Please Wait
6622
إن الانسان بالاضافة الى حاجته الى الامور المعنوية و القوة العقلية التي تميزه عن سائر الموجودات المادية بحيث إرتقى الى مرتبة " اشرف المخلوقات"، هو محتاج أيضا - كموجود مادي- الى ما يؤمن له استمرارية وجوده و ثبوت كيانه شأنه شأن سائر الكيانات المادية الحيّة.
و من هنا يمكن القول أن تأمين البعد الجنسي و اشباع هذه الغريزة من خلال الطرق المشروعة لا يمثل بحال من الاحوال تعارضاً و تنافياً مع خصوصية العقلانية التي يتسم بها الانسان، و إنما الذي ينافي العقل و يضاد المعنويات و يحط من مكانة الانسان الرفيعة[1] هو خروج الانسان عن مساره الصحيح و انحرافه عن الهدف الاصلي الذي خلق من أجله و انجرافه نحو الميول الحيوانية و اللذائذ المادية و الغفلة عن البعد المعنوي و العقلي في شخصيته، فحينئذ يسقط عن مكانته الرفيعة و ينحدر في مهاوي الانحطاط حتى يصل الى درجة يكون فيها أخس مرتبة من سائر الحيوانات؛[2] لعدم توفر الحيوانات على القوة العاقلة التي تمكنها من اعمال حالة التوازن بين البعد العقلي و الحيواني عندها، خلافا للانسان الذي توفر على القوتين معا، فاهماله للبعد العقلي في شخصيته يكشف عن تفريطه بتلك الجوهرة التي اودعها الله فيه.
من هنا، يكون الطريق الامثل هو العمل بصورة متوازنة و مشروعة بين البعد المادي و الغرائزي و البعد العقلي و المعنوي و استعمال كل واحد منها في المكان و الزمان المناسبين له، و حينئذ لا يحصل تصادم و تضاد بين الامرين، بل يتم الانسجام بينهما على أكمل وجه؛ لان العقل لا يرى بحال من الاحوال الاستفادة الصحيحة من البعد الغرائزي مضادة له، بل يراها تسير ضمن قوانينه و مقرراته التي بها يحفظ النسل البشري من الانقراض.
أضف الى ذلك ان لحالة الصراع بين العقلانية و الشهوانية في الشخصية البشرية دوراً مهما في تكامل الانسان و رقيه تكاملا اختيارياً لا ينطلق عن الجبر و الاكراه.
و نحن اذا رجعنا الى المصادر الروائية نجد ما يؤديد هذا المعنى تماما، فقد روي أَنَّ أَبا ذرٍّ رحمهُ اللَّهُ سأَل النبي (ص) عن قضية العلاقة الجنسية بينه و بين زوجه؟ فقال (ص): ائْتِ أَهلكَ تُؤْجرْ؟ فقال: يا رسول اللَّه آتيهمْ و أُوجرُ؟! فقال رسول اللَّه (ص): كما أَنَّكَ إِذا أَتيت الْحرام أُزرْتَ فكذلك إِذا أَتيتَ الحلالَ أُوجرت".[3]
[1] اشارة الى قوله تعالى: " وَ الَّذينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَ يَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَ النَّارُ مَثْوىً لَهُم" ، محمد، 12.
[2] " وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ "، الاعراف، 179.
[3] الكليني، محمد بن یعقوب، الکافي، تحقيق و تصحيح: الغفاري، علي أکبر، الآخوندي، محمد، ج 5، ص 496، دار الکتب الإسلامیة، طهران، الطبعة الرابعة، 1407ق.