بحث متقدم
الزيارة
8436
محدثة عن: 2009/04/09
خلاصة السؤال
فی أی الموارد یکون الکذب جائزاً؟
السؤال
یعد الکذب من الذنوب الکبیرة، ففی أی الموارد یکون الکذب جائزاً؟ و هل یجوز الکذب من أجل حفظ النفس؟
الجواب الإجمالي

یحظی الصدق و محاربة الکذب باهتمام خاص فی التعالیم الاسلامیة بحیث وصف الکذب فی موارد کثیرة بانه شرّ من شرب الخمرة و لکن مع ذلک فانه اذا تسبب عدم ارتکاب الکذب فی الوقوع فی ضرر أشد من قبح الکذب مثل قتل انسان بریء او هجوم العدو علی کیان الاسلام او الاختلاف و العداء بین المؤمنین و ... فان الکذب یجوز حینئذٍ. و بالطبع فان الانسان اذا تمکّن من تجنّب الکذب عن طریق التوریة وجب علیه التوریة.

الجواب التفصيلي

یحظی الصدق و محاربة الکذب باهتمام خاص فی التعالیم الاسلامیة، یقول الامام الصادق (ع): "لا تغترّوا بصلاتهم و لا بصیامهم فان الرجل ربما لهج بالصلاة و الصوم حتی لو ترکه استوحش، و لکن اختبروهم عند صدق الحدیث و أداء الامانة"[1] أی أن صدق الحدیث و الامانة هی ملاک الحسن و الایمان للاشخاص.

و جاء فی حدیث عن الامام الباقر (ع): "ان الله عز و جل جعل للشر أقفالاً و جعل مفاتیح تلک الاقفال الشراب و الکذب شر من الشراب" [2].

و العلاقة بین الکذب و الذنوب الاخری هی ان الانسان المرتکب للذنوب لا یمکنه ان یکون صادقاً لان صدقه یتسبب فی فضیحته، فعلیه ان یلجأ الی الکذب من أجل التستر علی آثار الذنوب، و بعبارة اخری: ان الکذب یطلق الانسان و یترکه حراً أمام الذنوب، بینما الصدق یحدّده و یقیّده.[3]

و من الاضرار الکبیرة للکذب انه یتسبب فی فقدان الثقة و نحن نعلم ان أثمن شیء فی المجتمع هو الثقة المتبادلة و الاطمئنان العام، و أهم شیء یؤدی الی انعدام ذلک و زواله هو الکذب و الخیانة و الغش، و هذا الامر هو احد الاسباب الرئیسیة للاهتمام الکبیر بالصدق و ترک الکذب فی التعالیم الاسلامیة. و لکن و مع کل هذا فقد اجیز الکذب فیما اذا فرض الاضطرار (الحاجة الشدیدة) الیه فی موارد و ظروف خاصة. و لکن هذا الجواز هو بمقدار الاضطرار و مادام الاضطرار موجوداً، لا اکثر من ذلک. و المقصود من الاضطرار هنا هو الاحتیاج الشدید الی ارتکاب الکذب من اجل المنع من اضرار کبیرة مثل وقوع حیاة انسان او سلامته فی خطر او الحیلولة دون هجوم العدو علی بلاد الاسلام او المنع من وقوع الاختلاف بین الاخوة المسلمین، و بشکل عام: فی جمیع الموارد التی تکون أهمیتها اکبر من قبح الکذب.

و ینبغی هنا ذکر ملاحظة و هی انه علی الرغم من جواز الکذب شرعاً فی موارد الاضطرار و من أجل دفع الاضرار الکبیرة و غیر القابلة للتحمل، و لکن اذا کان هناک طریق یمکن دفع الضرر من خلاله من دون ارتکاب الکذب وجب اختیار ذلک الطریق. و من ذلک طریق "التوریة" و التوریة تعنی ان یکون الکلام یفهم منه معنیان احدهما هو المعنی الظاهر و الواضح الذی ینتقل الیه ذهن السامع بسرعة و الآخر معنی خفی و مستور و هو الذی یقصده المتکلم و لا ینتقل الیه ذهن السامع. فاذا اضطر الانسان من أجل دفع الضرر عن نفسه او عن مسلم آخر الی أن یرتکب اما الکذب او التوریة وجب علیه اللجوء الی التوریة.

و فی موارد الاضطرار الی ارتکاب الکذب، لا یختلف الحال بین ان یکون الضرر متوجهاً الی الانسان نفسه او الی باقی المؤمنین.

یقول الامام الرضا (ع): ان الرجل لیصدق علی أخیه فیناله عَنت من صدقه فیکون کذّاباً عند الله و ان الرجل لیکذب علی أخیه یرید به نفعه فیکون عند الله صادقاً ".[4]

و قال الامام الصادق (ع): " کل کذب مسؤول عنه صاحبه یوماً الا کذباً فی ثلاثة: رجل کائد فی حربه فهو موضوع عنه، أو رجل أصلح بین اثنین یلقی هذا بغیر ما یلقی به هذا یرید بذلک الاصلاح ما بینهما، او رجل وعد أهله شیئاً و هو لا یرید أن یتم لهم ".[5]

و قد أوصی النبی الاکرم (ص) أمیر المؤمنین علیاً بقوله: "ان الله احب الکذب فی الصلاح و أبغض الصدق فی الفساد".[6]

و بالطبع فان من الضروری مراعاة مقدار و مستوی الکذب اللازم للاصلاح، فلا ینبغی تجاوز الحد؛ لان التجاوز عن الحد اللازم قد یؤدی بالانسان الی اعتیاد الکذب، و الامام الصادق (ع) یقول: "المصلح لیس بکذاب" [7] و یفهم من الروایة المتقدمة ان اصلاح المجتمع و ایجاد الصلح و الوئام بین شخصین مسلمین لا یبرّر للانسان الکذب بلا حدود و من دون داعٍ – بل یجب مراعاة المستوی اللازم.[8]



[1] سفینة البحار، مادة (صدق)، الکافی، ج 2، ص 104، دار الکتب الإسلامیة، الطهران، 1365 هجرى شمسى.

[2] اصول الکافی، ج 2، ص 339.

[3] تفسیر الأمثل، ج 11، ص 413.

[4] الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج 12، ص 255 ح 16238.

[5] الکلینی، الکافی، ج 2، ص 342، ح 18.

[6] الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج 12، ص 252، ح 16229.

[7] الکلینی، الکافی، ج 2، ص 210، ح 7.

[8] لاحظ، الطهرانی، مجتبی، موقع بلاغ.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280255 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258831 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129627 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115643 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61038 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60364 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57374 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51615 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47713 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...