بحث متقدم
الزيارة
5952
محدثة عن: 2012/07/12
خلاصة السؤال
لماذا أفرد الحدیث عن إسماعیل (ع) فی الآیة المبارکة مع کونه إبناً لإبراهیم (ع) أیضاً؟
السؤال
قال تعالى: {وَ اذْکُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِیمَ وَ إِسْحَاقَ وَ یَعْقُوبَ أُوْلِی الْأَیْدِی وَ الْأَبْصَارِ* إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِکْرَى الدَّارِ * وَ إِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَیْنَ الْأَخْیَارِ* وَ اذْکُرْ إِسْمَاعِیلَ وَ الْیَسَعَ وَ ذَا الْکِفْلِ ِ وَ کُلٌّ مِنَ الْأَخْیار}: أ.لماذا إسماعیل (ع) ذکر منفصلا عن (إبراهیم)-ع- و هو أبنه مثل إسحاق (ع)؟ ب.لماذا عبر سبحانه عن (إبْرَاهِیمَ وَ إِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ) بأولی الأیدی و الأبصار؟ ج.لماذا وصف سبحانه و تعالى (إبْرَاهِیمَ وَ إِسْحَاقَ وَ یَعْقُوبَ) بقوله- إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِکْرَى الدَّارِ , وَ إِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَیْنَ الْأَخْیَارِ - و عبر عن (إِسْمَاعِیلَ وَالْیَسَعَ وَذَا الْکِفْلِ)بوصف من الْأَخْیَارِ؟
الجواب الإجمالي

ذکر الله تعالى فی الآیة المبارکة کلا من إبراهیم و اسحاق و یعقوب مجتمعین و أفرد ذکر إسماعیل مع کونه هو الآخر من ولد إبراهیم (علیهم السلام)، و هذه القضیة لفتت انتباه بعض المفسرین فقط، فعللوا ذلک بقولهم: فصل ترجمته عن أبیه و أخیه للإشعار بعلو شأنه، و استقلاله بالشرف و الذکر، و لعراقته فى الصبر، الذی هو المقصود بالتذکیر. وَ اذْکُرْ أیضاً یا أکمل الرسل جدک إِسْماعِیلَ ابن ابراهیم الخلیل و تذکر تصبره و رسوخه فی مقام التفویض و التسلیم راضیاً بما جرى علیه من مقتضیات حکم ربّه مع أنه لم یبلغ الحلم.

تجد الاجابة عن باقی الاسئلة فی الجواب التفصیلی.

الجواب التفصيلي

الف: ذکر الله تعالى فی الآیة المبارکة کلا من إبراهیم و اسحاق و یعقوب مجتمعین و أفرد ذکر إسماعیل مع کونه هو الآخر من ولد إبراهیم (علیهم السلام)، و هذه القضیة لفتت انتباه بعض المفسرین فقط، فعللوا ذلک بقولهم: فصل ترجمته عن أبیه و أخیه للإشعار بعلو شأنه، و استقلاله بالشرف و الذکر، و لعراقته فى الصبر، الذی هو المقصود بالتذکیر.[1] وَ اذْکُرْ أیضاً یا أکمل الرسل جدک إِسْماعِیلَ ابن ابراهیم الخلیل و تذکر تصبره و رسوخه فی مقام التفویض و التسلیم راضیاً بما جرى علیه من مقتضیات حکم ربّه مع أنه لم یبلغ الحلم.[2]

ب. صحیح أن لفظة ید موضوعة للعضو المعروف من البدن، الا انها جاءت فی القرآن الکریم کنایة عن القدرة ؛ کقوله تعالى: " َ أُولِی الْأَیْدِی وَ الْأَبْصارِ" مدحهم بتوصیفهم بأن لهم الأیدی و الأبصار و ید الإنسان و بصره إنما یمدحان إذا کانا ید إنسان و بصر إنسان و استعملا فیما خلقا له و خدما الإنسان فی إنسانیته فتکتسب الید صالح العمل و یجری منها الخیر على الخلق و یمیز البصر طرق العافیة و السلامة من موارد الهلکة و یصیب الحق و لا یلتبس علیه الباطل.

فیکون کونهم أولی الأید و الأبصار کنایة عن قوتهم فی الطاعة و إیصال الخیر و تبصرهم فی إصابة الحق فی الاعتقاد و العمل. [3]   و انّه لتعبیر مثیر للعجب؟ أصحاب الأیدی و الأبصار! «أیدی» جمع (ید)، و (أبصار) جمع (بصر).

فالإنسان یحتاج إلى قوّتین لتحقیق أهدافه، الاولى قوّة الإدراک و التشخیص، و الثانیة حسن الأداء. و بعبارة أخرى: یجب علیه الاستفادة من (العلم) و (القدرة) للوصول إلى أهدافه.

و قد وصف البارئ عزّ و جلّ أنبیاءه بأنّهم ذوو إدراک و تشخیص و بصیرة قویّة، و ذوو قوّة و قدرة کافیة لإنجاز أعمالهم.

