بحث متقدم
الزيارة
5468
محدثة عن: 2008/06/21
خلاصة السؤال
لماذا أمر الله سبحانه ببناء الکعبة؟
السؤال
لماذا أمر الله سبحانه ببناء الکعبة؟ و ما هو الهدف الحقیقی لذلک؟
الجواب الإجمالي

بالاستناد إلى الآیات القرآنیة و الروایات و المستندات التاریخیة، إن الکعبة هی مظهر من مظاهر البرکة الإلهیة، و هی صرح لهدایة البشر، و اتخذ کموضع تجمع لعبادة الحق. إن الله سبحانه، قد اظهر رزاقیته عن طریق إفاضة الخیر الدنیوی الکثیر على هذه البقعة التی کانت من قبل ارض یابسة و جرداء، و بإظهار هذه الحقیقة إن هذا المکان هو محل للوصول إلى مقام و منزلة القرب من الله سبحانه، صوّر الخالق بذلک منحى و سلوک العبودیة لهدایة البشریة.

کما انه عن طریق تقریره لسلسلة من الاعمال العبادیة فی أیام معینة؛ قد بیّن فیها سبحانه للبشریة طریق و مسیر العبودیة و الذی یجب على الإنسان أن یهجر فیها نفسه عن طریق تطهیرها من کل الأدران و من التعلق بالدنیا و من کل صبغة و مظهر غیرالهی؛ و عن طریق الإخلاص و التوبة الخالصة لله سبحانه و الإقبال علیه، و أن یشد رحله بقرب مقام الربوبیة، علاوة على ذلک، فانه جعل بیته موضوعاً لمقام إبراهیم، کما جعله حرماً أمنا یحج إلیه الناس القادرون على ذلک؛ و ان کل واحد من هذه الأمور لهو دلیل و برهان على عظمة الخالق، و فی الواقع لا یوجد دلیل أوضح و أکثر بیانا من هذا الذی نراه کل عام فی موسم الحج حیث نرى ألآلاف من الأشخاص یجتمعون فی هذا المکان و یظهرون الطاعة لله سبحانه عن طریق أداء اعمال و مناسک خاصة، ان هذا الأمر لوحده لیؤدی إلى الصحوة و التحول للآخرین من الناس.

إن الله سبحانه قد أمر ببناء الکعبة الشریفة لکی تکون قبلة فی الصلاة؛ و کذلک یذکرّ الناس به سبحانه عند ذبح الأنعام و الأضاحی و عند وضع الموتى بإتجاه القبلة. و إضافة إلى کل ذلک؛ لکی یوجّه و یجمع القلوب و النفوس المتفرقة فی الظاهر إلى اتجاه و هدف واحد، و لکی یربیّ و ینمّی روح التوحید عند الناس و بذلک یحافظ على ثبات و حیویة الدین.

من کل ذلک یتبین لنا أن الهدف و القصد من إقامة هکذا مکان مقدس لیس هو إلا لإقامة عنوان و مظهر و دلیل للأمور المعنویة و المسائل التی تسمو على المادیات.

الجواب التفصيلي

بالاستناد إلى الآیات القرآنیة و المصادر التاریخیة فی مجال بناء الکعبة، فان الکعبة هی مظهر من مظاهر البرکة الإلهیة، و هدایة البشر[1]. و مکان تجمع[2] لعبادة الحق المطلق، و قد اظهر الباری رازقیته عن طریق إفاضة الخیرات الدنیویة الکثیرة على هذه المنطقة التی کانت جرداء و قاحلة من قبل.[3]

و قد بین الباری عز و جل هذه الحقیقة؛ و هو أن هذا المکان هو محل للحصول على منزلة القرب من الله سبحانه، و صوّر الخالق بذلک منحى و أسلوب العبودیة لهدایة البشریة. کما انه و عن طریق تقریره لسلسلة من الاعمال العبادیة فی أیام معینة، قد بین فیها سبحانه الطریق للبشریة، طریق و مسیر العبودیة و الذی یجب فیه على الإنسان أن یهجر نفسه و ذلک عن طریق تطهیر نفسه من کل الأدران، و من التعلق بالدنیا و من کل صبغة و مظهر غیر إلهیین، و کذلک عن طریق الإخلاص و التوبة الخالصة لله سبحانه و الإقبال علیه و ان یشد رحله إلى قرب مقام الربوبیة،[4] علاوة على ذلک فانه جعل بیته موضعاً لمقام إبراهیم کما جعله حرماً آمنا یحج إلیه الناس القادرون على ذلک و ان کل واحد من هذه الأمور لهو دلیل و برهان على عظمة الخالق.

فی الواقع لا یوجد دلیل أوضح و أکثر بیاناً من هذا الذی نراه کل عام فی موسم الحج حیث نرى الآلاف یجتمعون فی هذا المکان و یظهرون الطاعة و العبودیة لله سبحانه عن طریق أداء أعمال و مناسک خاصة، إن هذا الأمر وحده یؤدی إلى الصحوة و التحوّل لباقی البشر.[5]

قد أمر الله سبحانه ببناء الکعبة الشریفة لکی تکون قبلة فی الصلاة و لتذکّر الناس بالله سبحانه عند ذبح الانعام و عند وضع الموتى بأتجاه هذا المکان المقدس.

