Please Wait
9917
یمکن أن یقال فی الجواب عن القسم الأول من السؤال: عندما نبین حقیقة ما أو قانون معین أو حکم فلیس من الممکن ذکر جمیع الجزئیات والخصوصیات المتعلقة به، ونجد أن القرآن الکریم قد راعى هذه المسألة والسبب هو أنه لو کان البناء على بیان کل الجزئیات والدقائق المتعلقة بکل قانون أو حکم فلازم ذلک أن ینزل الباری تعالى کتاباً مستقلاً لکل فرد مسلم إذا أخذنا بنظر الاعتبار کل ما یرتبط به من خصوصیات زمانیة ومکانیة و...
وبسبب تجنب هذا الإجراء السلبی جاءت آیات القرآن الکریم فی بیان العلوم والأحکام وعرضها بصورة واقعیة و عقلانیة، و قد بینت الآیات القرآنیة ـ و فی کثیر من الموارد ـ القواعد العامة والکلیة، والعلوم بأسلوب التصریح أو التشبیه أو ضرب الأمثال أو عرض القصص. نعم قد بین الله سبحانه بعض القوانین أو الحقائق ـ و لأسباب معینة ـ بذکر مصادیقها. ومثل ذلک ما کان شائعاً بین العرب من ألوان المقامرة التی کانوا یفخرون بها، و لم یکن قبح هذه الظاهرة معروفاً لدى الناس، فیأتی القرآن بآیةٍ خاصة یشیر فیها إلى القمار و الخمر و ما فیهما من مفاسد.
و ذکر هذه الجزئیات وبیانها إضافة إلى أنه لا یعد خروجاً عن سنن الکلام و قواعده و ضوابطه و إنما هو فی صلب تلک القواعد و الضوابط لأنه یستهدف إخراج الناس من الحیرة و التردد و الغفلة.
وأما القسم الثانی من السؤال، أی سبب و علة ذکر قصص الأقوام و الأمم السالفة فإنه أمر على درجة من الوضوح. لأن الاطلاع و التعرف على وقائع و تاریخ الماضین یفتح أمامنا آفاقاً جدیدة و واسعة لنکون على علمٍ و معرفةٍ بانحرافاتهم و إخفاقاتهم، فنتجنب بذلک عناء التجربة و مرارتها من خلال الاعتبار بما أصابهم.
ویمکن الإشارة إلى عدة أسباب و علل فی هذا المجال:
أ ـ نقل جزئیات التاریخ و الإشارة إلیها بمثل تحدیاً و بیانا للإعجاز القرانی و تجلیا و ظهورا لعلم النبی صلى الله علیه و آله وسلم.
ب ـ عندما یذکر تاریخ أنبیاء الیهود و النصارى فسوف یطلع أتباع هذه الدیانات على الأرضیة المشترکة بین أدیانهم و الدین الإسلامی مما یخفف من مواقفهم المتصلبة و عنادهم و یسهل میلهم باتجاه الإسلام.
ج ـ توجد بعض المسائل الاعتقادیة البالغة الدقة العصیة على الفهم ولکنها عندما تعرض من خلال سرد تفاصیل قصص الناس المحترمین فی المجتمع و أصحاب المواقع الخاصة تکون قابلة لفهم العموم و فی متناول إدراکهم. کما فی قضیة إنقاذ إبراهیم علیه السلام و نجاته حین ألقی فی النار و ما فی ذلک من بیان لقدرة الله المطلقة.
د ـ أخذ العبر و المواعظ بالاطلاع على أعمال الماضین و سیرهم من أسباب ذکر قصصهم و عرض جزئیاتها.
هـ ـ إن عرض القصص و الحوادث من أفضل طرق التعلم و أسالیب التعلیم غیر المباشر، و قد استفاد القرآن من هذا المنهج کثیراً حینما عرض العدید من المفاهیم و الأسالیب بصیغة القصص کالطریقة التی اتبعها إبراهیم علیه السلام فی الاحتجاج و الاستدلال، و کذلک استفاد من هذا الأسلوب فی تعلیم کیفیة الاستدلال، وآداب المعاشرة و غیر ذلک.
