Please Wait
7633
تؤکد الروایات التاریخیة و المصادر الإسلامیة أن الکعبة بنیت على ید نبی الله آدم (ع) ثم تضرّرت فی طوفان نوح، و جدّد بناؤها على ید إبراهیم الخلیل (ع)ثم بناها بعده قوم من العرب قبیلة جرهم، و بعده هدّمها الدهر مرة أخرى، فجدد بناءها للمرة الثالثة على ید العمالقة، و فی المرة الرابعة، جاءت قریش و جددت البناء.
و بعد أن تولى عبد الملک بن مروان أمر الخلافة، هدّم الحجاج بن یوسف ما بناه عبد الله بن الزبیر و أرجع البیت الى هیئته السابقة. و قد بقیت الکعبة على هذه الهیئة الى عصر السلطان سلیمان العثمانی فی سنة تسعمائة و ستین، فغیر السلطان سقف الکعبة. و لما تولى أحمد العثمانی أمر الخلافة فی سنة ألف و مائة و واحد و عشرین للهجرة رمّم الکعبة، ثم خربت جدران الکعبة من جهة الشمال و الشرق و الغرب بسبب سیل جارف حدث سنة ألف و تسعة و ثلاثین، فقام السلطان مراد الرابع (من سلاطین آل عثمان ) بترمیم البیت، و بقیت الکعبة على حالها إلى یومنا هذا.
و أما حول ولادة الإمام علی (ع) و شقّ جدران الکعبة، فلم یشکّک أحد فی ذلک، و نقلتها مصادر الفریقین الشیعة و السنة، و أقرّت بذلک من دون شک. و أما، آثار هذا الشق فبطبیعة الحال أن التخریب و التجدید الذی حصل على البیت فی السنوات التی عقبت ولادة الإمام علی (ع) و حیاته، یفترض أن یکون قد أزال تلک الآثار، و هذه حقیقة لا ینکرها أحد من شیعة علی (ع)، و لیس المهم أن تکون آثار الشق قد زالت بسب تجدید البناء؛ و إنما المهمّ هو نفس إعجاز شق الکعبة و الذی حصل قطعاً، و قد ذُکرت فی روایات کثیرة من مصادر معتبرة لدى الشیعة و السنة.
من أجل الحصول على إجابة کاملة، علینا أن نطّلع على تاریخ موجز لبناء هذا البیت المقدس. فالذی تؤکده المصادر الاسلامیة الروائیة فی هذا المجال، هو أن الکعبة کانت أول باکورة مشاعر التوحید، و أقدم معبدٍ عرف على وجه المعمورة، و لم یسبقه أی مرکز من مراکز التوحید و عبادة الله الخالصة، و هو بیت أسّس من أجل المجتمع البشری فی منطقة مبارکة تتجمهر فیه الناس.
بنیت الکعبة على ید نبی الله آدم (ع) ثم تضرّرت فی طوفان نوح، و جدّد بناؤها على ید إبراهیم الخلیل (ع)، کما ورد فی نهج البلاغة عن الإمام علی (ع) أنه قال: "ألا ترون أن الله سبحانه اختبر الأولین من لدن آدم - صلوات الله علیه - وإلى الآخرین من هذا العالم ، بأحجار ...فجعلها بیته الحرام الذی جعله للناس قیاما...ثم أمر آدم وولده: أن یثنوا أعطافهم نحوه فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ وَ غَایَةً لِمُلْقَى رِحَالِهِمْ تَهْوِی إِلَیْهِ ثِمَارُ الْأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِیقَةٍ وَ مَهَاوِی فِجَاجٍ عَمِیقَة"[1].
و یروی ابن شهر أشوب عن أمیر المؤمنین (ع) أنه قال فی جواب رجل جهل تفسیر قوله"ان أول بیت وضع للناس" و سأل: هو أول بیت؟ قال (ع): لا قد کان قبله بیوت و لکنه أول بیت وضع للناس مبارکا فیه الهدى و الرحمة و البرکة و أول من بناه إبراهیم ثم بناه قوم من العرب من جرهم ثم هدم فبنته قریش[2].
