بحث متقدم
الزيارة
5869
محدثة عن: 2011/10/02
خلاصة السؤال
لماذا استند الامام الحسین (ع) فی یوم عاشوراء الى کونه سبطاً للرسول (ص)علماً أن مجرّد الانتساب لا یدل على الاحقیة کما هو الحال فی ولد نوح (ع)؟
السؤال
لماذا استند الامام الحسین (ع) و کما یقول الشهید المطهری فی خطبه یوم عاشوراء الى کونه سبطاً للرسول (ص) و الکلمات التی قالها النبی الاکرم (ص) فی حقه، علماً أن مجرّد الانتساب لایدل على الاحقیة کما هو الحال فی ولد نوح (ع)، و کذلک الثناء من قبل النبی(ص) لایدل هو الآخر على استمراریة الاستقامة لصدور الکثیر من الکلمات من قبل النبی (ص) بحق کل من طلحة و الزبیر و نحن نعرف موقفها و حربهما لأمیر المؤمنین (ع)؟
الجواب الإجمالي

مع کون الملاک فی نجاح الانسان فی مسیرته الدینیة یقوم على الایمان و العمل الصالح لا على الانساب و الاحساب، من هنا لابد من تحلیل الکلمات التی صدرت من الامام الحسین (ع) یوم عاشوراء و التی ذکّر فیها بنسبه و قربه من رسول الله (ص) لنرى هل تنسجم مع التعالیم الدینیة أم لا؟ و نحن اذا حللنا القضیة نجد أن النسب و الحسب یعتبران میزة خاصة و شرفاً لصاحبها فیما إذا اقترنا بالعمل الصالح و السلوکیات الحسنة، و مما لاریب فیه أن الامام کان فی أسمى مراتب الانسانیة سلوکا و سیرة و هذا ما شهد به القاصی و الدانی، فهو علیه السلام لیس بحاجة فی إثبات حقانیته عند الله تعالى الى التذکیر بمثل ذلک النسب، و انما أراد ان یزیح عن أعین الجاهلین فی الجبهة المقابلة ما تراکم علیها من غبار الاعلام المضلل الذی صور الامام انساناً خارجاً على القانون و الشرعیة!! و کذلک أراد من وراء ذلک وعظ الناس و ارشادهم الى الطریق الصحیح و القیادة الشرعیة. فالامام (ع) کان مضطراً لاعتماد هذا الاسلوب لأجل المساعدة فی تحقیق الاهداف التی ثار من اجلها و المتمثلة فی عملیة الاصلاح فی أمّة جده (ص).

الجواب التفصيلي

یشتمل السؤال المطروح على محاور مختلفة نشیر الیها بالتدریج.

1. هل الانتساب الى النبی الاکرم (ص) بالبنوّة یعد میزة خاصة فی حد ذاته؟

ورد فی زیارة الرسول الاکرم (ص) عن بعد، و زیارة وارث و الاربعین اعتبار طهارة نسل النبی الاکرم (ص) میزة ممتازة لصاحبها کما الفقرة التالیة: "فی الأرحام الطاهرة لم تنجسک الجاهلیة بأنجاسها و لم تلبسک المدلهمات من ثیابها".[1]

انطلاقا من هذه العبارة تعد بنوّة النبی الاکرم (ص) فی حد نفسها میزةً خاصة، و لکن ینبغی الالتفات الى أن التولد من الطاهرین و الصالحین إنما یوفّر الارضیة للسعادة فقط و من هنا یعد إمتیازاً خاصاً و لایمثل العلة التامة للسعادة او الشقاء. فان الملاک الحقیقی هو عمل الشخص نفسه و نوعیة السلوکیات التی تصدر منه، ففی الآخرة یسأل الانسان عن عمله؟ و لایسأل عن والدیه و نسبه. و قد أشار القرآن الکریم الى کون الدنیا دار عمل و الآخرة هی محل الثواب و الجزاء و لا قیمة هنا للآباء و الازواج و الاولاد و الاقارب و...[2]

و على هذا الاساس یکون لتلک المزیة دورها مادام صاحبها یسیر على الصراط القویم و لم ینحرف عنه، و الا کان شأنه شأن ولد نوح الذی انحرف عن المسیر و لم یسلک جادة الحق و الصلاح فلم ینفعه حینئذ نسبه و لا حسبه و إن کان إبناً لنبی من أنبیاء الله، و بعبارة اخرى: اذا حصل الانحراف لم تنفع تلک الفضیلة فی تحقیق النجاة و الخلاص.

و الناظر الى تاریخ الامام الحسین (ع) یجد أن الحق و الحقیقة قد تجسدا فی شخصه الکریم فلم یزغ عن الحق طرفة عین بل الاکثر من ذلک تراه قد ضحى بالغالی و النفیس لیصون دین جده من الانحراف و الامة الاسلامیة من الضلال و الزیغ، فاذا اقترن ذلک بمزیة القرب النسبی من الرسول (ص) فحینئذ یزداد صاحبها نوراً على نور.

2. لماذا استند الامام الحسین (ع) فی خطبه یوم عاشوراء الى کونه سبطاً للرسول (ص) و استند الى الکلمات التی قالها النبی الاکرم (ص) فی حقه؟

یمکن الاشارة هنا الى بعض الأمور المهمة:

الف) جمعت ساحة کربلاء المضمخة بالدماء فریقین من الناس، الفریق الاول یتسم بالاضافة الى الافعال السامیة و الارتفاع و الشموخ من الناحیة السلوکیة و الکرامة و العزّة، بکونه منحدراً من الاصلاب الشامخة و الارحام المطهرة، فهو یجمع بین صلاح العمل و طهارة المولد و شرف الآباء و الاجداد و الامهات لانحداره من الحضن الطاهر لفاطمة الزهراء و من صلب علی أمیر المؤمنین (ع).