و فی الإجابة عن القسم الأخیر من السؤال یمکن أن یقال: إن ذکر قصة شخص معین فی القرآن الکریم لا یکون بالضرورة بیاناً لفضله و منزلته، و کذلک فإن عدم ذکر شخصٍ آخر لا یدل على عدم أهمیته و انخفاض مرتبته، لأننا نجد فی القرآن الکریم ذکراً لبعض الأشخاص المبغوضین و المکروهین و المنحرفین من أمثال فرعون و أبی لهب، و السامری و حتى الشیطان، فی حین لا نجد ذکراً للکثیر من أنبیاء الله تعالى فی هذا الکتاب السماوی.
و لیس هناک من علة إلا الأهداف و المصالح التی یشخصها القرآن و یستهدفها حینما یعرض سیرة أی شخصٍ من الأشخاص.
و فی الختام نشیر إلى نقطتین ورد التأکید علیهما فی سیاق السؤال المذکور:
1ـ التشابه الکبیر بین المسلمین و قوم بنی إسرائیل هو السبب فی ذکر قصة موسى علیه السلام و تکرارها فی القرآن الکریم، و هذا ما أشارت إلیه الآیات القرآنیة بوضوح.
2ـ إن ادعاء عدم ذکر النبی صلى الله علیه و آله و سلم فی القرآن هو من قبیل الحکم المسبق و غیر المنصف. لأن الدقة و النظر فی أسباب النزول للکثیر من آیات القرآن یظهر بکل وضوح أنها أشارت إلى الجوانب المختلفة من حیاة الرسول صلى الله علیه و آله و أهل بیته علیهم السلام و أصحابه.
للجواب عن السؤال المتقدم یجب تحلیله الى أجزاء قابلة للتفکیک والتحلیل، و بعد دراسة کل جزء على حدة یمکن التوصل إلى الجواب النهائی من خلال جمع هذه الأجزاء و ضم بعضها إلى بعض.
القسم الأول:
ما هو السبب للمنهج التعمیمی و ذکر الکلیات فی آیات القرآن الکریم؟ و لماذا العدول عن هذا المنهج و الشروع فی شرح الجزئیات لبعض المسائل فی العدید من الآیات؟.
القرآن الکریم هو حبل الله و أساس السعادة و الفلاح بالنسبة إلى النوع الإنسانی[1]. ومن هنا فلابد من أن تجد القوانین و المضامین الخاصة بهدایة البشر الطریق و المحل و المکان المناسب لها فی آیاته.
و إذا کان البناء هو ذکر کل المصادیق و تمام الجزئیات، سواء المتعلقة بعصر النزول أو ما یستقبل من الزمان فی هذا الکتاب، فمن اللازم أن ینزل کتابٌ یتضمن و یستوعب کل لحظة من لحظات حیاة کل مسلمٍ من المسلمین.
ومعلوم فإن مثل هذا الأمر خارجٌ عن دائرة الإمکان و غیر عقلانی. فما هو العمل إذن، وأی طریقٍ یمکن أن یسلک و أی منهجٍ یختار؟.
لقد أنزل الله تعالى القرآن کتابا جامعا و منقذاً للبشر و بأفضل صورة من أجل هدایتهم. و قد ذکر القوانین الکلیة و العامة بصیغ مختلفة کضربٍ الأمثال و الحکم. و عرض قصص الماضین حتى یتمکن الناس من تطبیق المصادیق على هذه القوانین الکلیة العامة لیختاروا الطریق الصحیح و الصراط المستقیم الذی ینجیهم من الحیرة و التخبط و الضلال.
و هذا هو عین ما تفضل به الإمام الصادق علیه السلام لبعض أصحابه: (علینا إلقاء الأصول و علیکم التفریع)[2].
