Please Wait
5629
موجودات العالم- غیر الله تعالى- محتاجة الى الله تعالى - بالاضافة الى وجودها الاولی- فی بقائها أیضاً و استمرار الحیاة.و قد ثبت فی التوحید الواحدی أنه لا یوجد موجود مستقل و غنی و هو العلة لتمام الموجودات الامکانیة الا الله تعالى؛ و ذلک لانه طبقا لقانون العلیة و استحالة الدور و التسلسل، کل موجود یحتاج الى علة حتى تختم السلسلة بعلة مستقلة غنیة. إذن یستحیل تعدد الوجودات الابدیة السرمدیة المستقلة ذاتا. نعم، أشارت الآیات و الروایات الى وجودات أبدیة و سرمدیة، و لکنها أبدیة و سرمدیة مفاضة من الذات الالیهة المقدسة التی هی غنیة بالاستقلال.
تقسم موجودات الکون الى قسمین، الاول منهما یکون طرفه الوجودی قائماً بالذات فهو غنی فی وجوده عن الغیر. و یتصف هذا الوجود بالاستقلالیة و هو واجب الوجود. القسم الثانی من الموجودات ما لا یکون غنیاً و مستقلاً ذاتاً و هو محتاج الى الغیر فی وجوده، و هذا الصنف یطلق علیه عنوان "ممکن الوجود".
و بعبارة أخرى: عندما ننظر الى الذات الماهویة للوجودات الامکانیة نجد نسبة ذاتها الى الوجود و العدم متساویة، و لکی تخرج من هذا الحالة تحتاج الى علّة تخرجها منه و هذه العلة خارجة عن ذاتها، خلافا لذات واجب الوجود تعالى فان وجوده ضروری و لا یحتاج الى الغیر فی تحقق ذاته.[1]
أما فی خصوص السؤال عن الموجود الاول و علّة العلل لتمام الموجودات؟ نقول: لاشک أن علة العلل هو الله تعالى، فالموجود الازلی هو الذات المقدسة للباری تعالى. و من جهة أخرى أن تلک الذات المقدسة و طبقاَ لآیات الذکر الحکیم و بحکم العقل، هی أزلیة و أبدیة سرمدیة؛ و ذلک لان الوجود الذی یکون علة لتمام الموجودات لابد ان یکون منزها عن النقص، و حینئذ کیف نتصور تطرق النقص و الحاجة الیه، و ذلک لان لازم النقصان الحاجة، و الموجود المحتاج معلول لموجود أکمل منه، و علیه اذا قلنا أن و اجب الوجود غیر سرمدی و انه سیعدم یوما ما، فهذا یعنی التسلیم بمعلولیته، و هذا مخالف لذات الله تعالى.
و لکن یطرح السؤال التالی: هل من الممکن لموجود غیر الذات الالهیة أن یکون أزلیاً و سرمدیاً؟
لاریب أن آیات الذکر الحکیم و الروایات الشریفة تصرح بان الموت لا یعد نهایة المطاف و أن الانسان المیت لا یفنى، بل هو انتقال من حال الى حال "وَ لَا تحَْسَبنََّ الَّذِینَ قُتِلُواْ فىِ سَبِیلِ اللَّهِ أَمْوَاتَا بَلْ أَحْیاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ یرْزَقُون".[2] بل صرحت الآیات بانهم "خالدون" کما فی قوله تعالى: "وَ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا أُولئِکَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ".[3] و قوله تعالى "وَ بَشِّرِ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ کُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِی رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَ لَهُمْ فِیها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ هُمْ فِیها خالِدُونَ".[4]
إذن صریح القرآن الکریم أن الله تعالى منح الابدیة لموجودات أخرى لکنها أبدیة بالغیر و بالتبع، و أما أبدیته تعالى فبالذات و الاستقلال، فذاته تعالى عین الغنى و الاستقلال و أما الذوات الابدیة الأخرى فهی عین الفقر و الحاجة، و هذا فارق جوهری بین الذاتین؛ بمعنى أنه اذا قیل بامکانیة الابدیة لممکن الوجود فهذا لا یعنی کون ابدیته بالاستقلال و عدم الحاجة للغیر، بل تبعیة و حاجة الممکن الى العلة ثابتة دائما و تلازمه دائماً و لا تحصل أبدیته الا من خلال ما تفیضه علیها الذات الالهیة المقدسة المستقلة.
