Please Wait
5937
ان العرفان الخیالي و التوحید الخیالي حسب الظاهر مفهوم يراد به ما يقابل العرفان و التوحید الواقعي و العملي. توضیح ذلك: لما كان للذهن في کثیر من الحقائق الوجودیة في العالم کالله سبحانه أو العرفان أو التوحید، بل و حتی الوجود نفسه، مفهوم و نظریة تجریدیة عن هذه المسائل، من هنا قد یتوهّم الإنسان بأنه اتصف بهذه الحقائق واقعاً و جزماً. مع إن هذه المقولات کالله و العرفان و التوحید و غیرها لیست من الامور التخیلیة و الذهنیة.
فلو اطلع شخص – على سبيل المثال- علی آراء کل العرفاء و تصوّر نفسه –أو أحب أن یتصور- بأنه عارف بسبب علمه بهذه الآراء، أو لو تصور شخص بأنه موحّد بسبب تمکنه من تصور التوحید بأظرف و أدق معانیه، فهذا التوهّم یکون أکثر خطورة فيما إذا كان ذلك الشخص من المتبجحين و أصحاب الإدعاء و الشعارات الكاذبة؛ و كذلك تشتد الخطورة فيما اذا جمع الانسان بين المجاهدة القلیلة جدّاً وقوة التوهم و التخيل بالاضافة الى العلم الناقص مما يوفر له الارض لادعاء ما شاء من المقامات و الرتب المعنوية و العرفانية خاصة مع عدم الوازع الديني الكبير الذي يحد من تلك المزلة. مع ان الحق يقتضي أن علی کل حق حقیقة و علی کل ادعاء دلیل و نور یدلان علیه.
إذن، في مقابل کل عرفان واقعي و عملي یوجد عرفان شعاري و خیالي، لأن نفس الشعر و الشعار و الإدعاء المجرد من العمل الواقعي، یوجد في النفس حالة من الارتياح و الرضا الكاذب و يسول لها المضي مع هذه الحالة السطحیة ظاناً أنه قد تحول الى مصاف العرفاء أو انه اصبح صاحب تجربة عرفانیة رائدة. أو یدعي بأنه حصل علی ذهنیة من وحدة الوجود (التوحید العرفاني) التي تسوق الذهن بشکل إجمالي و مؤقت من الکثرة الذهنیة إلی الوحدة الذهنیة. و نفس هذا الأمر تؤدي إلی إیجاد الفراغ الذهني الذي یتصّور الشخص علی أثره بأنه توحید حقیقي و یفرض نفسه عندها من أهل التوحید، عندها نجده و بعد زوال هذا الخیال و التصوّر لا یتورّع في مقام العمل عن أي عمل ینطوي علی الشرک و الکفر و الفسوق.
فمن هنا کثیراً ما نشاهد العرفاء المتظاهرین الفسقة و الشعراء غير الورعين و العلماء المجردين عن العمل و الذین عوّلوا علی قوة خیالهم و قدراتهم الذهنية، يقعون في ذلك الفخ الذي وضعه الشيطان لهم حيث لم یترک هؤلاء المدعین المتکبّرین سدى، بل يحاول بشتى الطرق التقرّب منهم و احتضانهم و یزید من انحرافاتهم بإلهاماته الشیطانیة عندئذٍ لا يکون نصيبهم إلا الفضیحة و الهلاک. و قد وصف الله سبحانه هؤلاء الأفراد في القرآن في سورة الشعراء بشکل دقیق بقوله: " هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلىَ مَن تَنزَّلُ الشَّيَاطِينُ* تَنزَّلُ عَلىَ كلُِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ* يُلْقُونَ السَّمْعَ وَ أَكْثرَهُمْ كَاذِبُونَ* وَ الشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُنَ*أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فىِ كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ* وَ أَنهَّمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ* إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَ ذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا وَ انتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ".[1]
انظر: الشعر في الإسلام، 8283 (الموقع: ar8343).