Please Wait
6491
1. کما أشرتم الیه في سؤالكم فان خلقة الموجودات بدءً من الانسان الذي هو أشرف المخلوقات و الی أخس الحیوانات و الدواب و اصغرها، قائمة علی أساس الحکمة و تنطوي على غرض عقلائي، الا أن البشر لم یتوصل الی الآن و لن یتوصل الی جمیع حکم الخلقة. و يمكننا هنا مطالعة جواب السؤال رقم: 4655.
ان وجود بعض الموجودات أدی الی اثارة سؤال الناس و فضولهم. و کنموذج علی ذلک ورد في إحدى الروایات أن الذباب وقع على المنصور فذبه عنه فعاد فذبه عنه حتى أضجره فدخل جعفر بن محمد (ع) فقال له المنصور: يا أبا عبد الله لم خلق الذباب؟ قال: " ليذل به الجبابرة"[1]. و بالطبع فانه یفهم من جواب الامام بمقتضی الحال أنه لیس ذلک هو کل الحکمة في خلق الذباب، و ذلک لان هذا الجواب في الحقیقة کنایة الی الحکام الظلمة و المستبدین المغرورین بقوتهم، و الذین یتصورون أنهم ما داموا مسیطرین علی السلطة الدنیویة لایام معدودة، فانه یجب علی جمیع الناس أن یکونوا مطیعین لهم. و الامام (ع) في هذا الجواب یرید أن یقول له إنک مع کل قوتک و سطوتك و سلطانك عاجز أمام ذبابة واحدة. و ان الذبابة افقدتک توازنک، ولعل في الآية المباركة اشارة الى هذا المعنى " يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوب"[2]. و بدیهي أن للذباب موقعيته في النظام العام للكون و إن كان البشر يجهلها حتى هذه اللحظة فلا بد من البحث عنها و كشف تلك الاسرار الكامنة في المخلوقات.
2. إن الکلب رغم کونه نجساً، و لکن له فوائد کثیرة، ککلاب الصید، و کلاب الحراسة و الکلاب التي تستخدم الیوم في مهمة الفحص و البحث و... و طبیعي ان یکون هدف خلقته ناظر الی وجود تلک المنافع و غيرها من المنافع المجهولة. و الا فلو لم یکن الامر کذلک فانه لا یمکننا ان نحصل علی وجود یکون خیراً محضاً حتی لو کان هو الانسان.
3. اتضح بما ذکرنا أن لله تعالی هدفاً من إیجاد و خلق الاشياء، و ان لکل من الحیوانات و الموجودات في الدنیا فوائد لا یمکن للبشر ان یصل الی فلسفتها الوجودیة، و ربما کان ذلک بسبب ضعف الانسان و لیس لعدم الفائدة من الخلقة، فعلى سبيل المثال لم يكن البشر حتى قرون متأخرة يعي حالة التفسخ للاشياء الميتة و الفضلات، و كان تقزز منها و يظهر الانزعاج من خلق هذه الحالة الكريهة، الا انه و بعد تطور العلم و اكتشاف الفطريات و البكتريا عرف أن هذه المخلوقات الصغيرة جداً و التي لا ترى بالعين المجردة تقوم بخدمة كبيرة للبشرية و نظام الكون بصورة عامة من خلال تكفيك الخلايا الميتة و اعادتها الى عناصرها الاصلية الخالية من كل تعفن و.... وبهذا تحافظ على البيئة من جهة و على توازن المادة و النظام من جهة أخرى. بل كلما مرت الايام اكتشفنا فوائد اخرى لعل انتاج الطاقة من النفايات و الامور المتعفنة من بين تلك الفوائد.
4. و من الجدیر بالذکران لیس من الضروري ان تکون فوائد الحیوانات و الحشرات و الدواب و... منحصرة في الاستفادة من لحومها للاکل. فقد یکون الحیوان نجساً و یحرم أکله ً و مع ذلك له فوائد أخری، و تکون فلسفة وجوده في ذلک النوع من الاستفادة، کالکلب و الخنزیر. و کنموذج علی ذلک ففي الماضي غیر البعید جداً، ربما لم یکن الانسان یتصور انه یمکن في یوم من الایام ان یَستخرج من سم الافعی القاتل شراباً ینقذ حیاة آلاف المرضی من الموت. و هکذا هي فلسفة و حکمة الخلق و إیجاد الموجودات في البر و في قعر البحار و المحیطات " رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّار"[3].
[1] ابن شهر اشوب المازندرانی، مناقب آل ابی طالب علیهم السلام, ج4، ص251،مؤسسة منشورات العلامة، قم، 1379.
[2] الحج، 73.
[3] آل عمران، 191.