ولکن قد یکون إرجاع الفروع إلى الأصول صعباً و دقیقاً فی بعض الأحیان، أو یکون مورداً للغفلة فی أحیانٍ أخرى، وفی مثل هذه الحالات یکون من اللازم على المشرع و واضع القانون أن یبین بعض الجزئیات، و تعیین المصادیق بالنسبة إلى المخاطبین و تعلیمهم و إرشادهم، و من أمثلة ذلک قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[3]. و حیث أن بعض الموارد کاللعب بالقمار، و تناول الشراب المسکر کانت من الأمور العادیة فی ذلک الزمان[4]، و إن وجوه القبح فیها خافیة و غیر معلومة لعموم الناس، فإن الله تعالى أنزل آیة أخرى بعد الآیة المتقدمة و قد عین فیها بعض مصادیق الإثم فی قوله تعالى: {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ وَ الأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ}[5] إذن فذکر بعض الجزئیات لیس غیر مضرٍ بجانب الکلیة فی الکتاب العزیز فقط و إنما هو یشکل فرصة مناسبة لفهم الواقع و التعرف على المنهج الصحیح فی تطبیق المسائل الجدیدة و إرجاعها إلى القوانین الکلیة المذکورة فی آیات القرآن و ذلک مما یحول دون وقوع التحریفات و الوقوع فی الانحراف و التأویل غیر الصحیح للقوانین و القواعد الکلیة. و من هنا نرى القرآن الکریم فی کثیرٍ من الأحیان لبیان حقیقة ما او قانون ما یتناول الجزئیات دون المصادیق و لا یکتفی بذکر الکلیات فقط خلافاً للکتب العلمیة المتعارفة التی تقتصر على الإشارة إلى القوانین الکلیة.
القسم الثانی:
یرجى بیان و تعلیل ذکر قصص و أحوال الماضین فی آیات القرآن الکریم؟ و قد أشرتم فی ما تقدم أنه من فوائد هذا المنهج الوصول إلى المسائل الدقیقة الملموسة و السؤال هو، أن الترکیز على الجزئیات ـ بما فیه من لزوم ـ ألا یمکن بیانه بطریقٍ آخر، و لماذا تم بطریق ذکر القصص و من خلال الحوادث التاریخیة؟ ألیس من الممکن لله تعالى أن یشیر إلى المصادیق و یذکرها بشکلٍ صریح و مباشر؟!.
فی البدایة لابد من الالتفات إلى أن القرآن الکریم لم یکن کتاب تاریخ حتى یتضمن جمیع الجزئیات و التفاصیل للحوادث التاریخیة، و إنما یشیر هذا الکتاب إلى مقاطع من التاریخ التی لها علاقة بهدایة الإنسان ـ و هو الهدف الأساسی لنزول القرآن و لذلک فإن ذکر قصص الماضین إنما تندرج فی سیاق هذا الهدف الأساسی.
و إن ما وقع من حوادث و مجریات بالنسبة إلى الماضین تفتح أمامنا آفاقاً للرؤیة الواضحة، و تطلعنا على مواطن الزلل و الانحراف و الخطأ فی حیاتهم، و هذا الاطلاع و المعرفة هی بمثابة السلم الذی نعرج و نرتقی من خلاله، و نتجنب خوض التجارب المضنیة المریرة التی عانى منها السابقون، و من هنا جاء التأکید على الدقة و الملاحظة فی إخبار الماضین من الأمم السالفة و التفکر فی أحوالهم و أعمالهم و تقلبات حیاتهم[6].
و من المناسب هنا أن نشیر إلى بعض النماذج و الأمثلة الظریفة و الحکم النادرة التی ورد ذکرها فی قصص القرآن التی تضمنتها آیاته:
1ـ إن نقل القصص على وجه الدقة و ذکر الجزئیات الصغیرة فی بعض المسائل هو من أجل إظهار روح التحدی و من قبیل النماذج الإعجازیة لآیات القرآن الکریم، لأن بعض الموضوعات التی وردت فی هذا المصحف الشریف لم یکن لها ذکرٌ فی الکتب السماویة السابقة، و هذا ما یثبت أن علم النبی صلى الله علیه و آله و سلم هو من عند الله فیما یخص تاریخ الأنبیاء السابقین، و ذلک لأن الإنسان العادی لا یمکنه الاطلاع على هذه الحقائق الخفیة و معرفة تفاصیلها من دون إخبارٍ مسبق و مطالعة.
