Please Wait
6332
إن هذه المسألة ترتبط بطریقة رؤیة الفلاسفة و المبانی الفلسفیة لمدارسهم حول مسألة الوجود. و القول المنسوب الى الفلاسفة المشائین و المعروف بـ "کثرة الوجود و الموجود" حاصله: انه لایمکن انکار کثرة الموجودات و لابد أن یکون لکل واحد منها وجوده الخاص و المختص به، و حیث إن الوجود حقیقة بسیطة، فیجب ان یکون کل وجود متبایناً بتمام ذاته عن الوجود الآخر.
أما من وجهة نظر فلاسفة الحکمة المتعالیة فلا یمکن قبول هذا المبنى. فقد ورد فی مبنى هؤلاء الذی عُرف بعنوان "الوحدة فی عین الکثرة": ان الحقائق العینیة للوجود لها اتحاد و اشتراک مع بعضها البعض و لها اختلاف و تمایز أیضاً، و لکن "ما به الاشتراک" و "ما به الامتیاز" فیما بینها لا یوجب الترکیب فی ذات الوجود العینی أو یوجب صیرورته قابلاً للتحلیل الى معنى "جنسیّ" و "فصلی"، بل یرجع ما به الامتیاز بینها الى الشدة و الضعف کما أن اختلاف النور الشدید مع النور الضعیف هو بالشدة و الضعف. و لکن لیس معنى ذلک ان الشدة فی النور الشدید هی شیء مغایر للنور، او ان الضعف فی النور الضعیف شیء مغایر للنور.
فی انتساب هذه النظریة الى الفلاسفة المشاّئین تأمل. یقول الاستاذ المطهری فی شرح المنظومة: وجدت هذه النظریة عند متکلمی الأشاعرة و قد یستشم ذلک من کلمات بعض المشاّئین دون أن تکون موجودة عند حکماء المشاّئین من قبیل الفارابی و خصوصاً إبن سینا ـ الذی هو رئیس المشاّئین ـ و ذلک لأن القول بوحدة الوجود کما انه متفرع على القول مسبقاً بأصالة الوجود، فان القول بالکثرة التباینیّة للوجود متفرع أیضاّ على التسلیم المسبق بأصالة الوجود أی أنه یجب أن تکون تلک القضیة مبحوثة عندهم مسبقاً و مفروغاً عنها حتى یمکن طرح هذه القضیة. و قد ثبت فی محلّه أن قضیة أصالة الوجود لم تکن مطروحة عندهم أصلاً و انها طرحت للبحث بعد عصر الفارابی و إبن سینا.[1]
الوجود فی الحکمة المشائیة:
على أی حال فان الفلاسفة المشائّین یعتقدون بأن الوجود هو الاصیل و لکنهم یرون ان کل وجود هو متباین مع الوجود الآخر بتمام الذات. بمعنى ان الاشیاء لها ماهیّات و باعتبار هذه الماهیّات تدخل تحت المقولات. و باعتبار تلک المقولات یکون لها ما به الاشتراک (اذا کانت داخلة تحت مقولة واحدة) و ما به الامتیاز (اذا کانت من مقولات متعددة)، و من ناحیة الوجود أیضاّ فان کل الاشیاء متباینة مع بعضها بتمام الذات أی أنه لایوجد أی اشتراک و سنخیة فیما بینها، و ان نسبة الوجودات بعضها الى البعض الاخر نظیر نسبة نفس المقولات بعضها الى البعض، فمثلاً کما أنه لایوجد أی ٌوجه مشترک بین مقولة الکم و مقولة الکیف (و لذلک هما مقولتان منفصلتان)، فکذلک بالضبط کل وجود مع الوجود الآخر.
یرى الفلاسفة المشاؤون أن حقائق الوجود لا تخرج عن أحد هذه الاحوال:
فأما أن تکون جمیعها أفراد لحقیقة واحدة کأفراد النوع الواحد، أو أن لها أنواعاً مختلفة مشترکة فی جنس واحد کاشتراک أنواع الحیوانات فی جنس الحیوان، أو أنه لا یوجد اشتراک بینهما و انها متباینة بتمام الذات، و هذا الشق الثالث هو رأی الفلاسفة المشائین و ان الشقین الآخرین باطلان برأیهما.
