Please Wait
5891
انفصلت روحی مرة من المرّات قبل أن أخلد الى النوم، و لقد تکررت هذه الحالة مرات عدیدة لی قبل هذه الحادثة و بعدها لکننی قاومت و لم استسلم الا مرة واحدة فقط بحیث خرجت روحی من صدری و کأن شخصا یستلها منه! و فی مرة أخرى تخلصت بسرعة من تحت یده. و الحقیقة أنی لا ادری ما اقول هل یوجد جن تحت جفن عینی الیسرى؟!! و هل ما اقوله مضحک و باعث على السخریة؟؟ لکنی رأیته یرتدی السترة سترة و بنطالا اسودین و عندما رآنی صرخ و أمسک بوجهی و قابلته بالصراخ ایضا لکن صوتی انحبس!!.و قد تحدثت الى صدیقی الذی له معرفة بهذه الامور فامرنی بالاستسلام له لیخرج روحی مدعیا أن الجن یرید أن یسدی لی خدمة! لا أدری لعله یکون صادقا فی کلامه! انتم أعلم بذلک.و على أثر نصیحة صاحبی هذا نادیت الجن و طلبت منه أن یأتی لینتزع روحی من صدری و أبدیت له استعدادی لهذا العمل و العجیب أنه جاء لکنی فقدت الشجاعة فی مواجهته هذه المرة أیضا و لم اسمح له بذلک. الرجاء مساعدتی فی هذه القضیة مع جزیل الشکر.
یحدث لبعض الافراد ما یشابه انفصال الروح من البدن اثناء النوم، و عادة ما تقع أثناء الاستیقاض و تکون باعثة على الاضطراب و الخشیة و قد تتحول الى مشکلة و عذاب نفسی. و یحصل احیانا بعد وقوع هذه الحالة ان یواجه الانسان قضایا مختلفة منها الاتصال بالکائنات الغیبیة الأمر الذی یتحول الى کابوس یلازمه.
و هناک بعض الافراد یسعون بانفسهم لتحصیل و استقبال مثل هکذا ظاهرة یبغون من وراء ذلک کسب نوع من القدرة الغیبیة التی یفتقدها الآخرون. و هذه المغامرات تؤدی فی کثیر من الاحیان الى الانحراف عن الطریق القویم و السقوط فی وادی الرذیلة.
و جذور القضیة تکمن فی الانسان نفسه و بطریقة تفکیره و تعامله مع الحیاة و لیس من الصحیح البحث عن معالجتها خارج النفس؛ فاذا ما تحرر الانسان من ظاهرة الخوف و الخشیة التی یعیشها -لأی سبب کان- فان تلک الامور قد تزول تلقائیا.
و لا یصح بحال من الاحوال الخوض فی مثل هذه القضایا من دون الاستعانة بالاستاذ الکامل و العارف الذی طوى مراحل السیر و السلوک بنجاح، فمن المحتمل قویا ان الخوض فیها من دون مرشد سوف ینجر به الى حصول حالة من الشعبذة و السحر التی لا تحمد عقباها.
نرى من المناسب قبل الاجابة عن السؤال الاشارة الى مسألة انفصال الروح عن البدن فنقول:
تطرح هذه المسالة عادة على هامش البحث عن الموت الاختیاری و خلع البدن. و یعنی خلع البدن فی العرفان الاسلامی تسامی الروح عن التعلق بالبدن المادی و التی تمثل حصیلة التکامل و السیر و السلوک العرفانی. و قد یحدث ذلک لعدد من السالکین و العارفین خاصة. و من هنا لا یمکن القول ان کل نوع من انواع خلع البدن یعد دائما من النوع الحاصل نتیجة السلوک العرفانی. و مع ذلک یوجد فی العلوم الروحیة و علوم ما وراء الطبیعة اصطلاحات من قبیل نزع الروح عن البدن التی تعنی فی العلوم الاسلامیة انفصال البدن المثالی عن البدن المادی. و هذه الظاهرة تارة تحدث بصورة تلقائیة و تارة أخرى تحصل نتیجة عملیة روحیة أو تلقین خاص.
و قد حدث الکثیر مما یشابه هذه الواقعة للکثیر من الافراد اثناء النوم و عادة ما تقع أثناء الاستیقاض من النوم و تحدث بصورة لا اردایة. و تارة أخرى تکون مقترنة بالخوف و الرعب و فی بعض الاحیان تتحول هذه الحالة الى مشکلة نفسیة و مرضیة. و هنا قد یصرح الشخص الذی یتعرض لهذه الحالة بانه على ارتباط بالموجودات غیر المادیة و الغیبیة.
و الحقیقة أن اکثر هذه الحالات حصیلة توهمات و تخیلات الشخص نفسه. و فی الواقع أنه من غیر الممکن التمییز و وضع حد مائز بین الامور المتوهمة و الواقعیة.
