بحث متقدم
الزيارة
6654
محدثة عن: 2012/05/19
خلاصة السؤال
ما المراد من قوله تعالى "وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه‏" في سورة التوبة؟
السؤال
ما المراد من قوله تعالى "وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه‏" في سورة التوبة؟
الجواب الإجمالي

«مرجون» مأخوذ من مادة (إرجاء) بمعنى التأخير و التوقيف، و في الأصل أخذت من (رجاء) بمعنى الأمل، و لما كان الإنسان قد يؤخر شيئا ما أحيانا رجاء تحقق هدف من هذا التأخير، فإنّ هذه الكلمة قد جاءت بمعنى التأخير، إلّا أنّه تأخير ممزوج بنوع من الأمل. أي: مؤخرون حتى ينزل الله فيهم ما يريد.

و معنى إرجائهم إلى أمر الله أنهم لا سبب عندهم يرجح لهم جانب العذاب أو جانب المغفرة فأمرهم يئول إلى أمر الله ما شاء و أراد فيهم فهو النافذ في حقهم.

و هذه الآية تنطبق بحسب نفسها على المستضعفين الذين هم كالبرزخ بين المحسنين و المسيئين، و إن ورد في أسباب النزول أن الآية نازلة في الثلاثة.

و ليس المراد من الارجاء أن الله تعالى لا يعلم بمصير هؤلاء من ناحية نزول العذاب بهم او العفو عنهم، بل المراد أنه يوجد في كل عصر طائفة من ضعفاء المؤمنين قد اقترفوا الكثير من الذنوب كترك الصلاة و الصيام و الحج و...، فاذا وصلت الذنوب الى حد يبعث على زوال أصل الايمان فحينئذ لا شك انهم من أهل النار، و أما اذا بقيت الايمان في قلوبهم و تابوا مما اقترفوه قبل الموت فهؤلاء يقبل الله  توبتهم. و نحن لا نعلم بمصيرهم و هل نتعامل معهم معامل الكافرين؟ كذلك لا تطمئن نفوسنا الى كونهم من المؤمنين الناجين الذي تجاوزا الصراط ؛ من هنا جاءت الآية لتقول: «وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ».

الجواب التفصيلي

جاء في القرآن الكريم الاشارة الى طائفة من الناس تحت عنوان المرجون لأمر الله: «وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا یعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا یتُوبُ عَلَیهِمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ».[1] "

و لكي يتضح المراد من الآية المباركة  لابد من الاشارة أولا الى سبب نزولها ثم التعرض لاقوال المفسرين فيها.

شأن النزول

ذهب بعض المفسرين الى القول بانها نزلت في كَعْب بن مالك، و مُرَارَة بن الربيع، أحد بني عمرو بن عوف، و هلال بن أمية من بني واقف، تخلّفوا عن غزوة تبوك، و هم الذين ذكروا في قوله تعالى: "وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا" الآية.[2] تلاحظ قصتهم في ذيل تفسر الآية 118 من سورة التوبة.

و هناك من المفسرين من يرى انطلاقا من بعض الروايات أنهم  قوم كانوا مشركين قتلوا حمزة و جعفر و أشباههما من المؤمنين ثم دخلوا بعد ذلك في الإسلام فوحدوا الله و تركوا الشرك و لم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنة و لم يكونوا على جحودهم فتجب لهم النار فهم على تلك الحالة مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه.[3]

معنى المرجون

«مرجون» مأخوذ من مادة (إرجاء) بمعنى التأخير و التوقيف، و في الأصل أخذت من (رجاء) بمعنى الأمل، و لما كان الإنسان قد يؤخر شيئا ما أحيانا رجاء تحقق هدف من هذا التأخير، فإنّ هذه الكلمة قد جاءت بمعنى التأخير، إلّا أنّه تأخير ممزوج بنوع من الأمل.[4] أي: مؤخرون حتى ينزل الله فيهم ما يريد.[5]

التفسير

قال العلامة الطباطبائي (ره): و الآية معطوفة على قوله: «وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ» و معنى إرجائهم إلى أمر الله أنهم لا سبب عندهم يرجح لهم جانب العذاب أو جانب المغفرة فأمرهم يئول إلى أمر الله ما شاء و أراد فيهم فهو النافذ في حقهم.