أما بطلان الشق الاوّل: فان لازم هذا القول أن یکون الوجود کالکلی الطبیعی الذی یوجد على صورة الافراد عن طریق أضافة العوارض المشخصة. و لکن السؤال یتکرر فی العوارض فانها موجودات و أفترض أن لجمیع الموجودات حقیقة واحدة، فکیف وجد الاختلاف بین العوارض و المعروضات من ناحیة و بین العوارض نفسها من ناحیة أخرى و أنه بأختلافها تتحق الأفراد المختلفة للوجود؟
ببیان آخر، هؤلاء یرون أنه لو فرض الاشتراک بین الموجودات العینیة، فاما أن یکون أشتراکاً فی تمام الذات و معنى ذلک أن الوجود ماهیة نوعیة و لها أفراد متعددة، أو یکون الأشتراک فی جزء الذات، و لازمه أن یکون الوجود ماهیة جنسیة و لها أنواع مختلفة، و کلا الفرضین باطل.
أما الشق الثانی: فهو باطل لأنٌ لازم هذا القول أن تکون حقیقة الوجود مرکبة من جهة اشتراک و جهة امتیاز، أی انها مرکبة من جنس و فصل، و هذا لاینسجم مع بساطة الوجود.
اذن فمن وجهة نظر الفلاسفة المشائین لا یبقى خیار سوى أن نقول ان الوجودات العینیة (حقائق الوجود) متباینة بتمام الذات.
الوجود فی الحکمة المتعالیة:
یعتقد فلاسفة الحکمة المتعالیة أنه ینتزع من جمیع الواقعیات العینیة مفهوم واحد هو مفهوم الوجود، و أن انتزاع هذا المفهوم الواحد من الواقعیات الکثیرة هو دلیل على أنه یوجد بینها مشترک عینی، هو الذی یکون منشأ انتزاع هذا المفهوم الواحد، و لو لم تکن بین الوجودات الخارجیة جهة اتحاد، لم ینتزع مثل هذا المفهوم الواحد منها.
و من ناحیة أخرى، فانهم یرون وجود رابطة العلیة و المعلولیة بین حقائق الوجود و أنه لا یخرج أی موجود عن سلسلة العلل و المعلولات، و علیه فان وجود جمیع المعلولات بالنسبة الى عللها الموجودة و بالتالی بالنسبة الى الذات القدسیة الالهیة المفیضة للوجود على ماسواها هو عین الاستناد و الربط و ان جمیع المخلوقات تجلیٌات من الوجود الالهی و لها بحسب مراتبها مراتب من الشدة و الضعف و التقدم و التأخر.
و بناءً على هذا، فان جمیع الکون متشکل من سلسلة من الوجودات العینیة و قوام کل حلقة بالحلقة العلیا و تکون من ناحیة المرتبة الوجودیة بالنسبة إلیها أضیق و أضعف. و هذا الارتباط الوجودی الذی یسلب الاستقلال عن کل موجود غیر الوجود الالهی الاقدس، هو بمعنى الوحدة الخاصة التی یمکن تصورها فی الوجود العینی و على أساس أصالة الوجود طبعاً.
الخلاصة: أن هذه النظریة التی عرفت باسم "الوحدة فی عین الکثرة" تقوم على أساس أن الحقائق العینیة للوجود یوجد إشتراک و وحدة فیما بینها و أیضاً یوجد إختلاف و تمایز، و لکن ما به إشتراکها و ما به إمتیازها لیس بحیث یوجب الترکیب فی ذات الوجود العینی أو أنه یجعله قابلاً للتحلیل الى المعنى الجنسی و الفصلی، بل إن ما به الامتیاز راجع الى الشدة و الضعف و لکن لیس معنى الشدة فی النور الشدید أن فیه شیئاً غیر النور أو أن الضعف فی النور الضعیف هو شیء مغایر للنور, بل النور الشدید لیس هو سوى النور و کذلک النور الضعیف، و فی الوقت ذاته هما یختلفان مع بعضهما من ناحیة درجة الشدة و الضعف، لکنه إختلاف لا یؤثر على بساطة حقیقة النور المشترکة بینهما. و ببیان آخر، إن الوجودات العینیة یوجد فیما بینها إختلاف تشکیکی، و إن ما به إمتیازها یرجع الى ما به إشتراکها.[2]