Please Wait
6487
الفناء مصطلح معناه فی اللغة الانعدام و التلاشی، و أما فی مصطلح أهل العرفان فیعنی استغراق العبد بالحق تعالى بنحو کأنّ کیان العبد یتلاشى فی ربوبیة الحق. و قد قسم السالکون طریق الوصول إلى الحق الى عدة منازل و مراحل، و قد عدوا الفناء بمثابة نهایة السیر باتجاه الخالق سبحانه و تعالى.
فالعطار مثلاً یرى وجود سبعة منازل فی هذا الطریق: الطلب، العشق، المعرفة، الاستغناء، التوحید، الحیرة و الفناء.
و أما عند أهل الذوق فهناک عدة کیفیات: الأو،ل فناء الظاهر و هو فناء الأفعال، الثانی: فناء الباطن و هو فناء الصفات، و ثالثاً فناء الذات.
و قد قالوا: إن الذی یفنى یکتب له البقاء فی محل الأحدیة.
الفناء مصطلح تعنی فی اللغة العدم و التلاشی.[1] و فی اصطلاح العرفان؛ یعنی استغراق العبد بالحق إلى حد تمحى معه بشریة العبد بربوبیة الحق تعالى.
و من أجل إیضاح ما قیل من الضروری التوجه إلى المقدمات التالیة:
1ـ نحن نعلم أن الله تعالى ـ بحکمته و إرادته ـ خلق البشر على کیفیة یکون معها دائم التفکیر فی الکمال المطلق و کیفیة عبوره إلى عالم البقاء و الخلود، و إنه لا یقصر فی سلوک أی طریق ممکن من أجل الوصول إلى هذه الغایة المنشودة فهو یسعى دائماً للحصول على ما لا یملک، و إن حصل علیه تجدد لدیه الشوق إلى نیل الأکمل و الأفضل، و لا یترک هذا التطلع یأخذ قراره و یتمتع بهدوئه.
إذا لم تنل کفی بعید مطالبی
فما لی سوى استحصالها أو فنا جسمی
ولابد من الالتفات الى ان منشاء و منبع هذا الاحساس و الشعور امر باطنی و حقیقی و لیس امراً اعتباریا و مجازیا، بل هو امر واقعی مطابق لمنزلة الانسان و شأنه لیتسنى له الاستفادة من تلک الموهبة الالهیة الخاصة به و لینتشل نفسه من الحضیض و یحلق بها الى التسامی و العروج و العود بها الى موطنها الاصلی، فمهما ابتعد الانسان عن اصله، فلابد ان یأتی الیوم الذی یعود فیه الى ذلک الاصل.
2- الإنسان موجود مختار و بإمکانه السیر إلى ما لا نهایة على منحنی الصعود و النزول.
3- وجود الموانع و المعوقات على طریق سیر الإنسان فی طریق الکمال، و یعبر العرفاء عن هذه الموانع بالتعینات[2]، و الإنیات[3] الفردیة، و إذا لم یتجاوزوا هذه التعینات و یخرقوا هذه السدود و الحجب فلا یمکن الحدیث عن الوصول إلى الأهداف، و إن غبار الطریق و الحجب المظلمة هی التی تمنع إشعاع نور الحق بالنسبة إلى العبد.
إذا أنت لم تخرج عن دائرة الطبیعة
فمن أین تکون لک القدرة على تجاوز قمة الطریق
جمال الحبیب متجل لا حجاب علیه
فأزل غبار الطریق لتتمکن من الرؤیا
و بالنظر إلى تلک المقدمات نقول: کلما جد السالک فی طی المنازل الواحدة تلو الأخرى، و تحرر من جمیع الإنیات و التعینات و التعلقات المادیة و حتى المعنویة، و ذاب و اندک فی الذات الأحدیة، فإنه یصل إلى مقام الفناء و فی هذه الحالة لا یکون لدیه إحساس بواقعه الجسمانی و إنما یمحى فی جمال المعشوق، و لا یفکر فی شیء إلاّ و یرى معشوقه فیه و یراه وحده فقط.
