بحث متقدم
الزيارة
5849
محدثة عن: 2010/04/27
خلاصة السؤال
کیف یمکن أن لا یقع الفرد تحت تأثیر أفکار الآخرین و سلوکهم و أن یصل إلى الاطمئنان؟
السؤال
منذ مدة و أنا أفقد الهدوء و الاطمئنان، و لم أستطع أن أرسم مسیری بنفسی فی الحیاة، و إنما أتأثّر بأفکار الآخرین و رؤاهم. أرید أن أن أکون حراً و أحیا لنفسی. الرجاء إرشادی إلى طریق عملی.
الجواب الإجمالي

بعض ما طرح فی هذا السؤال دلیل على الدخول فی مرحلة البلوغ و الشباب، و الإنسان فی هذه المرحلة کثیراً ما یقع تحت تأثیر الآخرین على صعید الفکر و السلوک، و هذه المسألة طبیعیة إلى حدٍ ما، لأن الشباب لا یرید أن یظهر نقاط ضعفه و یحاول أن یجعل من شخصه محبوباً و ممدوحاً لدى الآخرین. و معتمداً على نفسه و قدراته.

و هناک عوامل مهمة تساعد على إیجاد الثقة بالنفس و الاعتماد علیها، الذی یترتب علیه الهدوء و الاطمئنان منها: معرفة النفس و احترام النفس و إعطاءها قیمتها، أی عدم استصغار النفس و الاستهانة بها.

الجواب التفصيلي

بعض ما طرح فی هذا السؤال دلیل على الدخول فی مرحلة البلوغ و الشباب، و الإنسان فی هذه المرحلة کثیراً ما یقع تحت تأثیر الآخرین على صعید الفکر و السلوک، و هذه المسألة طبیعیة إلى حدٍ ما، لأن الشباب لا یرید أن یظهر نقاط ضعفه و یحاول أن یجعل من شخصه محبوباً و ممدوحاً لدى الآخرین. و معتمداً على نفسه و قدراته.

و إلى هنا فالأمر جید و مطلوب، لأن الإنسان بإمکانه أن ینظر إلى معاییر الصلاح من جهة و إلى نفسه بمنظار الصالحین من جهة أخرى، فیرتقی بنفسه على أساس هذه القیم و المبادئ إلى مراتب الصلاح، و من الممکن أن یکون الأمر خطراً بالنسبة إلى الشباب، و ذلک عند ما یکون الشاب محاطاً بأصحاب السوء من جهة، و یحاول ألا یظهر نفسه ضعیفاً أمامهم من جهة أخرى، فقد ینجر إلى مجاراتهم و إظهار القدرة على فعل ما یفعلون، فیحکم معاییرهم على سلوکه، و حینها ینزلق إلى الإنحراف بسرعة، و مرد ذلک إلى عدة عوامل منها التربیة العائلیة و غیرها و قد ینجر ذلک الى حد الافراط فی التبعیة و التقلید ، و فی هذه الحالة یفقد الإنسان هدوءه و توازنه، و یعتریه الإحساس فی کل لحظة أنه یعیش للآخرین، فیقدم آراءهم فیه على رأیه فی نفسه، فیشعر بالضیق و الاحتقان، لأنه یرید أن یرى الجمیع راضین عنه.

و على أی حال یمکن مراعاة الأمور التالیة لحل المشکلة:

1ـ الهدوء و الاعتماد على النفس:

الاعتماد على النفس یعنی الثقة بها و بقدراتها على إنجاز الأعمال [1] . و الإسلام یقدم للإنسان أعظم و أغنى الدروس على صعید الثقة بالنفس و الاعتزاز بها من خلال تعالیمه و نصوصه. و من مصادیق ذلک الحث على الاستقلال و عدم الاحتیاج إلى الآخرین، الذی ینطلق من أحاسیس الإنسان و مشاعره الفطریة.

و قد علق القرآن سعادة کل إنسان بعمله و سعیه و لیس له إلا ما یزاوله من عمل و ما یبذله من جهد، و لا یتحقق هذا إلا من خلال الإیمان بالنفس و الثقة بها، «کل نفسٍ بما کسبت رهینة» [2] .

