بحث متقدم
الزيارة
5600
محدثة عن: 2011/08/07
خلاصة السؤال
هل تعد التقوى من المفاهیم النسبیة و ان کل انسان یتوفر على مقدار ما منها؟ أم هی مطلقة تتطلب شرائط خاصة؟
السؤال
هل تعد التقوى من المفاهیم النسبیة و ان کل انسان یتوفر على مقدار ما منها؟ أم مطلقة تتطلب شرائط خاصة؟
الجواب الإجمالي

التقوى مأخوذة من مادة "وقى" تعنی الحفظ. والوِقَایَةُ لغة: حفظُ الشی‏ءِ ممّا یؤذیه و یضرّه.[i] و هی عندما علماء الاخلاق: الابتعاد عن المحرمات الالهیة. و المتقی من یبتعد عن المحرمات و النواهی الربانیة.

و للتقوى - کما یستنبط من المعارف الاسلامیة- مراتب و درجات و الشاهد على ذلک قوله تعالى: "اِنَّ اَکرَمَکُم عِندَاللهِ اَتقیکُم"[ii] 

وقد ورد التصریح فی کلمات الأئمة من أهل البیت (ع) بمراتب التقوى، منها ما روی عن الامام الصادق (ع) أنه قال: "التَّقوی عَلی ثَلاثَةِ اَوجُهٍ: تَقوی بِاللهِ وَهُوَ تَرکُ الحَلالِ فَضلاً عَنِ الشُّبهَةِ، وَهُوَ تَقوی خاصِّ الخاصِّ؛ وَتَقوی مِنَ اللهِ تَعالی وَهُوَ تَرکُ الشُّبهاتِ فَضلاً عَنِ الحَرامِ، وَهُوَ تَقوی الخَاصِّ؛ وَتَقوی مِن خَوفِ النَّارِ وَالعِقابِ وَهُوَ تَرکُ الحَرامُ، وَهُوَ تَقوی العامِ...".

فالمتحصل: أن التقوى من الامور النسبیة و أن کل انسان یکتسب مرتبته الخاصة تبعا لمقدار إرادته و جهاده فی هذه الطریق مع الامداد الغیبی طبعا، فکلما ابتعد الانسان عن المحرمات و المکروهات اکثر یحصل على التقوى بمقدار تلک الفاصلة و یقترب منه تعالى وفقا لتلک المرتبة التقوائیة.



[i] الراغب الاصفهانی، المفردات، مفردة "تقوی".

[ii] الحجرات، 13.

الجواب التفصيلي

التقوى مأخوذة من مادة "وقى" تعنی الحفظ. والوِقَایَةُ لغة: حفظُ الشی‏ءِ ممّا یؤذیه و یضرّه.[1] و هی عندما علماء الاخلاق: الابتعاد عن المحرمات الالهیة. و المتقی من یبتعد عن المحرمات و النواهی الربانیة.

و للتقوى - کما یستنبط من المعارف الاسلامیة- مراتب و درجات و الشاهد على ذلک قوله تعالى: "اِنَّ اَکرَمَکُم عِندَاللهِ اَتقیکُم"[2] 

قال تعالى فی کتابه الکریم: "لَیْسَ عَلَى الَّذینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فیما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللَّهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنینَ"[3] 

و من المضامین التی تعرضت لها الآیة المبارکة بیان مراتب التقوى و درجاتها، و قد استلهم علماء الاسلام من الآیة المبارکة و سائر الاشارات و التصریحات الواردة فی المصادر الاسلامیة أن التقوى تقسم الى التقوى الخاصة، و تقوى خاصّة الخاصّة.

و الجدیر بالذکر أن آیات الذکر الحکیم لم تشر الى التقوى على منوال واحد بل نراها تعبر تارة عن ذلک بالقول " یَا اَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ ..." و فی آیة أخرى " فَاتَّقُوا اللهَ مَا استَطَعتُم..." و فی ثالثة "َاتَّقُوا النَّارَ الَّتِی وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجارَةُ" و هذه الآیات تشیر بمجموعها الى مراتب التقوى.