و لذلک قال أصحاب المعنویات: إن الذی قال (أنا الحق) لا یرید أن یدعی الألوهیة، و إنما أراد نفی إنیته، بمعنى أنی لا أرى وجودی فی وجودی، و إنما أراک أنت، و هو الذی یقول:
بینی و بینک إنی ینازعنی
فارفع بفضلک إنیِّ من البین
تعال وافنی وجودی قبل أفنائی
حتى لا یسمع أحد مع وجودک منی کلمة انا
و فی السیاق لا یخلو ذکر نقطتین من فائدة:
1- قسّم العرفاء الطریق إلى الله إلى مراحل و منازل،[4] و قد جعلوا الفناء نهایة السیر إلى الله تعالى، فالعطار مثلاً یذهب إلى أن المراحل سبع: الطلب، العشق، المعرفة، الاستغناء، التوحید، الحیرة و الفناء.
2- ذکر أهل الذوق للفناء عدة أقسام:[5]
ألف- الفناء الظاهر: و هو فناء الأفعال، بمعنى أن الشخص العارف یرجع جمیع الأفعال و التحرکات إلى الله تعالى، و ینسبها إلیه و قد جاء فی حدیث قرب النوافل المعروف: «... إنه لیتقرب إلی بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته کنت سمعه الذی یسمع به، و بصره الذی یبصر به، و لسانه الذی ینطق به، و یده التی یبطش بها، إن دعانی أجبته، و إن سألنی أعطیته».[6]
ب- فناء الباطن: و هو فناء الصفات، و یعنی تبدیل الصفات الإنسانیة بصفات إلهیة.
یقول الخواجة نصیر الدین الطوسی (قدس سره):
حیث أن العارف یخرج من نفسه و یتصل بالحق، فإنه یرى جمیع القدرات مستغرقة بقدرته، بحیث یتعلق بجمیع المقدورات فی العالم، کما یرى جمیع العلوم مستغرقة فی علمه، فلا شیء یخفى علیه فی عالم الموجودات، و إن جمیع ما یریده مستغرق فی إرادته، فلا یوجد أحد من الممکنات له أن یمتنع علیه.[7]
ج) فناء الذات: و هذه المرتبة هی الغایة القصوى لسیر العارف الملکوتی، و هو متیسر لبعض أرباب السلوک و فیه تُزال کل الحجب بما فیها الحجب السماویة، و حجب النور و الصفات، حتى ینال التجلیات الذاتیة الغیبیة و فی هذه المشاهدة یرى الإحاطة القیومیة للحق، کما یرى فناء ذاته بالعیان، کما أنه یرى وجوده و جمیع الموجودات بمثابة (الوجود الظلی) بالنسبة لوجود الحق: «إن روح المؤمن لأشد اتصالاً بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها».[8] أی أن اتصال روح المؤمن بروح الله اشد من اتصال شعاع الشمس بالشمس.[9]
[1] فرهنگ فارسی عمید "المعجم الفارسی، عمید"، ص1551.
[2] التشخصات و الخصوصیات الفردیة.
[3] الوجود.
[4] من الطبیعی أن توجد نظریات مختلفة و متعددة بخصوص هذه المنازل من قبل أهل العرفان.
[5] یراجع کتاب: دیوان حافظ مع شرحه العرفانی، أحمد دانشگر، ص144-145.
[6] أصول الکافی، کتاب الإیمان و الکفر، باب «من آذى المسلمین و احتقرهم» حدیث8؛ و محاسن البرقی، ص291.
[7] شرح الإشارات لابن سینا، ج3؛ مقامات العارفین، ص390.
[8] الکافی، ج2، کتاب الکفر و الإیمان، باب أخوة المؤمنین، ح4.
[9] یراجع: الأربعون حدیثاً، الإمام الخمینی، ص382.