بحث متقدم
الزيارة
6562
محدثة عن: 2011/03/10
خلاصة السؤال
حکم إهانة الآخرین و الاساءة الیهم؟
السؤال
حدثت مشاجرة بین زوجین، فما ان سمع ابوا المرأة بما جرى و على لسان ابنتهما، حتى شرعا بتوجیه الاهانة و الکلمات النابیة لصرهما (الزوج) من دون ان یمهلاه توضیح القضیة و الدفاع عن نفسه، بل قد انجر بهما الانفعال لتوجیه بعض الکلمات القاسیة له من قبیل عدیم الشرف و الغیرة و الاتهام بالجنون و...، فهل یصح ذلک منهما حتى على فرض کون الزوج مقصراً و مخطأ فی موقفه؟
الجواب الإجمالي

حث الاسلام على حفظ کرامة الانسان و خاصة الانسان المؤمن، فقد روی عن الامام الکاظم (ع) أنه: " أَنَّهُ وَقَفَ حِیَالَ الْکَعْبَةِ ثُمَّ قَالَ: ما أَعْظَمَ حَقَّکِ یَا کَعْبَةُ وَ اللَّهِ إِنَّ حَقَّ الْمُؤْمِنِ لأَعْظَمُ مِنْ حَقِّکِ " [1] .

هذا من جهة، و من جهة أخرى أن الفحش و الاهانة من الصفات الذمیمة التی رفضها الاسلام بقوة، فقد روی عن النبی الاکرم (ص) أنه قال: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى کُلِّ فَحَّاشٍ بَذِیٍّ قَلِیلِ الْحَیَاءِ لا یُبَالِی مَا قَالَ و لا مَا قیل لهُ، فَإِنَّکَ إِنْ فَتَّشْتَهُ لَمْ تَجِدْهُ إِلَّا لِغَیَّةٍ أَوْ شِرْکِ شَیْطَانٍ. قِیلَ: یا رَسُولَ اللَّهِ وَ فِی النَّاسِ شِرْکُ شَیْطَان؟! فقال (ص): أَ مَا تَقْرَأُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ (وَ شارِکْهُمْ فِی الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ) الْخَبَرَ " [2] .

خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار أن الکثیر من الاتهامات و الکلمات النابیة هی من کلمات کاذبة لا واقع لها و انها مجرد اتهامات و نسب باطلة.

و قد قال تعالى فی کتابه الکریم فی ذم فحش اللسان: " لا یُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ". [3]

فی هذه الآیة إشارة إلى التکالیف الأخلاقیة الإسلامیة، و التی منها: تبیّن أنّ اللّه لا یحبّ التجاهر بالکلام البذی‏ء، و لا یرضى بما یصدر من کلام عن عیوب الناس و فضائح أعمالهم، فتقول الآیة: لا یُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ ....

إن عدم الرضى من نشر فضائح أعمال الناس، نابع من حقیقة أنّ اللّه هو ستار العیوب، فلا یجب أن یقوم عباده بکشف سیئات الآخرین من أمثالهم أو الإساءة إلى سمعتهم، و ممّا لا یخفى على أحد هو أنّ لکل إنسان نقاط ضعف خفیة، و لو انکشفت هذه العیوب لساد المجتمع جو من سوء الظن بین أفراده، فیصعب عندئذ قیام التعاون بین هؤلاء الأفراد، لذلک منع الإسلام و حرّم التحدث عن نقائص أو فضائح أعمال الآخرین دون وجود هدف سلیم، لتبقى الأواصر الاجتماعیة قویة مستحکمة، و رعایة للجوانب الإنسانیة الأخرى فی هذا المجال. [4]

إلّا أنّ الآیة الکریمة لم تحرم القول بالسوء تحریما مطلقا، فقد استثنت حالة یمکن فیها أن یصار إلى الکشف و الفضح، و هذه الحالة هی إذا وقع الإنسان مظلوما حین قالت الآیة: إِلَّا مَنْ ظُلِمَ و بهذا الدلیل یستطیع المظلوم- فی مقام الدفاع عن نفسه- أن یکشف فضائح الظالم، سواء عن طریق الشکوى أو فضح مساوئ الظالم أو توجیه النقد له، أو استغابته، و لا یسکت على الظلم حتى استعادة حقوقه من الظالم.

و حقیقة هذا الاستثناء هی أنّ اللّه أراد به أن یسلب من الظالمین فرصة إساءة استغلال حکم المنع و التحریم، و لکی لا یکون هذا الحکم سببا فی سکوت المظلوم عن المطالبة بحقه من الظالمین. [5]

من هنا، لا یحق لأی انسان أن یسیء للآخرین لمجرد أدنى اختلاف او مشاجرة تقع بینه و بینهم، کما لا یجوز له اظهار معایبهم و إهانتهم أمام الملأ و على رؤوس الاشهاد، بل علیه السعی لإزالة عیوبهم من خلال الملاطفة و الرأفة و الرحمة و التحرّق من أجلهم، و تغییر سلوکیاتهم و یهدیهم الى الطریق القویم. و یتعزر هذا الامر أکثر فی اوساط الاقرباء و الأهل الذین یراد للانسان أن یعیش بین ظهرانیهم سنین طویلة؛ فعلینا أن نرقب سلوکیاتنا تجاه الآخرین و نتجنب الکلمات الجارحة لما لها من أنعکاس کبیر على روحیة الانسان، إذ من غیر السهل زوال اثره بسرعة، و کما یقول الشاعر:

جراحات السنان لها التیام     و لا یلتام ما جرح اللسان

من هنا على الانسان المبادرة الى الاعتذار فیما لو صدرت منه مثل هکذا اساءة، و تطییب خاطر الطرف الآخر فی أسرع وقت ممکن.

هذا من جهة تکلیف المعتدی، و أما من جهة المعتدى علیه فینبغی له أن یتسامى و یکون بمستوى من سعة الصدر و العفو بحیث ینسى کل ما سمعه من کلمات نابیة و یطهر نفسه من الاحقاد و الغل و الضغینة تجاه من صدرت منهم تلک الکلمات، خاصة اذا کانوا من الارحام و من المقربین کوالدی امرأته و... حیث لهم حق کبیر فی عنقه. فعلیک نسیان هذه الاساءة و اعلم أن الله تعالى لا یضیع لک أجر هذا العفو.

لمزید الاطلاع انظر السؤال رقم 11503 (الرقم فی الموقع:11317) الاساءة لکرامة الناس.



[1] مستدرک‏الوسائل ج : 9 ص : 344، حدیث  11039.

[2] بحارالأنوار ج : 60 ص : 207،- حدیث39.

[3] النساء، 148.

[4] مکارم الشیرازی، الشیخ ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏3، ص: 508، نشر مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع)، قم.

[5] نفس المصدر.

الجواب التفصيلي
لایوجد لهذا السؤال الجواب التفصیلی.
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280255 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258831 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129627 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115643 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61038 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60364 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57374 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51615 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47713 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...