و هذه الآية تنطبق بحسب نفسها على المستضعفين الذين هم كالبرزخ بين المحسنين و المسيئين، و إن ورد في أسباب النزول أن الآية نازلة في الثلاثة[6] الذين خلفوا ثم تابوا فأنزل الله توبتهم على رسوله (ص) و سيجي‏ء إن شاء الله تعالى.

و كيف كان فالآية تخفي ما يئول إليه عاقبة أمرهم و تبقيها على إبهامها حتى فيما ذيلت به من الاسمين الكريمين: العليم و الحكيم الدالين على أن الله سبحانه يحكم فيهم بما يقتضيه علمه و حكمته، و هذا بخلاف ما ذيل قوله: «وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ» حيث قال: "عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ".[7]

و لكن الروايات التي اشارت الى الثلاثة  لا تعني حصر القضية بهؤلاء الثلاثة و إنما الروايات في معرض الاشارة الى المصاديق و لا تتنافى مع اطلاق وعموم الآية.

و ليس المراد من الارجاء أن الله تعالى لا يعلم بمصير هؤلاء من ناحية نزول العذاب بهم او العفو عنهم، بل المراد أنه يوجد في كل عصر طائفة من ضعفاء المؤمنين قد اقترفوا الكثير من الذنوب كترك الصلاة و الصيام و الحج و...، فاذا وصلت الذنوب الى حد يبعث على زوال أصل الايمان فحينئذ لا شك انهم من أهل النار، و أما اذا بقيت الايمان في قلوبهم و تابوا مما اقترفوه قبل الموت فهؤلاء يقبل الله  توبتهم. و نحن لا نعلم بمصيرهم و هل نتعامل معهم معامل الكافرين؟ كذلك لا تطمئن نفوسنا الى كونهم من المؤمنين الناجين الذي تجاوزا الصراط ؛ من هنا جاءت الآية لتقول: «وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ».[8]

إذن المرجون طائفة من الناس لم تستفد من التعاليم القرآنية و الارشادات الدينية في تطهير نفوسها و معالجة الخلل فيها، و لما كانوا من ضعفاء الارادة يعيشون حالة من اللا استقرار فقد يكون نصيب شخص منهم الرقي الايماني حتى يصل الى مرتبة العليين و قد يتراجع آخر ليكون في الجهة المقابلة، و لكن تبقى ابواب الرحمة الالهية مفتوحة أمامهم.[9] و في القيامة يؤجل البت في مصيرهم الى الانتهاء من حساب سائر العباد و هنا قد تأتي الرحمة الالهية – انطلاقا من المقتضيات الروحية لهؤلاء الافراد- و قد يكون الحكم الالهي بحقهم العذاب.

 


[1] التوبة، 106.

[2] أسباب نزول القرآن (الواحدي)، ص: 264.

[3] تفسير القمي، ج‏1، ص: 304، نشر: دار الكتاب، قم، 1367 ش، الطبعة الرابعة، تحقيق: سيد طيب موسوي جزايري.

[4] مكارم الشرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏6، ص 211، نشر مدرسة الامام علي بن أبي طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.

[5] الفراهیدي، خلیل بن احمد، العین، مفردة «رجا».

[6] خصوص المورد لا يخصص الوارد.

[7] الطباطبائي، سید محمد حسین، الميزان في تفسير القرآن، ج ‏9، ص 381، مکتب النشر الاسلامي التابع لجماعة المدرسين، قم، 1374ش.

[8] طيب، سيد عبد الحسين،‏ أطيب البيان في تفسير القرآن، ج ‏6، ص 310، انتشارات اسلام، طهران، 1378 ش.‏

[9] مترجمان، تفسير هدايت، ج ‏4، ص 232، مؤسية الابحاث الاسلامية التابعة للقدس الرضوي، مشهد، 1377ش.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...