Please Wait
8033
یوجد فی بعض الثقافات کالمسیحیة من یذهب الى التضاد و التنافی بین الایمان و العلم، و لکن الاسلام یقف فی النقطة المقابلة لهذا التفکیر حیث بدأ شعاره و على لسان نبیّه الاکرم (ص) بکلمة "اقرأ" الأمر الذی یحث على فهم الدین فی جمیع ابعاده العقائدیة و السیاسیة و الاخلاقیة و العملیة و.... علمیاً، بالاضافة الى الکم الکبیر من الروایات التی تعالج قضایا من قبل المفاهیم الطبیة، الصحة، البیئة و... و کذلک الکثیر من الآیات التی تحدثت عن الفلک و السیارات و المجرّات و سائر العلوم العصریة الاخرى.
من هنا، یتضح و بجلاء تام بان الدین الاسلامی لا یتنافى و لا یتضاد بحال من الاحوال مع العلوم بل یؤید تلک العلوم التی ثبتت اسسها و مبانیها العلمیة کالکیمیاء و الفیزیاء و الریاضیات. و قد تکون تلک العلوم أسسا لاثبات وجود الله تعالى و معرفته؛ لکن ینبغی الالتفات الى أن العلوم التی یکون لبیان اسسها دور فی تطور المجتمع و ازدهاره هی خصوص اسس العلوم الانسانیة المنسجمة مع الدین الاسلامی، و ذلک لان العلوم الانسانیة منطلقة من فلسفات خاصة فقد نتفق مع تلک الفلسفات المطروحة فی مجال معرفة الانسان و قد نختلف معها و نرفضها، و الفلسفات المرفوضة تؤدی الى انحطاط المجتمع و تراجعه حسب النظرة الاسلامیة.
و لذلک عندما اثیرت هذه الشبهة أمام أحد العلماء فی لقائه مع النخب الحوزویة و قیل له أن هناک من یذهب الى عدم جدوائیة العلوم الانسانیة و تضادها مع الدین و انها غیر مفیدة للباحثین الاسلامیین!!
اجاب قائلا: نحن لا ندعی عدم جدوائیة العلوم الانسانیة و عدم فائدتها فقط بل ندعی اکثر من ذلک حیث نقول بانها مضرة.
فالقضیة تتبع صحة المنطلقات و الفلسفات المطروحة لبیان الرؤى و الاسس المتبناة فی المعالجة فان کانت صحیحة و منسجمة مع مبانی الدین الاسلامی کانت لها آثار ایجابیة جداً فی التطور والازدهار الاجتماعی، و العکس صحیح.
فی الوقت الذی نرى الرسالة المحمدیة شرعت دعوتها بالحث على العلم و المعرفة، نجد بعض الاتجاهات الفکریة کالمسیحیة و بعض الفرق الاخرى ترى التنافی بین الایمان و العلم و قد تجلى هذا بوضوح فی الفلسفة الفیدئیسمیة و التی یتزعهما الفیلسوف العلمانی کیرکیجور، حیث یذهب هذا الاتجاه المعرفی الى تبنّی القول بتنافی الدین و العلم و لا مجال لاجتماعهما بحال من الاحوال فاینما حل العلم رحل الدین و کذا العکس.
و العجیب ان کیرکیجور فی الوقت الذی یعد من الفلاسفة یذهب الى تبنی القول بان صلاحیات الدین تدور فی دائرة القضایا التی لا نعرفها و دائرة المجهولات لا دائرة المعلومات. و هذا یعود فی الحقیقة الى المفاهیم التی طرحت فی الفلسفة المسیحیة و الالهیات النصرانیة و التی لا مجال هنا للتعرض لها مفصلاً.