بعد أن تسلّم قصی بن کلاب ـ من أجداد رسول الله (ص) ـ فی القرن الثانی قبل الهجرة، إدارةَ الکعبة، خرّب البیت لیحصّن البناء و یعزّزه، فغلّفه بخشب الخَزم (شجرة تشبه النخل) و جذع النخل. و کان البناء على هذا الحال حتى تسلط عبد الله بن الزبیر على الحجاز فی عهد یزید بن معاویة فحاربه الحصین قائد یزید بمکة، و أصاب الکعبة بالمنجنیق فانهدمت و أحرقت کسوتها و بعض أخشابها، ثم انکشف عنها لموت یزید، فرأى ابن الزبیر أن یهدم الکعبة و یعید بناءها فأتى لها بالجص النقی من الیمن، و بناها به و أدخل الحجر فی البیت، و ألصق الباب بالأرض، و جعل قبالته بابا آخر لیدخل الناس من باب و یخرجوا من آخر، و جعل ارتفاع البیت سبعة و عشرین ذراعا و لما فرغ من بنائها ضمخها بالمسک و العبیر داخلا و خارجا، و کساها بالدیباج، و کان فراغه من بنائها 17 رجب سنة 64 هجریة.
ثم لما تولى عبد الملک بن مروان الخلافة بعث الحجاج بن یوسف قائده فحارب ابن الزبیر حتى غلبه فقتله، و دخل البیت فأخبر عبد الملک بما أحدثه ابن الزبیر فی الکعبة، فأمره بإرجاعها إلى شکلها الأول، فهدم الحجاج من جانبها الشمالی ستة أذرع و شبرا، و بنى ذلک الجدار على أساس قریش، و رفع الباب الشرقی و سد الغربی ثم کبس أرضها بالحجارة التی فضلت منها.
و لما تولى السلطان سلیمان العثمانی الملک سنة ستین و تسعمائة غیر سقفها، و لما تولى السلطان أحمد العثمانی سنة إحدى و عشرین بعد الألف أحدث فیها ترمیما و لما حدث السیل العظیم سنة تسع و ثلاثین بعد الألف هدم بعض حوائطها الشمالیة و الشرقیة و الغربیة فأمر السلطان مراد الرابع من ملوک آل عثمان بترمیمها و لم یزل على ذلک حتى الیوم و هو سنة ألف و ثلاث مائة و خمس و سبعین هجریة قمریة و سنة ألف و ثلاثمائة و ثمانیة و ثلاثین هجریة شمسیة[3].
و أما ولادة الإمام علی (ع) فی الکعبة، فلم یشکّک أحد فی ذلک، و جمیع المسلمین ـ شیعة و سنة ـ أقرّوا بهذا الإعجاز، و قد جاء فی المصادر الشیعیة المعتبرة أن یزید بن قعنب قال: کنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب وفریق من عبد العزى بإزاء بیت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمیر المؤمنین (ع)، و کانت حاملة به لتسعة أشهر و قد أخذها الطلق، فقالت: رب إنی مؤمنة بک و بما جاء من عندک من رسل وکتب، وإنی مصدقة بکلام جدی إبراهیم الخلیل(ع)، و إنه بنى البیت العتیق، فبحق الذی بنى هذا البیت ، وبحق المولود الذی فی بطنی لما یسرت علی ولادتی. قال یزید بن قعنب: فرأینا البیت و قد انفتح عن ظهره، و دخلت فاطمة فیه، و غابت عن أبصارنا، و التزق الحائط، فرمنا أن ینفتح لنا قفل الباب فلم ینفتح، فعلمنا أن ذلک أمر من أمر الله عز وجل ثم خرجت بعد الرابع و بیدها أمیر المؤمنین (ع)، ثم قالت: إنی فضلت على من تقدمنی من النساء، لان آسیة بنت مزاحم عبدت الله عز وجل سرا فی موضع لا یحب أن یعبد الله فیه إلا اضطرارا، و إن مریم بنت عمران هزت النخلة الیابسة بیدها حتى أکلت منها رطبا جنیا، و إنی دخلت بیت الله الحرام فأکلت من ثمار الجنة و أرزاقها، فلما أردت أن أخرج هتف بی هاتف: یا فاطمة، سمیه علیا، فهو علی، و الله العلی الأعلى یقول: إنی شققت اسمه من اسمی، و أدبته بأدبی، و وقفته على غامض علمی، وهو الذی یکسر الأصنام فی بیتی، و هو الذی یؤذن فوق ظهر بیتی، و یقدسنی و یمجدنی، فطوبى لمن أحبه وأطاعه، و ویل لمن أبغضه وعصاه[4].