2ـ وجود العدید من أهل الکتاب الذین یعبدون الله فی زمن رسول الله صلى الله علیه و آله کالیهود و النصارى، و إن نقل قصص أنبیائهم و أخبارهم فی سیاق آیات القرآن الکریم یندرج ضمن رسالة النبی و تبلیغها للناس کافة، مما یمهد الأرضیة لإیقاظ هذه الفئة من الناس، فمن الممکن بالنسبة إلیهم عندما یرون اقتراب الأفق الفکری و العقائدی للنبی صلى الله علیه و آله و سلم بخصوص ما جاء به أنبیاؤهم و کذلک وقوفهم على علم النبی بتاریخ أولئک الأنبیاء فإنه مما یسهل تصدیقهم بالنبی الأکرم و المیل إلى الإسلام بصورةٍ أفضل، و فی نهایة الأمر یمکن أن یکفوا أیدیهم عن إیذاء النبی و إظهار العداوة له، و یساهموا فی إعانة المسلمین و حمایتهم، و هذا ما نشاهده واضحاً فی هجرة المسلمین إلى أرض الحبشة[7].
3ـ بما أن الکثیر من المسائل الاعتقادیة و النقاط الدقیقة لا یتیسر فهمها و إدراکها بسهولة، إلا إذا ما عاش الإنسان تفاصیلها بنفسه، فإن الله سبحانه سهّل هذه المسائل الاعتقادیة و الفکریة لفهم الناس من خلال ذکر الجزئیات و التفاصیل الدقیقة فی حیاة الأنبیاء و سیرتهم، و بذلک عرضت بشکلٍ میسر و ملموس و مجسد و وضعت فی متناول المسلمین لیعوها و یفقهوها و ذلک من قبیل بیان قدرة الله المطلقة[8] و إرادته اللامحدودة التی تبلورت و تجسدت فی قصة نجاة إبراهیم علیه السلام، عندما ألقی فی النار من قبل نمرود و أتباعه و کذلک ما نشاهده من الظرافة فی قصة خداع آدم علیه السلام من قبل الشیطان و طریقة نفوذه فی تفکیر الإنسان مما أدى إلى هبوطه من الجنة[9] بسبب تناوله من الشجرة المحضورة علیه، فهی قصة ملیئة بالمعانی و مفعمة بالعبر التی عرضت بشکلٍ واضحٍ و مبین.
4ـ و بغض النظر عما سبق من الأسباب و العلل فإن اکتساب المواعظ و العبر هی من أهم العلل و الأسباب فی ذکر أخبار الماضین و سرد قصصهم و جزئیات حیاتهم، و ذلک ما صرح به القرآن الکریم نفسه، حیث قال: {لَقَدْ کَانَ فِی قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِی الأَلْبَابِ}[10].
إن من أکثر الموارد أثراً فی اکتساب العبر و تعلم الدروس هو ما حل بالأمم السالفة من العذاب الإلهی على إثر تجاهلهم مواطن الشکر و کفرهم بأنعم الله و عصیان أوامره، و ذلک من أمثال ما حل بقوم ثمود من صاعقة و ما أحاط بقوم نوح من الطوفان و غیر ذلک.
5ـ الاستفادة الکبیرة من بعض الحوادث و الوقائع فی میدان التعلم و اکتساب العلم و الاطلاع على مناهج الاستدلال و آداب المعاشرة و الحوار و ... من خلال عرض هذه القصص، و ذلک لأن التعلیم بالأسالیب غیر المباشرة هو من أهم طرق التعلیم و التربیة، لأنه لا یفقد تأثیره بسرعة و یستعصی على النسیان لمدة أطول من الزمان، و فی هذا الطریق التعلیمی یضع المتعلم نفسه مکان أبطال القصة فیتلقى الدروس بإحساس أشد و أدق.