و فی الجهة المقابلة تجد فریقا من الناس بالاضافة الى سوء السریرة و قبح الافعال تجدهم ینحدرون من بیوت وضیعة و احساب دنیئة فهم فی الحضیض ذلة و حقارة، و من هنا کانوا ینسبون الى إمهاتهم لا الى آبائهم فلم یعرف الى أی أب ینتسبون!!

فاذا ما أکد الامام الحسین (ع) على هذه القضیة کثیراً مشیراً الى حسبه و نسبه فلا ریب أنه لم یکن یقصد من وراء ذلک التعریض بالجبهة المقابلة و التفاخر و التباهی، و إنما کان یرید التأکید على عدم تناسخ الجبهتین و الاسرتین حتى تتمکن الاسرة المطهرة من مد ید البیعة لقائد الجبهة المنحرفة و سیدها أو الانسجام معها بأی نوع من انواع الانسجام و الإلفة لان فی ذلک إضفاء على ما صدر منها نوعاً من الشرعیة و التأیید.

ب) أراد الإمام الحسین (ع) من خلال التذکیر بنسبه الى رسول الله (ص) و أمه الطاهرة البتول (ع) أن یتخذ من ذلک وسیلة لوعظ الناس و هدایتهم مذکراً إیاهم بانهم یقاتلون رجلا لیس على وجه الارض ابن بنت نبی غیره، لیخرجهم بذلک من الضلال الى الهدایة و الفلاح، و لیس مراد الامام من ذلک إثبات حقانیته! و لقد اثبت التاریخ بان هذا الاسلوب کان له الاثر فی هدایة الحر بن یزید الریاحی و بعض مرافقیه من الجیش فترکوا جبهة الباطل و التحقوا بجبهة الحق الحسینیة.[3]

و مع هذا کله، هل یبقى للمقارنة بین الامام الحسین (ع) و بین کل من طلحة و الزبیر مجال!! فاین من جدّه المصطفى و ابوه علی أمیر المؤمین الذی لم یسجد لوثن قط، و أمه فاطمة البتول (س) بضعة الرسول الاکرم (ص)، و عمّه جعفر الطیار، و أین من کان آباؤهم و امهاتمهم من عبدة الاوثان و الاصنام؟!!

ج) من المؤسف أنه و بعد رحیل النبی الاکرم (ص) و خاصة فی العصر الاموی شنّت حملة شعواء من التحریف و التشویه ضد أهل البیت (ع) و کانت تشتد یوما بعد یوم حتى وصل الأمر الى التشکیک بأن أمیر المؤمنین (ع) هل کان من المصلین أم لا؟ و اعتبار الحسین (ع) خارجیاً!!!.

فی تلک الاجواء المشحونة بالتحریف و التضلیل أثار الامام قضیة نسبه و قربه من الرسول الاکرم (ص) لیحقق غرضین الاول ازاحة الشبهة و الحجب عن أعین الجیش المحارب له و تحریک العواطف نحو الحق الذی یحمله الامام، و الثانی القاء الحجّة علیهم.

د) لم یکن أمر الانتساب الى الآباء و الاجداد بدعا من قبل الامام الحسین (ع)، و إنما کان من الامور المتعارفة بین العرب حیث کانت تتم الاشارة الى الاحساب و الانساب إثناء الحروب التی تقع بینهم، فقد کان المتحاربون یعرفون بانفسهم و یرتجزون بالاشعار التی تدل على أنسابهم و احسابهم.

3. کیف یصح الاستناد الى هذه القضایا و هی صادقة فی حق طلحة و الزبیر أیضاً؟

اتضح مما مرّ أن الامام الحسین (ع) و نظراً للاهداف السامیة التی یحملها من اصلاح الإمّة و الاخذ بیدها الى الصراط القویم، مضطراً للاستفادة من تلک القضایا.

و بعبارة أخرى: لم یکن الإمام (ع) فی مقام التظلّم و استغلال الاواصر النسبیة حتى یرد الاشکال المذکور؛ و ذلک لان هذا الاشکال إنما یرد فیما اذا کان الامام بصدد تحصیل بعض الامتیازات و المنافع الشخصیة و مع انعدامها لا یصح محاسبة الامام على ما تفوّه به من کلمات تدل على حقانیة مسیرته و ثورته المبارکة.

4. هل یصح سند تلک الکلمات أو لا؟

اتضح أنه لا اشکال فی تلک القضیة من الناحیة الدلالیة و الفکریة، فلا حاجة حینئذ للبحث السندی فیها و إن ذکرت فی الکثیر من کتب المقاتل و المصنفات التاریخیة.



[1] الطوسی، مصباح‏المتهجد، ص 789، مؤسسة فقه الشیعة، بیروت، 1411 هجری قمری.

[2] المجموعة الکاملة لآثار الاستاد الشهید مطهری، ج‏27، ص 477. (القرص المدبج).

[3] انظر: المجلسی، محمد باقر، بحارالانوار، ج 44، ص 319، مؤسسة الوفاء بیروت - لبنان، 1404 هجرى قمرى.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...