فغنى ذات الباری تعالى یثبت من خلال کونه واجب الوجود من جهة و کونه علّة لتمام الموجودات الاخرى، و لکن السؤال الاساسی المطروح هو: هل الوجود الممکن کما أنه محتاج الى العلة حدوثاً، هو محتاج الى العلة بقاءً؟ و بعبارة اخرى: لماذا الضرورة بالغیر تلازم الممکن دائماً؟
للاجابة عن السؤال لابد من البحث عن ملاک حاجة المعلول الى العلة ما هی؟ فان کان الملاک أمراً ذاتیاً للممکن، فهذا یعنی مادامت الذات المحتاجة موجودة کان الحاجة ملازمة لها و لا یختص الامر بزمان او مکان خاص.
و قد طرحت فی هذا المجال عدة نظریات یحتاج الخوض فیها الى بحث مفصل. و لکن یمکن الاشارة الى ما ذهب الیه صدر المتألهین أن ملاک حاجة المعلول الى العلة هو الامکان لا الحدوث و مع ثبوت هذه النظریة یکون المعلول محتاجا الى علته حدوثا و بقاءً.
و فی المقابل هناک من ذهب الى کون الملاک حاجة المعلول الى العلة هو الحدوث، و هذا یعنی أن الموجود محتاج الى العلة فی حدوثه و تحققه فقط، فاذا حصل ذلک استقل و استغنى عنها فی بقائه. و هذا یعنی وجود اشیاء تتصف بالابدیة غیر الله تعالى.
وقد قرر الملا صدرا حاجة المعلول الى العلة على کلا الفرضین فی کتاب الاسفار الاربعة الجزء الثانی تحت عنوان" فصل ( 12) ماهیة الممکن بشرط حضور علتها الکاملة یجب وجودها و بشرط عدمها یمتنع و عند قطع النظر عن الشرطین باقیة على إمکانها الأصلی.[5] و بما ان العبارة صعبة نوعا ما ومعقدة نحاول نقل ما قرره صاحب الالهیات حیث قال تحت عنوان:
1. حاجة المُمْکِن إلى العِلّة تنحصر فی حُدوثه:
قالوا: إنَّ سِرّ حاجة الممکن إلى الواجب و المعلول إلى العلّة هو حدوثه الذی یفسّر بالوجود المسبوق بالعدم و انقلاب العدم إلیه. فإذا حدث الممکن ترتفع الحاجة، لأنَّ البقاء شیء و الحدوث شیء آخر. إذ الحدوث لا ینطبق إلَّاعلى الوجود الأول القاطع للعدم. و أمَّا الوجودات اللاحقة فلا تتصف بالحدوث بل تتصف بالبقاء، فعندئذٍ یکون الشیء فی بقاء ذاته غیر محتاج إلى العلّة.
یقول الشیخ الرئیس حاکیاً عقیدة المفوضة: «و قد یقولون: إنَّه إذا أوجد فقد زالت الحاجة إلى الفاعل حتى أنَّه لو فُقِدَ الفاعل جاز أن یبقى المفعول موجوداً کما یشاهدونه من فقدان البنّاء و قوام البناء. و حتى أنّ کثیراً منهم لا یتحاشى أن یقول: لو جاز على الباری تعالى العدم لما ضرّ عدمه وجودَ العالم لأنَّ العالم عندهم إنما احتاج إلى الباری تعالى فی آن أوجده (أخرجه من العدم إلى الوجود) حتى کان بذلک فاعلًا، فإذا جعل و حصل له الوجود من العدم، فکیف یخرج بعد ذلک الوجود عن العدم حتى یحتاج إلى الفاعل»[6] [7]
2. إنَّ مناط حاجة المعلول إلى العلّة هو الإِمکان
أی عدم کون وجوده نابعاً من ذاته، و کون الوجود و العدم بالنسبة إلى ذاته متساویان، و هذا المِلاک موجود فی حالتی البدء و البقاء، و أمَّا الحدوث فلیس ملاکاً للحاجة فإنه عبارة عن تحقق الشیء بعد عدمه، و مثل هذا أمر انتزاعی ینتزع بعد اتصاف الماهیة بالوجود، و مِلاک الحاجة یجب أن یکون قبل الوجود لا بعده.