و على کل حال، هناک بعض الافراد یسعون بانفسهم لتحصیل و استقبال مثل هکذا ظاهرة یبغون من وراء ذلک کسب نوع من القدرة الغیبیة التی یفتقدها الآخرون. و هذه المغامرات تؤدی فی کثیر من الاحیان الى الانحراف عن الطریق القویم و السقوط فی وادی الرذیلة. و بنحو عام إن هذه التوجهات جرّت اصحابها على مر التاریخ الى الکهانة و الارتباط بالجن و الخداع و الشعبذة.
و نحن حینما نرجع الى القرآن الکریم نجده ینتقد بشدة طاعة الجن و الخضوع لهم بنحو نجد الکثیر من آیات الذکر الحکیم تنهى عن ذلک، من قبیل قوله تعالى: " وَ أَنَّهُ کانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ یَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً".[1]
و الحقیقة أن التعالیم الاسلامیة لا تحبذ و لا تطلب من المکلفین السیر فی وادی الاتصال بالجن و نزع الروح عن البدن و غیر ذلک من الظواهر التی تثار هنا أو هناک. بل قد تکون هذه الظاهرة وبالا على الانسان نفسه، خاصة اذا سار فی هذا المسلک من دون الاستعانة باستاذ مؤمن متکامل الخصال العرفانیة و متصفا بالصلاح و التقوى.
و تارة یسعى الانسان - بسبب بعض المیول و التوجهات الغیبیة- و من دون الاستعانة بالاستاذ المرشد، لاستقبال مثل هکذا ظاهرة بحیث یتصدى هو نفسه لدعوة بعض الموجودات الغیبیة الیه.
و نحن لو تأملنا فی السبب الداعی للوقوع فی مثل هکذا انحرافات لوجدناه یکمن فی التبعیة للمیول الدنیویة الأعم من المادیة و المغامرات الروحیة الأخرى.
و العامل الآخر المؤدی الى حصول هذه الظاهرة عامل الخشیة و الرعب الشدیدین و ذلک لان الخشیة تنجر بصاحبها الى التبعیة و الخضوع و من هنا یجد الانسان نفسه - من دون ان یشعر- قد وقع فی أسر هذه الظاهرة التی لاخلاص له منها.
من هنا کلما تحرر الانسان من تلک التبعیة المقصودة أو غیر المقصودة، تحررت روحه و ذهنیته من الوقوع فی مثل تلک الظواهر الانحرافیة. فجذور القضیة إذن تکمن فی الانسان نفسه و بطریقة تفکیره و تعامله مع الحیاة و لیس من الصحیح البحث عن معالجتها خارج النفس؛ فاذا ما تحرر الانسان من ظاهرة الخوف و الخشیة التی یعیشها -لأی سبب کان- فان تلک الامور قد تزول تلقائیا. و قد تعود له تلک المیول لکن هذه المرة لیس بسبب الخوف و الخشیة و لکن من باب المغامرة و حب المجازفة.
و هنا نقول: لا یصح بحال من الاحوال الخوض فی مثل هذه القضایا من دون الاستعانة بالاستاذ الکامل و العارف الذی طوى مراحل السیر و السلوک بنجاح، فمن المحتمل قویا ان الخوض فیها من دون مرشد سوف ینجر به الى حصول حالة من الشعبذة و السحر التی لا تحمد عقباها.
و السبب فی منع الاسلام عن الخوض فی هذه القضایا و عدم المجازفة فیها لا یکمن فی ذات تلک الظاهرة، بل یکمن فی عدم ورع و تقوى الشخص نفسه. و ذلک لان الظواهر الغیبیة انما تنفع الانسان عندما یکون الانسان قد وصل الى درجة عالیة من الورع و التقوى و التحرر عن المغریات الدنیویة. فان للمکاشفات الغیبیة – عادة- بعدا الاهیّا، لا تحصل الا مع توفر الارضیة المناسبة لها من الورع و التقوى فمن دون السیر و السلوک الصحیحین و تهذیب النفس سوف تنجر الامور الى الوقوع فی الضرر و العواقب الوخیمة.
و على هذا الاساس لابد ان تکون جمیع میول الانسان و تحرکاته فی السیر و السوک العرفانی متجهة نحو العشق الالهی و التوحید العملی و الزهد و التقوى بمعناها الحقیقی. فان فضائل الانسان و تسامیه فی السیر و السلوک العرفانی الکامل، لیست من الامور البعیدة المنال فی الحیاة الاعتیادیة فمن لم یر الله تعالى فی حیاته الاعتیادیة لاریب انه یجهل عالم ما وراء المادة من باب أولى.
لمزید الاطلاع انظر: السؤال6625 (الرقم فی الموقع: 7662) و 8268 (الرقم فی الموقع: 8869).