بحث متقدم
الزيارة
5633
محدثة عن: 2011/12/20
خلاصة السؤال
إذا کان دین المسیحیة الحالی محرفاً و یعتبرهم الله کفّاراً، إذن لماذا یشفیهم الله و یهتم به؟
السؤال
إذا کان دین المسیحیة الحالی محرفاً و یعتبرهم الله کفّاراً لاعتبارهم المسیح إبن الله عزّ و جل، إذن فلماذا یشفیهم و یهتم به؟
الجواب الإجمالي

أما کون الله یشفی مرضی المسیحیین و یهتم بهم، فلفیضه العام و رحمانیته التی تشمل کل البشر حتی یمکنهم اختیار طریق السعادة و الإیمان و الوصول إلی الکمال و نیل المعرفة الإلهیة فی ظل التمتع بالنعم الإلهیة، و ذلک لأن الله خلق البشر أحراراً و أعطاهم إمکانات الاختیار لیمتحنهم و لتتضح طریقة عملهم و اختیارهم له لیمیز المؤمن و المخلص من غیره.

إضافة إلی إن بعض المسیحیین یعتبر جاهلاً قاصراً بالنسبة للدین الإسلامی و من الناحیة الفکریة مستضعفاً إلی حد یمکننا القول بأنهم أهل النجاة فی حال رعایة الأصول الإنسانیة. علما ان النصارى لا ینحصر تواجدهم فی اوربا بل تجد الکثیر من النصارى یعیشون فی مناطق فقیرة فی القرى و الغابا و فی البلدان الافریقیة و الاسیویة الفقیرة و التی ینتشر فیها المرض و الفقر، بل حتى الدول الراقیة لا تجد النصارى فی مأمن من الامراض الفتاکة کالایدز و افلونزا الطیور و...

الجواب التفصيلي

یمکن تحلیل و دراسة موضوع السؤال فی قسمین:

الف: شمول الفیض و الموهبة الإلهیة:

إن عطایا و نعم و مواهب الله سبحانه تامّة و کاملة بلحاظ صدورها من ساحة الکبریاء الالهیة و لا تحتاج إلی أی قید و شرط، و ان الله سبحانه علم الجمیع بفضله و سعة جوده، و الجمیع متساوون من هذه الجهة، و إذا حصل اختلاف فی العطاء و الموهبة فبلحاظ قابلیة القابل، و هذا یعنی ان بعض الناس فی عالم التشریع و بسبب عدم توفر الشروط اللازمة و الأرضیة المناسبة، لا یمکنهم تلقی هذا الفیض و الحبّ و الموهبة الإلهیة. کأمثال الأشخاص الذین وصلوا إلی حد من قساوة القلب و الضلال بحیث لا یمکنهم تقبل الهدایة و روح الإیمان و الجاذبة الإلهیة.

فمن ألطاف و شئون الربوبیة الإلهیة هی إنه هیأ للبشر نعماً حتی یمکنهم بها الإنطلاق نحو المقصد الإلهی الذی یختارونه بأنفسهم. فالبشر و علی حسب الخلقة و الفطرة التی فطرهم الله علیها مجبرون علی استمداد النعم الإلهیة المادّیة و المعنویة التی جعلها الله فی متناول أیدیهم لیستعملوها فی أداء و ظائفهم الدینیة لیکونوا من أهل الإیمان و التقوی و لیصلوا إلی السعادة و الفلاح، بینما نجد بعض الناس لا یستفیدون من هذه النعم إلا لدنیاهم و ینسون آخرتهم و لا یفکّرون إلا بکیفیة الوصول إلی آمالهم الطویلة و البعیدة و الواسعة النطاق فی هذه الدنیا خاصة ، [1] و کما عبّر عنهم القرآن الکریم "مَّن کاَنَ یُرِیدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِیهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِیدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ یَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا *وَ مَنْ أَرَادَ الاَخِرَةَ وَ سَعَى‏ لهَا سَعْیَهَا وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئکَ کَانَ سَعْیُهُم مَّشْکُورًا* کلاُّ نُّمِدُّ هَؤُلَاءِ وَ هَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّکَ وَ مَا کاَنَ عَطَاءُ رَبِّکَ محَظُورًا". [2]

