Please Wait
7888
الاجابة عن السؤال تقوم على الامور التالیة:
أن جمیع الاحکام الالهیة و التشریعات تقوم على أساس المصالح و المفاسد؛ و نحن لا نقبل بحال من الاحوال بخلو الاحکام الشرعیة من العلل و الملاکات،فلا یوجد حکم شرعی اسلامی أصبح واجبا أو حراما و... بلا بسبب أو ملاک.
2. هناک الکثیر من الآیات و الرویات أشارت الى الحکم و الملاکات التی تقوم التشریعات علیها، و قد تمت الاشارة الیها بنحو کلی تارة و أخرى بنحو بجزئی، أضف الى ذلک أنه من الممکن التوصل الیها من خلال القرائن و الشواهد المحیطة بها.
3. هناک بعض الحالات لم یشر الباری تعالى فیها الى حکمتها، و هذا بنفسه یعد حکمة الهیة. ففی اخفاء هذه الامور تقویة و تأصیل لروح العبودیة و الطاعة لدى العباد.
4. ان العقل البشری محدود و لا یتمکن من الاحاطة بجمیع علل الاحکام و جزئیاتها فلا ینبغی لنا الاغترار بالعقل بحیث نتصور اننا نتمکن من الاحاطة بکل الجزئیات و جمیع العلل و الحکم و فلسفة کافة التشریعات؛ واذا ما عجزنا عن معرفتها فلیس من الصحیح الاعتقاد بانها ناقصة و ذلک لان تلک الاحکام تنبع من الحکمة الالهیة و العلم الربانی اللذین یقتضیان بان لایصدر حکم او دستور بلا مراعاة لمصالح العباد. ثم ان الانسان المؤمن یکون دائما بصدد اتباع الاوامر الالهیة و امتثالها.
یمکن الاجابة عن التساؤل المطروح من خلال النکات التالیة:
1. أن جمیع الاحکام الالهیة و التشریعات تقوم على أساس المصالح و المفاسد؛ و نحن لا نقبل بحال من الاحوال بخلو الاحکام الشرعیة من العلل و الملاکات. توضیح ذلک: أنه لا یوجد حکم شرعی اسلامی أصبح واجبا أو حراما و... بلا بسبب أو ملاک، و لیس الأمر کما یتصور البعض أن الاحکام فاقدة للعل و لا یسأل عنها بلماذا؟
إن الذین ترسخت عندهم عقیدة التوحید و یرون وفقا للادلة القطعیة بان المشرع الاسلامی و هو الله تعالى، غنی مطلق و عالم مطلق و حکم لا متناهی، فحینئذ لا یترددون طرفة عین بان جمیع تشریعاته و دساتیره التی جاء بها نبیّه الاکرم (ص) للبشریة، تقوم على المصالح؛ و ذلک لان العلم و الحکمة الالهیة تقتضیان بانه لا یصدر منه تعالى حکم لا تراعى فیه مصالح عباده؛ و أنهم یسعون باستمرار لاتباع أوامره و الاجتناب عن نواهیه و أن آثارها و جزئیات فلسفتها و عللها تنعکس على روحیاتهم سواء شعروا بذلک مباشرة أم لم یشعروا.
یقول الأمام الرضا (ع) فی هذا الخصوص: " إنّا وجدنا کلّ ما أحلّ اللّه تبارک و تعالى ففیه صلاح العباد و بقاؤهم، و لهم إلیه الحاجة التی لا یستغنون عنها، و وجدنا المحرّم من الأشیاء لا حاجة بالعباد إلیه، و وجدناه مفسدا داعیا إلى الفناء و الهلاک".[1]
2. صحیح أن العقل البشری لم یتمکن من الاحاطة بجمیع المصالح و الحکم و العلل الکامنة فی الاحکام، لکن هناک الکثیر من الآیات و الرویات أشارت الى الحکم و الملاکات التی تقوم التشریعات علیها، و قد تمت الاشارة الیها بنحو کلی تارة و أخرى بنحو بجزئی، أضف الى ذلک أن من الممکن التوصل الیها من خلال القرائن و الشواهد المحیطة بها.
فعلى سبیل المثال نجد الشیخ الصدوق (ره) قد صنف کتابا خاصا فی الموضوع نفسه اسماه "علل الشرائع" جمع فیه الکثیر من الروایات التی ترشد الى علل الشرائع و فلسفتها و حکمتها.
