Please Wait
5600
قال تعالى فی کتاب الکریم: " یا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمید".[1]
صفة الغنى و عدم الحاجة من جملة الصفات الثبوتیة لله تعالى. و إن إثبات صفات الله انما یتم عادة بعد اثبات وجوده تعالى. فصفة الغنى بمعنى عدم الحاجة هی الاخرى تتم بعد إثبات وجوده تعالى و إثبات کونه واحداً مستغنیاً عن العلة. ونحن هنا نکتفی ببرهان الوجوب والامکان الذی یعود نوعاً ما الى الغنى و عدم الحاجة فی الله تعالى، فنقول:
اذا کان الغنى بمعنى عدم الحاجة فی أصل الوجود و بهذا المعنى نرید إثبات وجود الله تعالى، فیمکن تقریر برهان الوجوب والامکان بالنحو التالی:
برهان الوجوب و الامکان (الفقر والغنى)
إنّ جمیع الموجودات التی نراها فی هذا العالم کانت کلّها ذات یوم «عدما»، ثمّ اکتست بلباس الوجود، أو بتعبیر أدقّ: کان یوم لم تکن شیئا فیه، ثمّ صارت وجوداً، و هذا بحدّ ذاته دلیل على أنّها معلولة فی وجودها لوجود آخر، و لیس لها وجود من ذاتها.
و نعلم بأنّ أی وجود معلول، مرتبط و قائم بعلّته و کلّه احتیاج، و إذا کانت تلک (العلّة) أیضا معلولة لعلّة أخرى فإنّها بدورها ستکون محتاجة، و لو تسلسل هذا الأمر إلى ما لا نهایة فسوف تکون الحصیلة مجموعة من الموجودات المحتاجة الفقیرة، و بدیهی أنّ مجموعة کهذه لن یکون لها وجود أبداً، لأنّ منتهى الاحتیاج إحتیاج، و منتهى الفقر فقر، و ما لا نهایة له من الأصفار لا یمکن أن یحصل منه أی عدد، کما أنّه ممّا لا نهایة له من المرتبطات بغیرها لا تنتج أی حالة استقلال.
من هنا نستنتج أنّنا فی النهایة یجب أن نصل إلى وجود قائم بذاته، و مستقل من جمیع النواحی، و هو علّة لا معلول، و هو واجب الوجود.[2]
وقد بین العلامة الطباطبائی هذا الغنى و احتیاج الغیر الیه بالنحو التالی: أنه تعالى مبدئ کل خلق و معطی کل کمال فهو واجد لکل ما یحتاج إلیه الأشیاء فهو غنی على الإطلاق إذ لو لم یکن غنیاً من جهة من الجهات لم یکن مبدئا له معطیاً لکماله، هذا خلف.[3]
[1] فاطر،15.
[2] الشیخ ناصر مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج14، ص55، نشر مدرسة الامام علی بن ابی طالب(ع)، 1421 هـ، الطبعة الاولى، قم.
[3] العلامة الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج16، ص 23، دفتر النشر الاسلامی التابع لجامعة مدرسی الحوزة العلمیة فی قم المقدسة، سنة 1417 ق، الطبعة الخامسة.