Please Wait
6386
منذ التاریخ الاول لحیاة البشر کان بعض الأفراد یهدفون إلى البحث عن الحقیقة و تعلیمها لغیرهم و کانوا یهتفون: "حَقیقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَق"[1]
و کان الأنبیاء الذین قامت الأدیان الإلهیة على أکتافهم من جملة هؤلاء. یکفیک أن تبحث عن کلمة "الحق" و مشتقاتها فی القرآن و الروایات لیتبین لک مدى أهمیته فی الإسلام.
و فی المقابل کان البعض یلهی الناس بالأساطیر و أمور لا طائل من ورائها و یحاول عمدا أن یحرف الناس عن سبیل الله لیصل إلى مطامعه و هواه.[2]
أما هل العالم الذی یسمى الآن بالعالم الافتراضی، فی النقطة المقابلة للعالم الحقیقی تماما؟
الجواب کلا، إذ نحن نعتقد أن العالم الافتراضی ینقسم إلى قسمین:
1ـ القسم الذی هو عبارة عن انعکاس الحقیقة و الواقع و له علاقة و ثیقة بعالم الواقع و لا یمکن دراسة هذا القسم بغض النظر عن الواقع.
2ـ القسم الآخر و هو الذی یعکس أوهام الناس و تخیلاتهم فی قالب مجازی افتراضی و قد أقبل علیه البعض طلبا للنزهة أو هروبا من الواقع.
تعدّ المعاملات المصرفیة و التجاریة و کلّ مصادیق استخدام التقنیة الحدیثة فی سبیل الارتباط الحقیقی بین الناس من القسم الأول، و أما الکثیر من الألعاب الکمبیوتریة و بث الأخبار الکاذبة الفردیة و الاجتماعیة و کذلک بث الخرافات عن طریق الشبکات العالمیة فلابد من جعلها فی القسم الثانی.
إذن یستطیع الدین باعتباره واقعا و حقیقة أن یستخدم العالم الافتراضی لیغطی أکثر عدد من المخاطبین و یجعل بین أیدیهم أکثر قدر من المعلومات، و فی المقابل یستطیع الأعداء أن یأدّوا دورا سلبیا من خلال نشر أنواع الشبهات و إلهاء الناس بأمور تافهة. و کما لم یمکن التنبؤ برد فعل الناس بعد ظهور الأنبیاء بأنه هل سیُقبل أکثر الناس على الحق أم سوف یجعلون أصابعهم فی آذانهم و یسدون أعینهم عن الحق[3]، کذلک الیوم و فی حال عدم حضور النبی و وجود علماء یبلغون رسالته إلى العالم، لا یمکن التنبؤ بکیفیة تأثیر تقنیة العالم الافتراضی على إقبال الناس على الدین فی المدى القصیر.
طبعا خلافا للماضی حیث کان الکثیر من الناس محرومین من استماع رسالة الدین و لهذا السبب کانت لهم حجج فی عدم التزامهم بالدین، نجد الدین فی هذا العصر أخذ یسلب هذه الحجة من البشر کافة بدخوله فی العالم الافتراضی و سوف یتمّ الحجة علیهم. فمن خلال ظهور هذه القابلیة نستطیع أن نشاهد صورة الدین فی العالم الافتراضی.
و فی النهایة لا بأس أن تعلم أن الإمام السادس (ع) قد أنبأ بهذه الظاهرة قبل ألف و ثلاث مائة سنة حیث تکلم عن قم و أخبر أنها سوف تکون مرکز انتشار الدین إلى العالم؛ الأمر الذی کان یبدو مستحیلا بدون استخدام العالم الافتراضی! فقال: "ثُمَّ یَظْهَرُ الْعِلْمُ بِبَلْدَةٍ یُقَالُ لَهَا قُمُّ وَ تَصِیرُ مَعْدِناً لِلْعِلْمِ وَ الْفَضْلِ حَتَّى لَا یَبْقَى فِی الْأَرْضِ مُسْتَضْعَفٌ فِی الدِّینِ حَتَّى الْمُخَدَّرَاتُ فِی الْحِجَالِ وَ ذَلِکَ عِنْدَ قُرْبِ ظُهُورِ قَائِمِنَا فَیَجْعَلُ اللَّهُ قُمَّ وَ أَهْلَهُ قَائِمِینَ مَقَامَ الْحُجَّة..."؛[4]
و نحن نرى الیوم مقدمات هذه النهضة العلمیة فی مدینة قم و نسأل الله أن یعجل فی ظهور مولانا صاحب العصر و الزمان.
[1] الأعراف، 105.
[2] لقمان، 6؛ "وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَشْتَری لَهْوَ الْحَدیثِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبیلِ اللَّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَ یَتَّخِذَها هُزُوا".
[3] نوح، 7؛ "جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فی آذانِهِمْ وَ اسْتَغْشَوْا ثِیابَهُم".
[4] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 57، ص 213، ح 23، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ق.