Please Wait
6186
تعد نظرية الكسب من اعقد النظريات التي حار فيها المتكلمون السنة، لانه في الوقت الذي حاول فيه تنزيه الباري تعالى من الشريك في الفاعلية و قالوا بان الفاعل هو الله حاولوا التخلص من لازم كلامهم بان هذه النظرية تستلزم الجبر، من هنا حاولوا الجمع بين الرأيين و ان الله فاعل مع عدم الجبر فقالوا: الله فاعل و الانسان كاسب[1].
وطبقاً لنظریة الکسب يكون الله سبحانه هو الخالق لافعال الإنسان و الإنسان یکسب الأفعال التي یخلقها الله. [2] إذن الکسب هو المزامنة بین خلق الفعل و خلق القدرة في الإنسان، فعندما نقول: إن شخصاً ما یمشي أو إنه یکسب المشي، یعني هذا إنه في نفس الوقت الذي یخلق الله فیه المشي یخلق القدرة و یحدثها في الإنسان الماشي لکي یشعر بأن هذا الفعل یؤدّیه باختیاره. [3]
في مقابل هذه النظریة، یری المعتزلة إن أفعال الإنسان لا تنسب إلا للإنسان لا غیر فالله سبحانه قد فوّض هذه الأفعال للإنسان.
نظریة الشیعة:
"روي أن أمیر المؤمنین (ع) سُأل عن القضاء و القدر فقال: لا تقولوا وکّلهم الله علی أنفسهم فتوهّنوه و لا تقولوا أجبرهم علی المعاصي فتظلموه و لکن قولوا الخیر بتوفیق الله و الشر بخذلان الله و کلٌّ سابق في علم الله". [4]
یقول العلامة محمد تقي الجعفري (ره) في توضیح هذا البحث في نظریة الشیعة ما یلي:
"أصل قدرة کل الوسائل التي تشکّل العوامل الطبیعیة لکل فعل هي من الله سبحانه و الاستفادة الإختیاریة لهذه القدرة و الوسائل مختصة بالإنسان. فرأي الإمامیة يتمثل في أصل (الأمر بین الأمرین) و أفضل تفسیر لهذا الأصل هو تفسیر آیة الله العظمی السید الخوئي (ره) الذي صوره بقوله: و ذلك كما إذا افترضنا ان للمولى عبداً مشلولا غير قادر على الحركة فربط المولى بجسمه تياراً كهربائياً ليبعث في عضلاته قوة و نشاطاً نحو العمل، و ليصبح بذلك قادراً على تحريكها، و أخذ المولى رأس التيار الكهربائي بيده و هو الساعي لا لإيصال القوة في كل آن إلى جسم عبده بحيث لو رفع اليد في آن عن السلك الكهربائي انقطعت القوة عن جسمه فيه و أصبح عاجزاً. و على هذا فلو أوصل المولى تلك القوة إلى جسمه و ذهب باختياره و قتل شخصاً و المولى يعلم بما فعله ففي مثل ذلك يستند الفعل إلى
محاضراتفيالأصول، ج 2، صفحه 89كل منهما، اما إلى العبد فحيث أنه صار متمكناً من إيجاد الفعل و عدمه بعد ان أوصل المولى القوة إليه و أوجد القدرة في عضلاته و هو قد فعل باختياره و إعمال قدرته، و أما إلى المولى فحيث أنه كان معطي القوة و القدرة له حتى حال الفعل و الاشتغال بالقتل، مع أنه متمكن من قطع القوة عنه في كل آن شاء و أراد، و هذا هو واقع نظرية الأمر بين الأمرين و حقيقتها". [5]
إذن، لو کانت نظریة الکسب بمعنی إن الله سبحانه یعطي القدرة علی الفعل للإنسان و الإنسان یکسب هذا الفعل باختیاره و یکون أخیراً هو المسؤول عن کسب فعله، فهذا بیان آخر لنظریة الشیعة الإمامیة، أما إذا کان المراد من نظریة الکسب هو إن الإنسان لیس هو الفاعل للفعل (لأنه لا قادر إلا الله عزّ و جل) و لا هو الفاعل لکسب فعله، فتکون عندئذٍ نظریة الجبر المرفوضة لدی الشیعة الإمامیة.
[1] ا نظر تفصيل ذلك: السبحاني، جعفر، رسائل ومقالات، ج3، ص: 111، نظرية الكسب بين التفسير، والتكامل، والإبطال.
[2] راجعوا جواب السؤال رقم 16786 (الموقع: 5997) في موقع إسلام کؤیست للحصول علی توضیح کامل عن نظریة الکسب.
[3] البرنجکار، رضا، التعرّف علی الفرق و المذاهب الإسلامیة (آشنایی با فرق و مذاهب اسلامی)، ص 127 و 128 ، مؤسسة طه الثقافیة، الطبعة الرابعة، قم، 1381 ش، نقلاً عن الأشعري، مقالات الإسلامیین، ج 2، ص 199.
[4] الطبرسي، الاحتجاج، ج 1، ص 209، نشر المرتضی، 1403 ق.
[5] الجعفري، محمد تقي، الجبر و الإختیار، ص 214 -215، نقلاً عن دائرة المعارف (طهور). وانظر: السيد الخوئي، محاضرات فيالأصول، ج 2، صفحه 88.