کما أن مجموعة کبیرة من بین علماء أهل السنة أیضاً قد صرّحت بهذه الحقیقة و اعتبرتها منقبة لا مثیل لها، فمثلاً یقول الحاکم النیسابوری فی مستدرکه: تواترت الأخبار فی أن "فاطمة بنت اسد" ولدت علیاً (ع) فی الکعبة[5].
کما أن الساعدی یذکر فی کتابه نقلاً عن الصحاح الستة عند السنة: ولد الإمام علی (ع)، على قول، فی یوم الجمعة، 13 رجب، و بعد ثلاثین عاما من "عام الفیل"، و قبل 23 عام من هجرة النبی الأکرم (ص)، وُلد فی مکة المکرمة داخل الکعبة. و على قول آخر، ولد الإمام بعد 25 سنة من "عام الفیل"، و 12 سنة قبل المبعث. و على قول ثالث، وُلد الإمام 10 سنوات قبل المبعث، و لم یلد أی مولود قبل الإمام علی (ع) فی الکعبة[6].
و على ضوء ما تقدم، یتضح أن الشیعة و السنة تؤمن بحتمیة وقوع معجزة شقّ الکعبة و ولادة الإمام على (ع) فیها. و أما، آثار هذا الشق الذی وجدت بعد دخول أم أمیر المؤمنین (ع) الى الکعبة، فبطبیعة التخریب و التجدید الذی حصل على البیت فی السنوات اللاحقة لولادة الإمام علی (ع) و حیاته، یفترض أن تکون تلک الآثار قد زالت، و هذه حقیقة لا یمکن لأحد إنکارها، و ما من شیعة علی (ع) ینکر هذه الحقیقة، و لکن الذی تفتخر به الشیعة هو أن المعجزة هذه، هی من مناقب مولود الکعبة الذی تعتز الشیعة بإتباعه، و أما انعدام آثار الشق بسب تجدید البناء فلا یحسب له حساب؛ و إنما المهمّ هو نفس إعجاز شق الکعبة و هو حصل قطعاً و ذُکرت فی روایات کثیرة من مصادر معتبرة لدى الشیعة و السنة.
[1] السید الرضی، نهج البلاغة، الخطبة القاصعة.
[2] البحرانی، السید هاشم، تفسیر البرهان، ج1 ، ص661، ح 36، دار البعثة ،الطبعة الاولی، طهران، 1416ق.
[3] المیزان فی تفسیر القرآن، ج3، ص: 35.
[4] الشیخ الصدوق، الأمالی، ترجمة کمره ای، ص133، الناشر اسلامیة، الطبعة السادسة، طهران، 1376ش.
[5] الحاکم النیسابوری، محمد، مستدرک علی الصحیحین، ج 3، ص483، الناشر دار المعرفة، الطبعة الثانیة، بیروت، 1406ق.
[6] الساعدی، محمد باقر، فضائل پنج تن (ع) در صحاح ششگانه اهل سنت (فضائل أصحاب الکساء (ع) فی الصحاح الستة) ، ج 1، ص304، فیروزآبادی، الطبعة الاولى، قم، 1374ش، نقلاً عن نور الابصار، ص 69.