و لذلک فإن التزام المتعلمین و المخاطبین یکون أکثر فی مضامین الخطاب و المفاهیم التی یتلقونها عبر هذا المنهج.
و مثل هذه الخطابات و الإیضاحات یمکن أن نشاهدها بشکلٍ واضح فی الکثیر من قصص القرآن من جملتها مثلاً استدلال إبراهیم علیه السلام بالشمس و القمر أو ما کان منه فی قضیة تحطیم الأصنام و الإشارة إلى کبیرهم، و کذلک ما نقل من تعالیم لقمان و حکمه التی خاطب بها ولده و ....
و من الطبیعی فإن ذکر القصص لها حکم و علل أخرى غیر ما ذکرنا و یمکن الاطلاع علیها و معرفتها من خلال مراجعة التفاسیر و الکتب الخاصة بقصص الأنبیاء.
القسم الثالث:
لأی سببٍ تذکر قصة موسى علیه السلام بهذا الحد من التأکید و التکرار فی القرآن الکریم، و لماذا لم تعطِ مثل هذه الأهمیة لحیاة النبی الأکرم صلى الله علیه و آله؟.
القرآن هو کتاب نورٍ و هدایة، و کل ما ذکر فیه و بین إنما هو من اللازم و الضروری لتحصیل و تأمین هذه الهدایة، و بهذا فکل قضیة أکد علیها القرآن و أعاد تکرارها فلابد أن نفهم ذلک فی ضمن هذا الإطار فما أکثر ما یکون بیان المطالب و تکرارها فی مناسبات مختلفة و بوجوه متعددة و کیفیات متفاوتة لیکون أثره التعلیمی أشد فی نفوس المخاطبین.
و من الممکن أن یقال أن علة تکرار القرآن لقصة موسى علیه السلام و حیاة قومه و بهذا التفصیل هو المصیر الذی انتهى إلیه هؤلاء و الملیء بالأحداث و التقلبات و کذلک تشابه بعض مقاطع حیاتهم و تاریخیهم إلى حدٍ کبیر بحیاة المسلمین و ما جرى لهم من أحداث.
و على سبیل المثال: فإن قصة واقعة بدر فی الإسلام لها شبهٌ کبیر بمصیر أتباع طالوت علیه السلام، فبحسب الشواهد التاریخیة، فإن عدد الجنود مع طالوت علیه السلام و النبی الأکرم صلى الله علیه و آله و سلم هو 313 نفراً، و أن کل واحدٍ منهما قابل عدداً کبیراً من المشرکین، وکان النصر من نصیبه فی نهایة الأمر[11]. فیذکر القرآن قصة طالوت و جنوده و ما أبدت هذه الفئة القلیلة من رجولة و صبر و بطولة مقابل جیشٍ کبیر من الکفار و المشرکین حتى یکون ذلک من قبیل القدوة و الأسوة بالنسبة إلى المسلمین. و فی کثیر من الروایات المنقولة عن المعصومین علیهم السلام وردت الإشارة إلى هذا التشابه بین الحادثتین و فی أحد هذه الموارد جاء الخطاب إلى الأمة: (لترکبن أمتی سنة بنی إسرائیل حذو النعل بالنعل، وحذو القذة بالقذة، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، وباعاً بباع، حتى لو دخلوا جحراً لدخلوا فیه معهم)[12].
أما فیما یخص النبی الأکرم صلى الله علیه و آله فلا بد أن یقال:
مع أن اسم النبی صلى الله علیه و آله و سلم لم یرد فی القرآن بشکلٍ واسع ومکرر، ولکن دقة النظر و التأمل فی أسباب النزول لکثیرٍ من آیات القرآن یکشف عن الإشارة إلى النبی و زمانه بما هو أکثر بمراتب مما ذکر بخصوص النبی موسى علیه السلام و قومه من بنی إسرائیل. و فی واقع الأمر فإن قصة حیاة الرسول صلى الله علیه و آله، و إن الکثیر من مقاطعها و مظاهرها، مشار إلیها و موجود فی آیات القرآن الکریم.