و نکتفی هنا بالاشارة الى تشریع واحد لما یکتسبه هذا التشریع من الأهمیة و الذی یعد اساس العبادات و الاحکام الاخرى و هو تشریع الصلاة؛ فبما أن الله تعالى لم یخلق الانسان عبثا هذا من جهة، و من جهة أخرى أن الانسان طالب للکمال الالهی فطرة، من هنا لابد أن یمتلک الطریق الموصل لهذا الکمال و ان هذا الطریق – طریق العبودیة- لا یتیسر الا من خلال الوعی و الالتفات و الابتعاد عن الغفلة التی تعد مانعا من تهذیب النفس و ایصالها الى الکمال و القرب الالهی، و کما یقول أمیر المؤمنین (ع): " الغفلة تکسب الاغترار و تدنی من البوار".[2] و لاریب أن من طرق النجاة من الغفلة الصلوات الخمسة الیومیة[3] و فی القرآن الکریم اشارة واضحة الى بعض آثار الصلاة بل أهم آثارها: "وَ أَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ وَ لَذِکْرُ اللَّهِ أَکْبَر".[4]
3. نعم، هناک بعض الحالات لم یشر الباری تعالى فیها الى حکمتها، و هذا بنفسه یعد حکمة الهیة. ففی اخفاء هذه الامور تقویة و تأصیل لروح العبودیة و الطاعة لدى العباد، فمن أراد التعبد لله لایهمة سواء عرف علة کون صلاة الصبح رکعتین أم لا، و سواء علم الحکمة من جعلها ثلاثیة فی المغرب و رباعیة فی العشاء أم لا، و ان کان لهذه الاعداد حکمة قطعا، فخفاء العلة و عدم التعرف علیها على نحو التفصیل لایضر بالعبودیة، بل لعلة من أکبر مواطن اختبار عبودیة العباد؛ و بعبارة أخرى: أن الانسان الذی آمن بحکمة الباری تعالى و علمه یذعن بما لا شک فیه بان کل ما یصدر منه لا یصدر الا عن حکمة و أنه یجب العمل بها و امتثالها من دون السؤال عن السبب فی کون الصلاة رکعتین فی الصبح و اربعة فی العشاء.
4. الجدیر بالذکر أن الاحکام و الدساتیر التی جاء بها النبی الاکرم (ص) و أئمة الدین انما تمثل الوصفة الالهیة التی تحقق سعادت البشریة و فلاحها، فاذا لم یطلع الانسان على حکمها و فلسفتها بشکل تفصیلی فلا ینبغی له الاعتقاد بانها ناقصة و لایحق له عدم الامتثال لها و کذلک لایحق له أن یجعل العقل البشری الناقص هو المعیار فی الموازنة من دون الاستعانة بالوحی الالهی؛ فهل الذی یراجع الطبیب للمعالجة و لم یطلع على خواص الدواء و حکمته، یسأل الطبیب عن تلک الخواص؟ و هل یسأله عن سبب إختیار هذا النوع من الدواء دون سواء؟ و هل یعتقد المریض أن عدم علمه بالحکمة تعنی فقدان الدواء للفائدة و الآثر المترتب علیه؟
اتضح من خلال ما مرّ، اننا نستطیع من خلال العقل الوصول الى بعض الحکم و العلل الکامنة فی الاحکام و نستطیع السؤال بهذا المقدار عنها، و مع اننا لنا الحق فی السؤال عن تلک الحکم و العلل لکن لا ینبغی لنا الاغترار بالعقل بحیث نتصور اننا نتمکن من الاحاطة بکل الجزئیات و جمیع العلل و الحکم و فلسفة کافة التشریعات؛ و ذلک لان تلک الاحکام تنبع من عین لا مجال للاحاطة بعلمها و ان جمیع علومنا لا تساوی قطرة من ذلک البحر المتلاطم، و فی الحقیقة ان قلة ما نعلمة بالنسبة الى المجهولات الکثیرة التی تحیط بنا من الامور التی شغلت اذهان کبار العلماء المعاصرین فی العالم و التی اذعن الجمیع بها.
لمزید الاطلاع انظر: مصادر حکمة التشریعات و فلسفتها.