بحث متقدم
الزيارة
6169
محدثة عن: 2013/08/27
خلاصة السؤال
هل وجودی فی هذا العالم أمر جبری؟
السؤال
هل وجودی فی هذا العالم أمر جبری؟ هناک سؤال یقلقنی کثیراً و هو: ما الفائدة من وجودی فی هذا العالم و هل وجودی فی هذا العالم یعود الى إختیاری أم أنا مجبر علیه؟ و لو فرضنا أنی أقبل بالعدم و أفضله على عالم الدخول فی عالم المسؤولیة و المؤاخذة فما الفرق بالنسبة لی لو کنت عدما فانا لا أرید النعم الاخرویة و لا الشرور الدنیویة؟ الحقیقة هذا السؤال یؤلمنی و قد أثر على علاقتی الایمانیة مع الله تعالى و من هنا أردد دائماً لیتنی کنت تراباً!!.
الجواب الإجمالي

و بعد زوال حجب الجهل من خلال إرتقاء المعرفة بالنفس و بخالقها لا یوجد انسان ینکر تلک الهبات الالهیة، نعم الذی یبدو من الانکار فی العالم یعود الى النقص المعرفی بالنفس و الابتعاد عن مقام الرضا و التسلیم. فاذا تذکر ذلک عندئذ سوف یتقبل مسؤولیة وجوده، و لعل من أوضح الادلة على ذلک حبًّ الانسان و تمسکه العمیق بالوجود الذی لا یرضى بحال من الاحوال التفریط به کنعمة إلهیة.

 

الجواب التفصيلي

فکل انسان جاء الى هذا العالم یکون قد سبقه قبل ذلک تقبل الفیض الالهی و فی النهایة هو یعلم بکمالة الفطری.

 

فالنظرة المعنویة الى هذه القضیة تکشف لنا أن الیأس من الامور الخارجیة و عالم الدنیا قد یکشف عن رجوع الانسان باطنیا الى الله تعالى کما أن الانسان یشعر عندما یختلی لوحده بالمعیة الالهیة و العلاقة مع الله سبحانه. و على کل حال بعض الناس یهرب من الله تعالى فی الوقت الذی یکون فیه أکثر حاجة الیه.

 

إن المشاکل التی یواجهها الانسان فی حیاته و الآلام التی یتحملها بمیزان قیمته الوجودیة و انها لا تعد شیئا اذا ما قورنت بالنعم و السعادة التی یحظى بها فی عالم الآخرة، و من هنا نرى الانسان الذی یصل الى مرتبة الکمال یتحسر على ما فرط به من وقت و طاقة و یتمنى لو أنه قد اکتشف نفسه قبل ذلک الوقت و یتمنى لو کان أشد صبراً على المحن و الشدائد التی واجهته.

 

ولابد أن نعلم بان نعمة الوجود التی یتنعم بها الانسان تتمثل فی المنزلة التی یحظى بها و المقام الذی منحه الله تعالى له و هو مقام خلافة الله فی الارض و سجود السماوات و الارض و الملائکة له. و اذا ما شعر الانسان فی مرحلة من المراحل بانه مجبر على الوجود فان ذلک سببه الحجب التی تقع بینه و بین ادراک الابعاد الراقیة فی شخصیته و التی تعود الى نسیان ذاته. و حجب الغفلة و النسیان هذه یمکن ازالتها من خلال الذکر لیتذکر الانسان ذلک العهد الفطری الذی أخذه الله على عباده حین قال: "وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنی‏ آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّکُمْ قالُوا بَلى‏ شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا یَوْمَ الْقِیامَةِ إِنَّا کُنَّا عَنْ هذا غافِلینَ[1]

 

إذن ترجیح جانب العدم على الوجود لا یحصل الا من خلال الغفلة و الجهل شأنه شأن الطفل الذی یجهل قیمة اللقاح المضاد و یرضى لنفسه الحیاة مشلولا ضعیف البنیة مرجحاً ذلک على تحمل ألم زرق اللقاح فی بدنه!!!

 

وإذا تجاوزنا هذا کله و صرفنا النظر عنه فلابد من الالتفات الى أن أصل خلقة الانسان لطف من الله تعالى بحق الانسان لیتمکن من خلاله الترقی فی سلّم الکمال و لینتفع بالنعم الالهیة لا انه یملک حقا على الله تعالى، و لنقرب الفکرة بمثال توضیحی: لو قدر أن انسانا أعدّ و لیمة تتوفر فیها اطیب ألوان و انواع الاکلات و دعا الیها مجموعة من الناس و لکن اختار بعض المدعوین الامتناع عن الاکل بارادة و اختیار منه و بقی متحملا لعوارض الجوع و آلامه فهل یقع اللوم على المضیّف لماذا أقام تلک الولیمة و الضیافة؟![2] و هل یحق للضیوف لوم المضیّف على دعوته لهم؟!

 

و الحقیقة أن هذا النوع من التفکیر بعید عن النظرة الایمانیة فالمؤمن لا یفکر بنفسه و لا یرى لنفسه وجودا مستقلا متفضلا به على لله تعالى، بل هذه الرؤیة و التفضل و التفکیر فی النفس منشأه النظرة المنطلقة من نظریة أصالة الانسان التی تنکر الایمان القلبی و على فرض الاعتقاد بوجود الله تعالى لا یوجد بین اصحابها و بین الله تعالى أی علاقة قلبیة فلا یرون وجودهم عین الحاجة و الافتقار الى الله تعالى و الارتباط به.

 

 

[1]الاعراف، 172.

  «کنت کنزا مخفیا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لکی أعرف». بحار الانوار، ج84، ص 344. موسسه الوفاء، بیروت، 1404ق.‏

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...