل الاولياء الالهيين، و المراد منها هنا تجلي الله تعالى في مخلوقاته و مظاهر الاسماء و الصفات، لا رؤية كنه ذاته تعالى.

و هذه الرؤية نفس المعرفة الشهودية بالله تعالى و التي ورد التعبير عنها في لسان الروايات بالرؤية القلبية، من قبيل ما روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "ما کنت اعبد ربّاً لم أره، قال: و کیف رأیته؟، قال: ویلک لاتدرکه العیون في مشاهدة الابصار و لکن رأته القلوب بحقائق الایمان".[2]

و المعرفة القلبية بالله تعني مشاهدة تجليات الحق تعالى، و قد صنفها العرفاء على عدة مراتب تختتم المرتبة الاخيرة منها ( مرتبة الفناء و البقاء) بالتجلي الذاتي لله تعالى.

و التقسيم الرائج لمراتب التجليات الالهية عبارة عن:  التجليات الذاتية، و الصفاتية و الافعالية؛ و التجليات الذاتية تنقسم بدورها الى تجليات الربوبية و الإلوهية.[3]

و يرى العرفاء أن التجلي الذي ظهر لموسى (ع) في جبل طور هو من نوع التجلي الربوبي لا التجلي الالوهي؛ و ذلك لان من شروط التجلي الإلوهي فناء أنانية العبد فناء تاماً، و مع بقاء الانانية يستحيل الوصول الى هذا النوع من الشهود.

انطلاقا من هذا التفسير يمكن القول: صحيح أنه تستحيل الرؤية البصرية، إلا ان الرؤية القلبية بمعنى شهود الحق في التلجليات الافعالية و الصفاتية متصورة؛ مع الاخذ بنظر الاعتبار أن الشهود الذاتي في مقام الالوهية لا يتم الا بفناء ذات العبد فناءً تاماً.

من هنا نعرف بأن للشهود القلبي مراتب مختلفة تعم السلوك و المقامات العرفانية، الا ان التجلي الالوهي الذاتي لله تعالى لا يتحقق الا بيقظة العارف، و إن كانت الحجب الظلمانية قد رفعت. و عليه فخطاب " لن تراني"[4] في رد طلب موسى (ع) لا يعني نفي مطلق الرؤية القلبية. نعم، اختص النبي الاكرم (ص) – كما يقول العرفاء- بحصول جميع التجليات له و على رأسها التجلي الالوهي الذاتي.

و من العرفاء الذين تعرضوا لهذه القضية العارف المشهور ابن عربي حيث قال: التجلي الذاتي على نوعين، التجلي الربوبي و التجلي الالوهي؛ و التجلي الربوبي هو ما تجلى لموسى (ع) في جبل طور الذي لم يكن فيه وجود موسى (ع) قد فني بالكامل حتى مع تلاشى الجبل و اندكاكه عندما تجلى له الله تعالى و خر موسى صعقا[5]، و أما التجلي الالوهي فمن مختصات الرسول الاكرم (ص) لفنائه في ذات الله تعالى، حتى قال تعالى بشأنه: " إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّه".[6]

و هنا يطرح السؤال التالي: ما العلاقة بين مسألة الشهود أو الرؤية القلبية لله و بين كلمة " لا إله الا الله التوحيد؟

قيل في مقام الاجابة عن السؤال المطروح بان الانسان يعيش في جميع مراتب التجلي - الأعم من التجلي الفعلي و الصفاتي و الذاتي- حالة طردية بين درجة الفناء في التوحيد الافعالي و الصفاتي و الذاتي و بين مرتبة التجلي الحاصلة له، فكلما ازدادت درجة الفناء إرتقى العبد الى مرتبة من الشهود أرفع من سابقتها، و كلما ضعفت نسبة فناء الذات كان مرتبة التجلي و الشهود أضعف.

و على هذا يكون المعيار من الزاوية العملية، أنه اذا أخلص الانسان في توحيده و الاعتقاد بكلمة لا إله الا الله، إنطلاقاً من المعرفة لا التقليد و التبعية و لا مجرد لقلقة لسان و ترديد الفاظ، كان درجة انفتاحه على الله تعالى أكمل، و ازدادت التجليات الالهية في قلبه. و بعبارة أخرى: كلما نفى ما سوى الله " لا إله" و إثبت "الا الله" في نفسه إرتقت مرتبة التجلي الالهي في نفسه.

فكلما ارتفعت درجة التوحيد، و التي من أرفعها التوحيد الوجودي – إنطلاقا من الايمان بانه لا وجود الا وجود الله تعالى (وحدة الوجود العرفانية)- زاد فناء أنانية العبد، و كانت النتيجة ارتقاء المرتبة الشهودية عنده، كما أوضحنا ذلك في التجلي الذاتي الالهي.

تحصل: أن مقام الشهود القلبي للحق تعالى يمثل الغاية القصوى و المرتبة العليا من مراتب السير التكاملي للانسان، التي لا ينالها العبد بمجرد الخوض في البراهين العقلية و الاستدلالات الفكرية فقط، و إنما تحتاج بالاضافة الى ذلك الى السير و الحركة الوجودية و يكون كدحه متجهاً نحو هذه الغاية، و هذا ما أشار اليه القرآن الكريم: " یا ایّها الانسان انّک کادحٌ الی ربّک کدحاً فملاقیه".[7]

 


[1] دائرة المعارف، التشیع، ج 8، ص 404 و 408 تا 409، نشر شهید حجتي، طهران، 1379ش.

[2] کافی، ج 1، ص 97، دارالکتب الاسلامیة، تهران، 1365.

[3] دائرة معارف بزرگ اسلامي، ج 14، ص 589 و 590. نشر مرکز دائرة المعارف الاسلامیة الکبری، الطبعة الاولی، 1385.

[4] الاعراف، 143.

[5] " فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى‏ صَعِقا" (الاعراف: 143)

[6] رسائل ابن عربي، رسالة الغوثیة، ص 29، مقدمه و تصحیح، مایل هروي، انتشارات مولی طهران، 1367.

[7] الانشاق، 6.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279425 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257202 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128128 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113209 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88981 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59817 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59532 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56847 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49711 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47155 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...