و فی المقابل نجد الاسلام یقف فی النقطة المقابلة لهذا التفکیر حیث بدأ شعاره و على لسان نبیّه الاکرم (ص) بکلمة "اقرأ"، و هو الذی جعل المیزان للتفاضل یکمن فی العلم و المعرفة "هل یستوی الذین یعلمون والذین لا یعلمون" [1] حیث یرجع الانسان الى وجدانه و یخاطبه بالقول هل من الصحیح التسویة بین العالم و الجاهل؟! الاسلام الذی یحث دائما على العلم و المعرفة و تحصیل المعارف و یأمر أتباعه "لیتفقهوا فی الدین" [2] لیفهموا جمیع ابعاد دینهم العقائدیة و الفکریة و السیاسیة و الاخلاقیة و العملیة و..
من هنا لا یصح القول بان الدین یتنافى مع العلم و هو الذی رفع شعار"اطلبوا العلم" [3] فلیس من العجب ان نرى تلامذة الامام الصادق (ع) یتوزعون على اکثر من دائرة علمیة و لا ینحصر وجودهم فی العلوم الدینیة و المعنویة خاصة، بل نجد فی اوساطهم من امثال العالم الکیمیاوی المعروف جابر بن حیان الکوفی و غیره من العلماء الذین نهلوا من علم الامام (ع) فی شتّى العلوم و المعارف.
بالاضافة الى الکم الکبیر من الروایات التی تعالج قضایا من قبل المفاهیم الطبیة، الصحة، البیئة و... و کذلک الکثیر من الآیات التی تحدثت عن الفلک و السیارات و المجرّات و سائر العلوم العصریة الاخرى.
و لعل من أبرز الشواهد العلمیة المعاصرة التی تثبت عدم التنافی، نظام الجمهوریة الاسلامیة الذی استطاع ان یجمع بین العلم و الدین على اکمل وجه.
نعم، هناک قضیة مهمة یجب الالتفات الیها و قد أکد علیها السید القائد (دام ظله) فی زیارته الاخیرة لمدینة قم و هی: ان بعض العلوم تحمل طابعا قیمیا و هی العلوم الانسانیة حیث أکد على أن تلک العلوم لما کانت تنطلق من فلسفات خاصة، من هنا لابد من النظر الى تلک الفلسفات المعتمدة فیها فان کانت منسجمة مع الفکر الاسلامی أخذنا بها و الا فلا.
و لذلک عندما اثیرت أمامه هذه الشبهة و فی اللقاء الذی جمعه مع النخب الحوزویة و قیل له أن هناک من یذهب الى عدم جدوائیة العلوم الانسانیة و تضادها مع الدین و انها غیر مفیدة للباحثین الاسلامیین!!
اجاب قائلا: نحن لا ندعی عدم جدوائیة العلوم الانسانیة و عدم فائدتها فقط، بل ندعی اکثر من ذلک حیث نقول بانها مضرة.
ومن الواضح ان القضیة عنده (حفظه الله) تتبع صحة المنطلقات و الفلسفات المطروحة لبیان الرؤى و الاسس المتبناة فی المعالجة فان کانت صحیحة و منسجمة مع مبانی الدین الاسلامی کانت لها آثارها الایجابیة جداً فی التطور و ازدهار المجتمع، و العکس صحیح. و لعل هذا هو السبب الذی جعله (دام ظله) یؤکد و منذ اکثر من 15 سنة على العلوم الانسانیة و الاهتمام بها.
تحصل، و بجلاء تام ان الدین الاسلامی لا یتنافى و لا یتضاد بحال من الاحوال مع العلوم بل یؤید تلک العلوم التی ثبتت اسسها و مبانیها العلمیة کالکیمیاء و الفیزیاء و الریاضیات. و قد تکون تلک العلوم أسساً لاثبات وجود الله تعالى و معرفته حیث یتم الارجاع الیها فی هذا المجال کما فعل القرآن الکریم.
نعم، لابد من اصلاح الابعاد غیر المنسجمة مع الدین فی تلک العلوم، و الا لا یمکن القبول بتلک العلوم على علاتها.
مواضیع ذات صلة:
العلم و العقل و الدین، القرآن و العلوم، 592 (الرقم فی الموقع: 645).