لذلک فالله سبحانه و تعالی لرحمته العامة یجعل نعمه المادیة و المعنویة تحت اختیار کثیر من عباده و قد یُظهر بعض معاجزه و حججه أمام أکثر عبیده معصیةً حتی یتّجهوا إلی الله سبحانه. کما نجد طبقاً لبعض الآیات القرآنیة إن کل البشر یرجعون إلی الله فی بعض مراحل حیاتهم لطلب رفع حاجاتهم و حل مشاکلهم و یتوجه الله إلیهم بالرحمة. فمن هذه الجهة لا یوجد أی اختلاف بین البشر، لکن المهمّ هنا هو کیف یکون الإنسان شاکراً فی مواصلة حیاته علی کل هذه الألطاف الإلهیة: "قُلْ مَن یُنَجِّیکمُ مِّن ظُلُمَاتِ الْبرَّ وَ الْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضرَّعًا وَ خُفْیَةً لَّئنِ‏ْ أَنجَئنَا مِنْ هَاذِهِ لَنَکُونَنَّ مِنَ الشَّکِرِینَ* قُلِ اللَّهُ یُنَجِّیکُم مِّنهْا وَ مِن کلُ‏ِّ کَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشرْکُون". [3]

إذن، ما ذکر فی السؤال من کون الله یشفی مرضی المسیحیین و یهتم بهم، لا ین طلق من کونهم نصارى بل لفیضه العام و رحمانیته التی تشمل کل البشر حتی یمکنهم اختیار طریق السعادة و الإیمان و الوصول إلی الکمال و نیل المعرفة الإلهیة فی ظل التمتع بالنعم الإلهیة، و ذلک لأن الله خلق البشر أحراراً و منحهم إمکانات الاختیار لیمتحنهم و لتتضح طریقة عملهم و اختیارهم له لیمیز المؤمن و المخلص من غیره.

ب: بعض المسیحیین جاهلون قاصرون [4]

مع أن الإسلام هو الدین الحق و الشریعة السمحة الذی یقبله و یؤیده کل عقل سلیم و قد سهّل الله سبحانه طریق الوصول إلی حقیقته و جعله ممکناً، مع ذلک نراه یهتم بالذین لم یتعرّفوا علی حقیقته لجهلهم القاصر و لاعتبارهم مستضعفین من الناحیة الفکریة، و من الواضح إن هؤلاء یشملهم الله تعالی فی هذه الدنیا بألطافه العامة و رحمانیته لعدم تقصیرهم فی عدم إیمانهم بالإسلام، و إذا کانوا مهتمین برعایة الأصول الإنسانیة لا یبتلیهم الله تعالی بعذاب نار جهنم لأن العذاب للکافرین المذنبین المقصّرین فی کفرهم و ذنوبهم، و ذلک یعنی بأنهم کفروا بالدین الإسلامی و عقائده و اعتقنوا الأدیان الأخری علی علم بحقانیته، أما من لم تصله رسالة الإسلام و أحقیته أو لم یصلهم إلا القلیل من المعلومات عن الأسلام بحیث لا یمکنها أن تکون حجة لقبول هذا الدین، هؤلاء یعتبرون غیر مقصّرین أیضاً و من أهل النجاة الذین یدخلون الجنة إذا راعوا الأصول الإنسانیة.

و مع ذلک کله لانرى ما جاء فی متن السؤال صحیحا على اطلاقه؛ لان النصارى لا ینحصر تواجدهم فی اوربا بل تجد الکثیر من النصارى یعیشون فی مناطق فقیرة فی القرى و الغابا و فی البلدان الافریقیة و الاسیویة الفقیرة و التی ینتشر فیها المرض و الفقر، بل حتى الدول الراقیة لا تجد النصارى فی مأمن من الامراض الفتاکة کالایدز و افلونزا الطیور و...علما أن تاریخ النصارى یشیر الکثیر من المحن و الحروب على المستویین الداخلی و الخارجی و التی راح ضحیتها الملایین من النصارى، و یکفینا مطالعة الحربین العالمیتین الاول و الثانیة و التی کانت ساحتها الرئسیة بلاد النصارى.

لمزید من الاطلاع اقرأوا المواضیع التالیة:

1 - جهنم و غیر المسلمین"، السؤال 2089 (الموقع: 372).

2 - "العدل الإلهی و عدم معرفة الإنسان بالتشیع"، السؤال 5788 (الموقع: 7202).

3- "توبة المسلمین و غیر المسلمین"، السؤال 1404 (الموقع: 1424).



[1]     انظر: الطباطبائی، سید محمد حسین، تفسیر المیزان، ج13، ص66-68، مکتب النشر الإسلامی، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق.

[2]    الاسراء، 18-20.

[3]    الانعام، 63-64.

[4]    الجاهل القاصر یقال للفرد الذی لم تصله الحقیقة إو عُرضت علیه بنحو ناقص جداً أو علی غیر الواقع لذلک لم یتحد ذهنه مع الحقیقة بشکل واقعی.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279433 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257223 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128134 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113233 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88989 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59831 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59545 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56852 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49722 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47161 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...