من هنا یستفاد من آیات الذکر الحکیم أن للتقوى مراتب و درجات. و من البدیهی أن تقوى الانسان تارة تکون بحدّ یتقی معها الکبائر و لا یصر على الصغائر، و هذه اول مراتبها التی تحقق العدالة للانسان. و لکن الدرجة الاعلى منها ان الانسان یتقی الصغائر ایضاً، و الاسمى من ذلک اتقاء المکروهات فلا یرتکب مکروه أبداً.

الروایات و مراتب القوى

ورد التصریح فی کلمات الأئمة من أهل البیت (ع) بمراتب التقوى، نشیر هنا الى واحدة منها روما للاختصار.

روی عن الامام الصادق (ع) أنه قال: "التَّقوی عَلی ثَلاثَةِ اَوجُهٍ: تَقوی بِاللهِ وَهُوَ تَرکُ الحَلالِ فَضلاً عَنِ الشُّبهَةِ، وَهُوَ تَقوی خاصِّ الخاصِّ؛ وَتَقوی مِنَ اللهِ تَعالی وَهُوَ تَرکُ الشُّبهاتِ فَضلاً عَنِ الحَرامِ، وَهُوَ تَقوی الخَاصِّ؛ وَتَقوی مِن خَوفِ النَّارِ وَالعِقابِ وَهُوَ تَرکُ الحَرامُ، وَهُوَ تَقوی العامِ..."[4]  

تقسم التقوى استنادا الى هذه الروایات الى المراتب المذکورة و فی الوقت نفسه تقسم کل مرتبة بدروها الى مراتب اخرى فرعیة.

1. التقوى العامّة: و یراد بها اتقاء عامّة المؤمنین من المحرمات الالهیة و التحرز عنها خوفا من عذاب جهنم.

2. التقوى الخاصّة: و تختص بمن وصلوا الى درجة من الکمال الانسانی الخاص و لم یرتقوا الى المرتبة الثالثة، و هؤلاء المتقین لا یتجنبون المحرمات الالهیة فقط، بل یتورعون عن الشبهات و یتحرزون عن المشکوکات ایضاً. و هذه المرتبة یقال لها التقوى الخاصّة.

3. تقوى خاص الخاص: و هذه المرتبة من التقوى خاصة بمن وصلوا الى مقام الفناء الذین یتقون الحلال فضلا عن المحرمات و الشبهات الا بمقدار ما توجبه الضرورة، و هذه المرتبة من أسمى مراتب التقوى.

الجدیر بالذکر؛ أن بعض علماء الاخلاق أشاروا الى مرتبة أخرى من مراتب التقوى و التی تکون من نصیب خلّص المجاهدین المتطهرین و الرجال المتنزهین الذین یرون کافة حرکاتهم و سکناتهم لله تعالى: " قُلْ إِنَّ صَلاتی‏ وَ نُسُکی‏ وَ مَحْیایَ وَ مَماتی‏ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمین"[5]‏.

تلخص: أن التقوى من الامور النسبیة و أن کل انسان یکتسب مرتبته الخاصة تبعا لمقدار إرادته و جهاده فی هذه الطریق مع الامداد الغیبی طبعا، فکلما ابتعد الانسان عن المحرمات و المکروهات اکثر یحصل على التقوى بمقدار تلک الفاصلة و یقترب منه تعالى وفقا لتلک المرتبة التقوائیة.



[1] الراغب الاصفهانی، المفردات، مفردة "تقوی".

[2] الحجرات، 13.

[3] المائدة، 93.

[4] الامام الصادق، مصباح الشریعة، ص 38، باب 83. مؤسسه الاعلمی، 1400ق.

[5] الانعام، 162.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...