و إضافة إلى ذلک کله لکی یوجه و یجمع القلوب و النفوس المتفرقة فی الظاهر إلى اتجاه و هدف واحد، لکی یرّبی و ینمّی روح التوحید عند الناس و بذلک یحافظ على ثبات و حیویة الدین.[6]

من کل ذلک یتبین لنا أن الهدف و القصد من إقامة هکذا مکان مقدس لیس هو إلا لإقامة عنوان و مظهر للمسائل المعنویة و المسائل التی تسمو على المادیات.

و قد أشار القرآن الکریم إلى الأهداف التی من اجلها بنی هذا البناء، کما أشار کذلک إلى الجانب التاریخی له کقوله تعالى: " إن أوّل بیت وضع للناس للذی ببکة مبارکاً و هدى للعالمین".[7]

نشیر هنا إلى عدد من الفوائد و الأهداف لبناء الکعبة المشرّفة:

1. إنشاء مرکز لا ظهار قدرة و قوة الإسلام. یقول هشام بن الحکم أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) نقلا عن هذا الإمام العظیم (ع) أنّه قال حول فلسفة الحجّ و الطواف حول الکعبة: «إنّ اللّه خلق الخلق ... و أمرهم بما یکون من أمر الطاعة فی الدین، و مصلحتهم من أمر دنیاهم، فجعل فیه الاجتماع من الشرق و الغرب، و لیتعارفوا و لینزع کلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد ...، و لتعرف آثار رسول اللّه (ص) و تعرف أخباره و یذکر لا ینسى».[8]

و قد أشار (ع) فی روایة أخرى: "لو کان کل قوم إنما یتکلون على بلادهم و ما فیها هلکوا و خربت البلاد، و سقطت الجلب و الأرباح و عمیت الأخبار...". [9]

2ـ إنشاء مرکز یکون محلا للاحترام. إن امتلاک قاعدة و مرکز یکون محلاً للاحترام و التکریم من قبل إفراده هو من مستلزمات کل مذهب و کل نهج عالمی. و على هذا الأساس قد أسس الله سبحانه هذا المرکز العالمی عن طریق أنبیائه (ع) و قد شاء جل شأنه أن تزداد حرمة هذا المکان و هذا المرکز یوماً بعد یوم.

إن القرآن الکریم إضافة إلى ذکره للقصة المثیرة المتمثلة بإختیار النبی إبراهیم (ع) مکان لاستقرار ذریته، قد أشار إلى کرامة و حرمة هذا البیت: "ربنا إنی أسکنت من ذریتی بواد غیر ذی زرع عند بیتک المحرم".[10]

قد أشار أمیر المؤمنین (ع) الى أهمیة و حرمة الکعبة الشریفة و قال فی خطبته القاصعة: "ألاترون إن الله سبحانه إختبر الأولین من لدن آدم صلوات الله علیه إلى الآخرین من هذا العالم بأحجار لاتضر و لاتنفع، و لا تبصر و لا تسمع، فجعلها بیته الحرام الذی جعله للناس قیاماً. .......".[11]

3ـ توفیر الأمن: بالاستناد إلى ما أشار إلیه القرآن الکریم فان الکعبة هی مکان امن و محل تجمع للناس.[12]

بالرغم محاولات الأعداء الکثیرة لتخریب و الاستهانة و الإساءة إلى هذا المکان المقدس، فان الله أبى إلا ان یحفظ هذا المکان من کید هؤلاء الکفار. إن قصة أصحاب الفیل المعروفة و التی تم فیها سحق و خذلان أبرهة و فیلته و فرارهم  لهی دلیل على إرادته و قدرته سبحانه.

4ـ إقامة مناسک الحج.

قد أشار القرآن الکریم إلى المراسم و المناسک العظیمة التی تتضمن فوائد تربویة و اقتصادیة و أخلاقیة و سیاسیة و... عدیدة حیث أشار و بشکل صریح إلى الفوائد الجمة بکلمة (منافع) لهذه المناسک " لیشهدوا منافع لهم و یذکروا اسم الله فی أیام معلومات ...".[13]

5ـ الأهداف و الفوائد الأخرى، لغرض الاختصار نتجنب الشرح التفصیلی لهذه النقطة و نکتفی بذکرها بشکل مختصر:

● إنشاء مرکز للتجارة و النمو الاقتصادی للمسلمین.

● لیکون مکاناً مناسباً للتطور على الصعید الثقافی و تبادل الآراء.

● إنشاء و إقامة أهم قاعدة لمحاربة الشرک.

● إقامة مکان مناسب لارعاب و إخافة أعداء الإسلام و البراءة من المستکبرین.

● إقامة مکان مناسب لإنسجام الأمة و الإمام و القیادة.



[1] - آل عمران، 96.

[2] - البقرة، 125.

[3] - إبراهیم، 37.

[4] - الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان، ج 1، ص 298.

[5] - نفس المصدر، ج 3، ص 354.

[6] - نفس المصدر، ج 6، ص 142.

[7] - آل عمران، 96.

[8] - وسائل الشیعة، ج 11، ص 14.

[9] - نفس المصدر، ص 15.

[10] - إبراهیم، 37.

[11] - نهج البلاغة، الخطبة 183.

[12] - البقرة، 125.

[13] - الحج، 28.

التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280255 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258831 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129627 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115643 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89557 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61038 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60364 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57374 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51615 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47713 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...