بحث متقدم
الزيارة
6638
محدثة عن: 2011/09/13
خلاصة السؤال
هل التوسل یؤدّی الی الضلال و هل یوجد عندنا دلیل علی التوسل؟
السؤال
جاء فی إحدی القنوات التلفزیة بحث عن التوسل و قد قال من کان بمقام الدفاع عن مذهب التشیع: لو کان التوسل شرکا و عملاً غیر صحیح فلماذا یحصل المرضی علی شفائهم عند توسلهم بأحد الائمة کالإمام الرضا (ع) مثلاً؟ فاُجیب عنه، ان هذا الشفاء هو بسبب ضلالتهم، فلإنهم مصرّون فی ضلالتهم فالله سبحانه یشفیهم مباشرة حتی یتصوّروا إن الشفاء حصل لهم بالتوسل بالإمام فیزدادوا ضلالة و هذا مصداق هذه الجملة القائلة: "قُلْ مَنْ کانَ فِی الضَّلالَةِ فَلْیَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّاً" فلو کان کذلک فکل توسلاتنا و نتائجها هی مضلّة، أرجوا أن تُرشدونی الی ما یبطل هذا المدّعی من الأدلة النقلیة و العقلیة.
الجواب الإجمالي

التوسل لیس فقط غیر مؤدٍ للضلالة فحسب، بل هو طریق و وسیلة للقرب الإلهی. و إن شفاء الإمام الرضا (ع) للمریض لیس هو الدلیل الأصلی علی صحة التوسل بل هو من المؤیدات الجیدة علی ذلک. طبعاً غیر ما سنبینه من الأدلة العقلیة و النقلیة. فنظام العالم قائمٌ علی أساس العلة و المعلولیة و کما أن الوصول الی الأهداف المادیة فی الدنیا المادیة تحتاج الی التوسل بالأسباب، کذلک نظام المعیشة المعنوی و الملکوتی فهو أیضاً قائمٌ علی مثل هذا النظام، و کما یقول القرآن الکریم للمؤمنین "یَأَیُّهَا الَّذِینَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَ ابْتَغُواْ إِلَیْهِ الْوَسِیلَة".

الجواب التفصيلي

للتوسل أدلة عقلیة کما له أدلة نقلیة أیضاً، و شفاء المرضی بالتوسل لیس هو الدلیل الأصلی علی صحة التوسل، بل یُمکنه اعتباره من المؤیّدات من جهة اخری. فالجواب الذی اعطاه الطرف المقابل نوع من المغالطة، لأننا لا یُمکننا الاستفادة من عموم هذه الجملة (قُلْ مَنْ کانَ فِی الضَّلالَةِ فَلْیَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [1] إلا إذا اثبتنا الضلالة مسبقاً. و عندئذٍ إذا أردنا أن نعطی الاستدلال صورة منطقیة ستکون هکذا:

ص: التوسل اصرار علی الضلالة.

ک: کل من یصر علی الضلال نزده ضلالة.

النتیجة: کل من یصر علی التوسل نزده ضلالة.

و کل استدلال بالإضافة الی کون صورته المنطقیة صحیحة یجب أن تکون مقدماته أیضاً صحیحة. و فی هذا الاستدلال نجد المقدمة الاولی (الصغری) هی مجرد ادعاء لیس إلا و لیس علیه أی دلیل. بعبارة اخری هم ظنوا أن لا دلیل علی التوسل و استخرجوا هذه المقدمة (التوسل اصرار علی الضلال) نتیة ظنهم الباطل، فی الوقت الذی نری الأمر علی خلاف ذلک تماماً. فللتوسل أدلة محکمة و متقنة کل من یسمعها لا یشک فی أنه أفضل و أقصر وسیلة للقرب الی الله سبحانه.

التوسل فی الاصطلاح هو: أن یقرّب الإنسان شیئاً ما بعنوان وسیلة الی الذات الإلهیة المقدسة حتی یقبل الله دعاءه و یوصله الی مطلوبه.

مجاری الأسباب للوصول الی المقاصد المعیشیة سواء أکانت المادیة منها أم المعنویة، أمر فطری و عقلی، لا یستثنی منه حتی الموجودات الحیوانیة و النباتیة. فأساساً ان نظام الخلقة هو نظام الأسباب و المسبّبات کما یقول الإمام الصادق(ع): "أبی الله أن تجری الأمور إلا بأسبابها". [2]

فالإنسان فی حیاته العادیة و الطبیعیة دائماً فی حال اعمال عقله و فطرته للبحث عن الأسباب و الوسائل العادیة و الطبیعیة لرفع حاجات معیشته المادیة. فکل تقدّم و تحول عجیب و جذری فی حیاة البشر المادیة فهو ثمرة التوسل بالأسباب المناسبة لکل حادثة من کشف العلاقات العلیة و المعلولیة.

و النکتة الأساسیة فی هذا المجال هو أن حیاة البشر لا تقتصر علی الحیاة المادیة، بل أن الحیاة المعنویة‌و الملکوتیة هی الحیاة الأصلیة للإنسان و هذه الحیاة أیضاً قائمة علی أساس نظام الأسباب و المسبّبات، الإنسان مع هذا الفرق فی نظام الحیاة الطبیعیة، یُمکنه معرفة الأسباب المناسبة باستثماره لعقله و علومه التجریبیة، أما حیاته المعنویة فمعرفة الأسباب العالیة للإنسان و طریقة التمسک بها خارج عن حدود العقل و التجربة البشریة غالبا، لذلک فالإنسان یحتاج بشکل أکید للمصادر الدینیة للتعرّف علی مصادیقها.

من هنا نری القرن الکریم یأمر المؤمنین بالبحث عن الوسیلة للوصول الی الله."یَأَیُّهَا الَّذِینَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَ ابْتَغُواْ إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ وَ جَاهِدُواْ فىِ سَبِیلِهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُون‏" .

هذه الآیة تبیّن بشکل واضح أن التقرّب الی الله هو رهین الوسیلة أم الوسائل التی یحصل علی ضوئها التقرّب المعنوی الی الله. لکم ما هی هذه الوسیلة:

هناک روایات کثیرة فی الکتب الروائیة الشیعیة و السنیة تُبیّن أن النبی محمد (ص) و أهل بیته (ع) أفضل وسیلة للتقرّب الی الله سبحانه و تعالی. [3]

البحث النقلی للتوسل فی الروایات الشیعیة و السنیة واسع جداً، لذلک لا یبقی أی مجال للشک و الشبهة فیه. لمزید من الاطلاع فی هذا المجال راجعوا المواضیع التالیة:

فلسفة التوسل بأهل البیت (ع)، السؤال 1321 (الموقع: 1316).

التوسل و الشفاعة فی رأی أهل السنة، السرال رقم 4889 (الموقع: 5777).

اعتقاد السنة قبل ابن تیمیة بالتوسل، السؤال رقم 4205 (الموقع: 4940).



[1]    مریم، 75.

[2]    انظر: الکلینی، الکافی، ج1، ص183، دار الکتب الإسلامیة، 1365 هـ .ش.

[3]    نهج البلاغة، خطبة 106.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257233 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128140 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113239 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88996 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59549 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49727 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...