و من الجدیر بالذکر أن الکثیر من قصص أنبیاء الله وتاریخهم لم یذکر فی القرآن الکریم، ولکن لا ینبغی تلقی مثل هذا الأمر على أنه نقطة ضعف بالنسبة إلى هؤلاء الأنبیاء، و ذلک لأن جمیع الأنبیاء هم من طراز الإنسان الکامل و إنهم منزهون ـ بأمر الله و إرادته ـ من کل عیبٍ و نقص، و قد أشار القرآن إلى أشخاص و ذکر قصصهم فی القرآن و هم أناس مبغوضون عند الله و مکروهون و منحرفون، و من المسلم فإن ذکر هؤلاء فی القرآن لا یدل على أفضیلتهم، و إنما کان ذکر القرآن لهم ینحصر فی الأهداف و المصالح التی یتوخاها من ذکرهم. و على هذا الأساس فإن کون القرآن کتاب هدایة هو السبب فی حمله على أن یتحدث عن الأنبیاء فی بعض الأحیان، و عن أناس آخرین فی أحیانٍ أخرى لیسوا بأنبیاء و لا مرسلین و لکنهم یحضون بمرضاة الله سبحانه من أمثال: (ذو القرنین أو عمران والد مریم علیها السلام) و تارةً یخبر عن مصیر بعض الأشخاص و هم من المبغوضین و المغضوب علیهم من قبل الله تعالى من أمثال: (فرعون و الشیطان) و هذا هو الذی یحمل القرآن على أن یورد القصص و یکررها لعدة مرات، کقصة حضرة موسى علیه السلام، أو أنه یذکرها أو یشیر إلیها بعدة دفعات و مواطن، کالإشارة إلى دخول آدم الجنة التی ذکرت ثلاث مراتٍ فقط، أو إنه یذکر القصة و یتحدث عنها لمرة واحدة فحسب، کما فی قصة خلق آدم و عرضها على الملائکة و اعتراضهم على الحق تعالى.
المصادر:
1ـ الحلی، ابن إدریس، السرائر، مؤسسة النشر الإسلامی، الطبعة الثانیة عام 1411هـ .ق.
2ـ الحلی، یحیى بن سعید، الجامع للشرائع، منشورات مؤسسة سید الشهداء عام 1405هـ .ق.
3ـ السبحانی، جعفر، فرازهایى از تاریخ پیامبر اسلام، "شعاعٌ من تاریخ نبی الإسلام"، منشورات المشعر عام 1375 هـ. ق.
4ـ سلیم بن قیس الهلالی، أسرار آل محمد، منشورات الهادی، الطبعة الثانیة عام 1418 هـ.ق.
5ـ القاضی ابن الدارج، المهذب، منشورات جامعة المدرسین فی الحوزة العلمیة، قم، عام 1406هـ .ق.
7ـ المیزان فی تفسیر القرآن.
[1] آل عمران:138، الإسراء:9.
[2] أحمد بن محمد بن أبی نصر، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام، قال: (علینا إلقاء الأصول، و علیکم التفریع) الحلی ابن إدریس، السرائر، ج3 ص575 ـ الحلی، یحیى بن سعید، الجامع للشرائع، ص4.
[3] الحج:30.
[4] محمد صادق النجمی و هاشم هریسی، شناخت قرآن "معرفة القرآن"، 78.
[5] المائدة:90.
[6] یمکن مراجعة الآیات التالیة على سبیل المثال: یوسف:109، الروم:9 ـ 42.، محمد:10، غافر:21 و 82.
[7] السبحانی، جعفر، فرازهایى از تاریخ اسلام" شعاع من تاریخ الإسلام"، ص128.
[8] الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، ج1، ص120.
[9] البقرة:35.
[10] یوسف:111.
[11] السبحانی، جعفر، فرازهایى از تاریخ اسلام" شعاع من تاریخ نبی الإسلام"، ص222.
[12] انظر: سلیم بن قیس الهلالی، أسرار آل محمد، ص242و528.