إنَّ الحدوث أمر منتزع من الشیء بعد تحققه، و یقع فی الدرجة الخامسة من محل حاجة الممکن إلى العِلّة. و ذلک لأن الشیء یحتاج أولًا ثم تقترنه العلة ثانیاً، فتوجده ثالثاً، فیتحقق الوجود رابعاً، فینتزع منه وصف الحدوث خامساً. فکیف یکون الحدوث مناط الحاجة الذی یجب أن یکون فی المرتبة الأولى و قد اشتهر قولهم: الشیء قُرّرَ (تُصُوِّر)، فاحتاج، فأوجد، فُوجِد، فحَدَث.
وبعبارة ثانیة: ذهب الحکماء إلى أنَّ مناط الحاجة هو کون الشیء (الماهیة) متساوی النسبة إلى الوجود و العدم، و أنَّه بذاته لا یقتضی شیئاً واحداً من الطرفین و لا یخرج عن حد الإِستواء إلَّابعلة قاهرة تجره إلى أحد الطرفین، و تخرجه عن حالة اللاإقتضاء إلى حالة الإِقتضاء فإِذا کان مناط الحاجة هو ذاک (إن الشیء بالنظر إلى ذاته لا یقتضی شیئاً) فهو موجود فی حالتی الحدوث و البقاء. و القول باستغناء الکون فی بقائه، عن العلّة، دون حدوثه، تخصیص للقاعدة العقلیة التی تقول: إِنَّ کل ممکن مادام ممکناً بمعنى ما دام کون الوجود غیر نابع من ذاته یحتاج إلى علّة، و تخصیص القاعدة العقلیة مرفوض جداً.[8]
وعلى هذا عندما یثبت الامکان الفقری للوجود، یکون الامکان وصفا له، و الامکان الفقری عین الحاجة و الفقر التی تتصف به ذات المعلول، و الفقر و الحاجة من ذاتیات الممکن، فعندما یکون شیء ذاتیا لأمر ما یکون ملازما له دائما و لا ینفصل عنه أبداً، و بالنتیجة یکون المعلول ما دام موجوداً یلازمه الاحتیاج الى العلة.
فاذا ضممنا هذه النتیجة العقلیة الى الروایات الدالة على أبدیة الانسان، یمکن القول بوجود موجود أبدی غیر الله تعالى لکنه تابع و محتاج الى الذات المقدسة للباری تعالى فی أبدیته و سرمدیته.[9]
[1] انظر: امتناع تعدد واجب الوجود، 9504 (الموقع: 9463).
[2]آل عمران، 169.
[3]البقرة، 39.
[4]البقرة، 25.
[5]الاسفار الاربعة، ج2، ص203-204، مکتبة المصطفوی، قم، الطبعة الثانیة، 1409هـ.
[6]السیحانی، الالهیات، ج2، ص: 325، نقلا عن: الإشارات للشیخ الرئیس، ج 3، ص 68. لاحظ کشف المراد، الفصل الأول، المسألة 29، و المسألة 44. و الأسفار، ج 2، ص 203- 204.
[7] الربانی گلپایگانی، علی، ایضاح الحکمة فی شرح بدایة الحکمة، ص 193، انتشارات المرکز العالمی للعلوم الاسلامیة، قم.
[8]الالهیات، ص325-326.
[9] انظر: امتناع تعدد واجب الوجود، 9504 (الموقع: 9463).