2ـ الإحساس بقیمة النفس: أی احترام النفس و النظر إلیها بإیجابیة، فالإسلام یراعی مسألة العزة و الکرامة فی جمیع تعالیمه و أنظمته العبادیة و الأخلاقیة و الاقتصادیة و السیاسیة و غیرها و لم یقبل التنازل عنها تحت أی ظرفٍ أو حال. یقول الإمام الصادق(ع): «إن الله عز و جل فوض إلى المؤمن أموره کلها، و لم یفوض إلیه أن یکون ذلیلاً» [3] .

یقول أبراهام مازلو: « جمیع الناس یحتاجون إلى عزة النفس، و احترام أنفسهم و الآخرین ... » [4] .

3ـ معرفة النفس: إن الإیمان بالنفس یتوقف على معرفة الجوانب الإیجابیة التی تتمتع بها و القدرات و المواهب الکامنة فیها [5] . و أما النظرة السلبیة إلى النفس و الاستخفاف بقدراتها و إمکاناتها فإنه یسلب الإنسان الهدوء و الإطمئنان کما یتسبب فی عدم التحرر الداخلی الذاتی، مما یفقد الإنسان توازنه الروحی و النفسی، و یحمله على الفرار من المسؤولیة [6] .

4ـ علیک أن تجعل الحق معیاراً لقبول أو رد نظریات الآخرین و آرائهم و لننظر فی هذه الکلمة الذهبیة للإمام المعصوم(ع). یخاطب الإمام موسى بن جعفر هشام بن الحکم قائلاً: «یا هشام، لو کان فی یدک جوزة و قال الناس: لؤلؤة، ما کان ینفعک و أنت تعلم أنها جوزة، و لو کان فی یدک لؤلؤة و قال الناس: أنها جوزة، ما ضرک و أنت تعلم أنها لؤلؤة (فلا تحزن)» [7] .

5ـ ثق أن الآخرین أناس مثلک و جمیع البشر یعتریهم النقص و الضعف فی کثیر من جوانب حیاتهم، و اعلم أنه لا وجود للإنسان الکامل سوى المعصوم.

6ـ إن الآخرین من الأصدقاء و الأصحاب( و خاصة الشباب منهم) ینظرون الیک کنظرتک الیهم و یؤلنک اهمیة کما تلویهم انت.

7- اذا أردت الهدوء و الاطمئنان فضع قلبک فی ید الباری تعالى، یقول تعالى: «   أَلَا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» [8] .

للاطلاع: یراجع الجواب 4658 (الموقع: 5559) (التربیة و استقلال الفکر و العقل) و 525 (الموقع: 572) (أسالیب تقویة الإرادة) و 6298 (الموقع: 6520) عوامل تخفیف التوتر.



[1] معین، محمد؛ المعجم الفارسی، ج 2، ص 2406؛ مصباح یزدی، محمد تقی، راهیان کوی دوست، ص 15 مرکز منشورات مؤسسة دراسات و أبحاث الإمام الخمینی، الطبعة الثالثة، 1376.

[2] المدثر، 38.

[3] الکلینی، محمد بن یعقوب، فروع الکافی، ج 5، ص 63، طهران، دار الکتب الإسلامیة، الطبعة الثانیة، 1362.

[4] آبراهام مازلو، روان شناس شخصیت سالم، ترجمة، رویجردان، شیوا، ص 154.

[5] سبحانی نیا، محمد، الشباب و الاعتماد على النفس، ص64، مرکز طبع ونشر مکتب التبلیغات الإسلامیة الحوزة العلمیة، قم، الطبعة الأولى، 1387.

[6] منوچهریان، برویز، عقدة الحقارة، ص 5، منشورات کوتنبرک .

[7] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 1، ص 136، موسسه الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق .

[8] الرعد، 28.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280255 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258831 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129627 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115643 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61038 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60364 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57374 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51615 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47713 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...