Please Wait
8251
ینظر الإسلام إلى الجهاد سواء کان ابتدائیاً أو غیر ابتدائی الى إنه یمثل إحیاء حق الإنسانیة و حق التوحید الذی یعتبر حقاً إنسانیاً أیضاً، فالتوحید هو أنفس ما تتغذى به الفطرة الإنسانیة، و قد جوز الإسلام الجهاد دفاعاً عن مثل هذا الحق الثمین، و إن الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر یندرج فی هذا السیاق، و لذلک فإن المسلمین مکلفون بالسعی و الکفاح من أجل نجاة الناس من ربقة الجهل و الضلال و الظلم و کل تبعاتها، و أن لا یقتصر همهم و تفکیرهم على أنفسهم و حسب، و یجب علیهم أن یستعینوا بالأسباب و الوسائل الطبیعیة الممکنة لتحقیق هذا الهدف المقدس، و إذا خاطب الله نبیه من خلال الآیات القرآنیة بما یدل على أنه غیر مسؤول عن إیمان الناس، فذلک یعنی أن الإیمان أمر قلبی و حالة روحیة لا یقبل و لا یحتمل الإجبار و الإکراه، و إن تکلیف النبی و وظیفته فی حدود بذل الجهد و الاجتهاد فی طریق هدایة الناس و إقناعهم بالإسلام و الإیمان، و لیس له أن یکون (مفتشاً) عن عقائد الناس، أو یلوم نفسه و یبخعها على عدم إیمان الناس و سلوکهم طریق الهدایة.
إن الجواب الصحیح عن السؤال المتقدم یکون میسراً فی إطار فهم المعرفة الکاملة و التصور الصحیح لمسألة الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و مسألة الجهاد الابتدائی.
إن الجهاد و القتال فی الإسلام اعتبر من المسائل الحیاتیة بالنسبة إلى المؤمنین[1] أی أن القتال سواء کان دفاعاً عن الإسلام أو المسلمین أو کان ابتدائیاً، ففی کل الأحوال یکون من أجل الدفاع عن حق الإنسانیة فی حیاتها، لأن الشرک بالله یمثل هلاک الإنسانیة، و یتبعه موت الفطرة و اضمحلالها، إن التوحید و القوانین الدینیة الأخرى من أهم الحقوق الإنسانیة، و هذا أثبت فی محله، و قد أجاز الإسلام الجهاد لتطهیر الأرض من مطلق الشرک و مثل هذا الحکم هو حکم دفاعی فی واقعه، إنه دفاع عن حق الإنسانیة. و إذا کان إحیاء الإنسانیة متوقفاً على هذه المسألة و إنه حق مشروع بعد إقامة الحجة و استنفاد الوسائل، فهل إن هذا من قبیل الإکراه فی نظر العقل و العقلاء، و یحکم علیه بالقبح؟![2]
و أما ما یخص الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر: من الواجب على کل مسلم أن یدعو الناس إلى الله، و أن یسعى و یجد فی خلاص الناس من ظلمات الجهل و تیه الضلال و الضیاع و اجتراح الذنوب و المعاصی.[3]
إذا کنت ترى الهوة و الأعمى
و لم تنهض لإنقاذه فذلک عصیان
و لابد من الاستعانة بالأسباب العادیة و الوسائل المعروفة و إیکال المسببات إلى الله (إلیه یرجع الأمر) أی إن الإنسان لا یجب علیه أن یلقی بنفسه فی التهلکة لإنقاذ الآخرین منها، و إذا لم یقصر فی هدایة العباد و إنقاذهم، فلا مؤاخذة علیه إذا انحرفوا و ضلوا الطریق، «لا یَضُرُّکُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَیْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُکُمْ»،[4] و خاطب سبحانه نبیه: «لَعَلَّکَ بَاخِعٌ نَفْسَکَ أَلاَّ یَکُونُوا مُؤْمِنِینَ».[5]
و من جانب آخر فإن الاعتقاد و الدین من الأمور القلبیة التی لا تقبل الإکراه و الإجبار، نعم للإجبار و الإکراه أثر بالنسبة للأمور الظاهریة و الحرکات الجسمیة، و أما بالنسبة للاعتقاد القلبی فلابد من البحث عن علل و أسباب أخرى[6]، و لذلک یخاطب القرآن النبی الأکرم (ص): «فَذَکِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَکِّرٌ * لَسْتَ عَلَیْهِمْ بِمُصَیْطِرٍ»،[7] فأنت مذکر فقط و لیس لک أن تکره الناس على الإیمان.[8]
إذن فالمستفاد من الآیات المتقدمة الآتی:
لیس الجهاد من أجل بسط الدین و نشره بالإکراه و الإجبار، بل من أجل إحیاء حق الإنسانیة و الدفاع عن عقیدة التوحید، و التوحید من أنفس ما یغذی الفطرة، و أما بعد بسط التوحید و تفشیه بین الناس، و خضوعهم لدین النبوة، الیهودیة أو النصرانیة، فلا یبقى محل للنزاع بین المسلمین و الموحدین.
و إن خطاب الله موجه إلى نبیه و الذی یقول فیه إنک لست مسؤولاً عن إیمان الناس، فلیس معنى ذلک أنک غیر مکلف بالأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و السعی فی هدایة الناس عن هذا الطریق و الجهاد فی هذا السبیل، بل المعنى أنک مأمور بالتکلیف و غیر مسؤول عن النتیجة، أی أن الهدایة أمر قلبی، لا یخضع لسلطتک، و من الأفضل أن تترک هذا الأمر لنا.
[1] الأنفال الآیة، 24.
[2] انظر: المیزان، ج2، ص66-71.
[3] الأعراف، 75؛ آل عمران، 104 و 114؛ التوبة، 67 و 71؛ الأنبیاء، 73؛ یوسف، 108.
[4] المائدة، 105 و 134 من سورة البقرة، «تِلْکَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا کَسَبَتْ وَ لَکُمْ مَا کَسَبْتُمْ وَ لا تُسْأَلونَ عَمَّا کَانُوا یَعْمَلُونَ».
[5] الشعراء، 3، أو سورة الکهف، 6 «فَلَعَلَّکَ بَاخِعٌ نَفْسَکَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ یُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِیثِ أَسَفاً».
[6] انظر: المیزان، ج2، ص342-343.
[7] الغاشیة، 22.
[8] انظر: المیزان، ج6، ص162-165.