إنّ هؤلاء الأنبیاء على مستوى عال من المعرفة، و أنّ مستوى علمهم بشریعة اللّه و أسرار الخلق و خفایا الحیاة لا یمکن تحدیده. أمّا من حیث الإرادة و التصمیم و حسن الأداء، فإنّهم غیر کسولین أو عاجزین أو ضعفاء، بل هم أشخاص ذوو إرادة قویّة و تصمیم راسخ، إنّهم قدوة لکلّ السائرین فی طریق الحقّ، فبعد مقام العبودیة الکامل للّه تعالى، لتسلّحوا بهذین السلاحین القاطعین.[4]

وقد روی عن الإمام الباقر (ع) فی تفسیر الآیة المبارکة أنه قال: " أُولِی الْأَیْدِی وَ الْأَبْصارِ" یَعْنِی أُولِی الْقُوَّةِ فِی الْعِبَادَةِ وَ الْبَصَرِ فِیهَا.[5]  و هناک من فسرها بأولی الأعمال الجلیلة، و العلوم الشّریفة. فعبّر بالأیدی عن الأعمال، لأنّ أکثرها بمباشرتها، و بالأبصار عن المعارف، لأنّها أقوى مبادئها. و فسرت أیضا بأولی النّعم على عباد اللّه، بالدّعاء إلى الدّین. و أولی الأبصار: أولی العقل.[6]

ج. تستعرض الآیات المذکورة أسماء مجموعة من أنبیاء اللّه، و توضّح بصورة مختصرة بعض صفاتهم البارزة التی یمکن أن تکون أنموذجا حیّا لکلّ بنی الإنسان.

و الذی یلفت الانتباه، هو أنّ هذه الآیات استعرضت ستّ صفات مختلفة لأولئک الأنبیاء الستّة، و لکلّ صفة معناها و مفهومها الخاصّ بها. ففی البدایة تخاطب رسول اللّه (ص): "وَ اذْکُرْ عِبادَنا إِبْراهِیمَ وَ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ" و تصفهم بأنهم " لَمِنَ الْمُصْطَفَیْنَ الْأَخْیار" مما قد یوحی بأفضلیة مقامهم و تقدمهم على الطائفة الثانیة، و الحال أن صفة الاصطفاء فی قوله تعالى " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهیمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمین‏"‏.[7] تکشف لنا خطأ ذلک التصور، و أن الآیات المبارکة لیست بصدد نفی صفة الاصطفاء و الخیریة عن الطائفة الثانیة؛ و هذا المعنى عین ما ذهب الیه صاحب تفسیر آسان حیث ذهب الى شمول الصفات لکلا الطائفتین.[8] فعبارة "کُلٌّ مِنَ الْأَخْیارِ" تشیر إلى أنّ الأنبیاء الثلاثة (إسماعیل، و الیسع، و ذو الکفل) تنطبق علیهم کافّة الصفات التی وصف بها الأنبیاء الثلاثة السابقون (إبراهیم، و إسحاق، و یعقوب) الذین أطلقت علیهم الآیة السابقة صفة (الأخیار)، کما أنّ (الخیر المطلق) له معان واسعة تشمل (النبوّة) و (الدار الآخرة) و (مقام العبودیّة) و (العلم و القدرة.[9]

فمن الخطأ توهم تفرد الطائفة بتلک الصفات دون الطائفة الثانیة، فان الآیات المبارکة لم تکن بصدد تفضیل الطائفة الاولى على الثانیة و حرمانها من بعض صفات الخیر و الاصطفاء و.... بل القضیة تابعة لاسلوب البیان القرآنی و التفنن البلاغی و الأدبی.

 

[1] ابن عجیبة، أحمد بن محمد، البحر المدید فل تفسیر القرآن المجید، تحقیق، قرشی رسلان، أحمد عبدالله، ج 5، ص 35، الدکتور حسن عباس زکی، قاهره‏، 1419ق‏.

[2] النخجوانی، نعمة الله بن محمود، الفواتح الالهیة و المفاتح الغیبیة، ج 2، ص 235، دار رکابى للنشر، مصر، الطبعة الاولى، 1999م‏.‏

[3] الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 17، ص 211، مکتب الاعلام الاسلامی، قم، الطبعة الخامسة،1411ق.

[4] مکارم الشیرازی، ناصر،الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏14، ص: 529، مدرسة الامام علی بن أبی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.

[5] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 12، ص 7، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، الطبعة الثانیة، 1403ق.

[6] القمی المشهدی، محمد، تفسیر کنز الدقائق و بحر الغرائب، ج 11، ص 253، مؤسسة الطباعة و النشر التابعة لوزارة الثقافة و الارشاد الاسلامی، طهران، الطبعة الاولى، 1368ش.

[7] آل عمران، 33.

[8] النجفی الخمینی، محمد جواد، تفسیر آسان، ج 17، ص 56، انتشارات اسلامیة، طهران، الطبعة الاولى، 1398ق. تفسیر نمونه، ج 19، ص 310.

[9] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏14، ص: 532.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...